الحرة بيروت ـ خاص
أزمة الطاقة في قطاع غزة تُعد واحدة من أزمات العصر الحديث التي لا تزال تؤثر بشكل عميق على حياة ملايين الفلسطينيين. فقد تحولت الكهرباء إلى أداة ضغط تُستخدم لفرض حصار ومعاقبة السكان في وقت الحرب والسلم على حد سواء. هذه الأزمة التي لا تزال تتفاقم بسبب الاحتلال الإسرائيلي، لا تقتصر على محدودية الموارد، بل تشمل أيضًا استهداف البنية التحتية للطاقة وقطع الإمدادات، ما يزيد من تعقيد الوضع المعيشي والإنساني في القطاع. ورغم محاولات السكان إيجاد حلول بديلة، تظل هذه الحلول غير مستدامة وتقتصر على التعامل مع الأزمة بطرق مؤقتة.
منذ عام 2007، يعاني قطاع غزة من حصار مشدد تتحكم فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المعابر وتمنع دخول الإمدادات الأساسية بما في ذلك الوقود والكهرباء. هذا الحصار أثَّر بشكل كبير على قدرة القطاع على تلبية احتياجاته من الطاقة، لاسيما في ظل تزايد الطلب على الكهرباء بسبب النمو السكاني المستمر. لكن الأزمة أخذت أبعادًا جديدة مع انقطاع الكهرباء التام في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بعد أن أوقفت “شركة الكهرباء الإسرائيلية” تزويد القطاع بالطاقة، بالتزامن مع تدمير المحطة الوحيدة لتوليد الكهرباء في غزة جراء القصف الإسرائيلي.
وفي حربه الأخيرة على غزة، استهدف الاحتلال أيضًا شبكة الكهرباء والبنية التحتية للقطاع، ما أدى إلى تدهور سريع في مستوى الخدمات الأساسية مثل المستشفيات ومحطات المياه، مما عمق الأزمة الإنسانية. هذه الاستهدافات أسهمت بشكل مباشر في تعطيل جهود إصلاح الشبكة وإعادة تأهيلها، ما أثر بشكل كبير على قدرة السكان على تأمين احتياجاتهم الحيوية من الكهرباء والمياه.
وسط هذا الواقع المرير، اضطر السكان إلى البحث عن حلول بديلة رغم تكلفتها المرتفعة وصعوبة صيانتها. استخدم الفلسطينيون الشموع كوسيلة للإضاءة، لكنها تسببت في العديد من الحوادث، بما في ذلك حرائق أودت بحياة العديد من الأطفال والعائلات. كما كانت ألواح الطاقة الشمسية بمثابة البديل الأكثر فعالية، رغم تكلفتها المرتفعة. فبعض السكان قاموا بتركيب أنظمة طاقة شمسية لتوفير الإضاءة وشحن الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة والبطاريات الصغيرة.
وبالرغم من الفوائد التي تقدمها هذه الأنظمة مثل توفير مصدر طاقة مستدام بشكل نسبي، إلا أن توفرها لا يزال محدودًا، وارتفاع تكاليفها يجعلها غير متاحة للجميع. هذا الواقع يزيد من معاناة السكان الذين يعانون من ظروف اقتصادية خانقة، خصوصًا مع استمرار الحرب.
سعر الألواح الشمسية والبطاريات والكوابل في غزة شهد زيادة ضخمة، حيث تضاعف سعر الألواح الشمسية عشرات المرات نتيجة للندرة الشديدة لهذه المواد، كما ارتفعت أسعار البطاريات التي كانت تُستخدم لتخزين الطاقة، ما جعل تأمينها أمرًا بالغ الصعوبة. إضافة إلى ذلك، تواصل القوات الإسرائيلية استهداف الألواح الشمسية المثبتة على أسطح المنازل، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل الحلول البديلة غير مستدامة في ظل الظروف الراهنة.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها السكان، تبقى الطاقة الشمسية شريان حياة لكثير من العائلات. وفقًا لما صرح به د. إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن مشاريع الطاقة الشمسية الصغيرة أصبحت الحل الأكثر استدامة للمنازل والمؤسسات، حيث تساهم في تقليل الاعتماد على الوقود المستورد الذي أصبح نادرًا وغاليًا بسبب الحصار المستمر. هذه المشاريع، رغم الدمار الذي أصاب البنية التحتية، تقدم بصيص أمل للفلسطينيين في غزة وتُعتبر نموذجًا لصمود الشعب في مواجهة التحديات.
وقد أظهرت التقارير الصادرة عن شركة توزيع الكهرباء في غزة أن الحرب الأخيرة قد أسفرت عن تدمير واسع النطاق في شبكات الكهرباء، بما في ذلك أكثر من 450 مليون دولار من الخسائر الأولية. كما أن إعادة تأهيل هذا القطاع تتطلب وقتًا وجهودًا وموارد ضخمة، في وقت يواجه فيه السكان قيودًا متزايدة في تأمين المواد اللازمة لإصلاح الشبكات.
في خضم معاناة غزة، تبقى أزمة الكهرباء أحد أبرز تحديات الحصار والحرب. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والإنسانية، يظهر أن البدائل، مثل الطاقة الشمسية، يمكن أن تكون الحل الوحيد المتاح في الوقت الراهن، لكنها لا تقدم حلًا دائمًا للمشكلة. وفي الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال في استهداف البنية التحتية للطاقة، تبقى القدرة على استدامة الحياة في غزة رهينة للقدرة على تكيّف السكان مع الأزمة والاعتماد على الإبداع المحلي في إيجاد حلول بديلة. وبينما ينتظر القطاع إعادة إعمار شبكاته الحيوية، يبقى الأمل في أن تتغير الظروف قريبًا وأن يتمكن سكان غزة من العيش بكرامة وسط هذه الظروف القاسية.