خاص – على الرغم من الإنجازات العديدة التي حققها الاتحاد الأوروبي في مجال السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة على مر السنين ــ بما في ذلك نشر ما لا يقل عن 40 بعثة وعملية لإدارة الأزمات وحفظ السلام في جميع أنحاء العالم ــ فقد استمر الاتحاد في الاعتماد على المظلة الأمنية التي يوفرها حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة للدفاع الإقليمي.
لقد كانت هناك أسباب وجيهة وراء هذا. ذلك أن مهمة حلف شمال الأطلسي تتلخص في توفير الأمن الجماعي لمنطقة اليورو الأطلسية، كما أن أغلب الدول الأعضاء في الحلف تشكل جزءاً من التحالف. وعلى هذا، فقد اعتبر كثيرون أن تحول الاتحاد الأوروبي إلى مزود رئيسي للأمن يشكل تكراراً غير ضروري، إن لم يكن سبباً محتملاً لارتباك خطير في خط القيادة في حالة وقوع هجوم.
ولكن من الصحيح أيضاً أن معاهدة الاتحاد الأوروبي تنص على إنشاء دفاع مشترك (رغم عدم تحديده) والمساعدة المتبادلة بين الدول الأعضاء في حالة هجوم. فضلاً عن ذلك، فإن حلف شمال الأطلسي يعني بالنسبة لأوروبا إلى حد كبير اعتماداً سياسياً ودفاعياً وصناعياً على واشنطن.
ولكن مهما يكن من أمر، فمن الواضح أن الظروف الحالية ــ بما في ذلك ما حدث قبل مؤتمر ميونيخ للأمن وأثناء انعقاده ــ تجبر أوروبا على “التماسك” عندما يتعلق الأمر بأمنها ودفاعها. ولكن ماذا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يفعل لبناء اتحاد دفاعي خاص به؟
كانت الولايات المتحدة قد حولت بالفعل تركيزها بعيداً عن أوروبا ونحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وتتفق المؤسسة في واشنطن، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، على رؤية الصين، وليس روسيا، كمنافس استراتيجي مباشر لها – حتى بعد حرب أوكرانيا منذ فبراير 2022. ومن الممكن القول إن دعم سلف دونالد ترامب، جو بايدن، للبلاد كان من الممكن أن يكون أقوى وأسرع وأكثر اتساقاً.
الآن، يضاف إلى ذلك رئيس ربما يكون على استعداد لفرض وقف إطلاق نار بين روسيا وأوكرانيا، مما من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على أمن أوروبا، وهو أيضاً من المتشككين في حلف شمال الأطلسي، ويذهب إلى حد التهديد بالتخلي عن الحلفاء الذين “لا يدفعون” ــ ناهيك عن أهدافه التوسعية في بلدان أخرى أعضاء في حلف شمال الأطلسي مثل كندا والدنمارك.
من جانب أوروبا، هناك بالطبع إغراء بالتركيز فقط على أمور مثل الإنتاج المشترك للأسلحة أو إعفاء الإنفاق الدفاعي من ميثاق الاستقرار والنمو ــ كما كانت الحال مع أحدث اتفاقية غير رسمية للتعاون العسكري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وهذا أمر منطقي. ومن المؤكد أن الاتحاد الأوروبي لابد أن يضبط قدراته وقاعدته الصناعية الدفاعية على النحو الصحيح، ومع ارتفاع الإنفاق الدفاعي إلى مستويات غير مسبوقة، يتعين الإنفاق بشكل أفضل، معاً وعلى نحو أوروبي.
تنفق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نحو ثلث ما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع، لكن أوروبا تمتلك نحو 10% من قدرات أمريكا. وعلاوة على ذلك، لا تزال خطط ومنتجات قدرات الدفاع في الاتحاد مجزأة إلى حد كبير على أسس وطنية، وهو ما يعني وجود فجوات في بعض القدرات، وتكرار قدرات أخرى، ومشاكل في التوافق، والاعتماد على الخارج، والإنفاق غير الفعّال. ووفقاً لوكالة الدفاع الأوروبية، فإن هذا الافتقار إلى التعاون يشكل خسارة سنوية لا تقل عن 25 مليار يورو.
تظل أوروبا في احتياج إلى نهج قائم على تجميع الجهود وتقاسمها على كافة المستويات، بما في ذلك في مجال البحث والتطوير المشترك وشراء أنظمة الأسلحة. ولكي يحدث ذلك، لابد من الموافقة السريعة من جانب الهيئات التشريعية المشاركة في البرنامج الأوروبي للصناعة الدفاعية. ومن الممكن تحفيز الاستثمار المنسق من خلال ميزانية الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الاقتراض المشترك وإنشاء بنك دفاعي. ولابد من أن يقتصر الإعفاء من القواعد المالية على الاستثمارات المشتركة للاتحاد فقط.
ولكن هذا ليس سوى جزء واحد من المعادلة ــ جانب العرض. والأمر الذي لا يقل أهمية ــ إن لم يكن أكثر أهمية، في ضوء تعطيل ترامب للروابط عبر الأطلسي ــ هو تحديد وبناء دفاع مشترك على النحو المنصوص عليه في معاهدة الاتحاد الأوروبي.
إن قدرة الاتحاد الأوروبي على الانتشار السريع والتي تتألف من خمسة آلاف جندي تشكل خطوة في الاتجاه الصحيح هنا، لكنها ليست كافية. فقد تم تصميم هذه القدرة كقوة دخول لعمليات إدارة الأزمات ـ وليس الدفاع الإقليمي. وعليه، يتعين علي أوروبا أن تمضي إلى ما هو أبعد من ذلك. ويتعين عليها أيضاً أن تعمل على تطوير التخطيط الدفاعي المشترك للاتحاد الأوروبي وهياكل القيادة والسيطرة، وبالتالي إدراج الجيوش الوطنية السبعة والعشرين في “نظام الأمن الأوروبي” بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي، الذي يعمل بمثابة “الركيزة الأوروبية” لهذا النظام.
وهذا ضروري بسبب عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب، فضلاً عن افتقار بند المساعدة المتبادلة في الاتحاد الأوروبي إلى القدرة على التنفيذ. وفي الوقت الحالي، في حالة انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من أوروبا، وتعطل حلف شمال الأطلسي، وهجوم روسي على دول البلطيق، على سبيل المثال، فسوف تضطر الدول الأعضاء في الاتحاد إلى الإسراع في ابتكار هيكل عسكري مؤقت للتعامل مع العدوان ــ وهو احتمال غير جذاب على أقل تقدير.