الأربعاء, أبريل 23, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

ألمانيا ـ البراغماتي “الصامت” شولتز… وتحدي البقاء في منصب المستشار

DWـ تشهد ألمانيا انتخابات برلمانية مبكرة. وفي حين أنَّ فرص الاشتراكي الديمقراطي تراجعت كثيراً مقابل منافسيه، يرفض مرشحه لمنصب المستشار أولاف شولتز الاستسلام. فهل تتكرر “مفاجأة” الفوز للسياسي الأقل شعبية، كما حدث قبل ذلك؟

في شهر أيلول/سبتمبر 2024 سُئل شولتز في حوار مع صحيفة “تاغس شبيغل” البرلينية ماذا يأمل أن يكتب التاريخ ذات يوم عنه كمستشار؟ وكان الجواب القصير والجاف من الرجل الذي يبلغ عمره اليوم 66 عاماً: “أعتقد أنَّه يجب توخي الحذر من السياسيين الذين يفكرون في ذلك قبل أو خلال توليهم مناصبهم”.

ولكن في هذه الأثناء ربما يكون بدأ التفكير في ذلك، بعدما انهارت حكومته الائتلافية المكونة من حزبه الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي، وتقرر لذلك إجراء انتخابات مبكرة في 23 شباط/فبراير 2025. وفي استطلاعات الرأي، جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي متخلفاً كثيراً عن حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري المحافظين، وحزب “البديل من أجل ألمانيا”، المصنف متطرفاً في بعض الولايات وكذا بعض أجنحته. وإذا لم ينجح شولتز في عكس هذا الاتجاه، فستكون فترة ولايته هي الأقصر بين جميع المستشارين الألمان خلال العقود الخمسة الماضية.

المتفائل الصامد

لكن شولتز يراهن على الفوز وبإصرار تماماً كما فعل في الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2021 – والتي فاز فيها عكس التوقعات. ففي تلك الحملة الانتخابية أيضاً، كانت نسبة تأييد حزبه الاشتراكي الديمقراطي تبلغ نحو 15 بالمائة في استطلاعات الرأي، وكان شولتز موضع سخرية بسبب تفاؤله الصامد. وبعد أن ارتكب حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي خطأ إضافياً، فاجأ الاشتراكيون الديمقراطيون الجميع بفوزهم في تلك الانتخابات. وشولتز يذكّر بذلك مراراً وتكراراً في حملته الانتخابية الحالية عام 2025. لكن هذه المرة، لا شيء يشير إلى حدوث تحول في هذا الاتجاه. ويريد الحزب الاشتراكي الديمقراطي تحقيق نقاط من خلال القضايا الديمقراطية الاجتماعية الكلاسيكية. فهو يعد بمعاش تقاعدي آمن، وبتخفيف الأعباء المالية على الأسر وأصحاب الدخل المتوسط وحماية المناخ بتكاليف معقولة. ويزمع إنعاش الاقتصاد الألماني الضعيف، ويريد من أجل ذلك تخفيف نظام كبح الديون، الذي يمنع الدولة من تحمّل ديون جديدة. فالدولة تحتاج “إيرادات من القروض”، كما يقول شولتز. ويعد بالتعامل بعقلانية وحكمة في السياسة الخارجية، خاصةً في ما يتعلق بتوريد الأسلحة إلى أوكرانيا.

عندما غزت روسيا أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، كان مضى على تولي شولتز المستشارية ثلاثة أشهر فقط. ومنذ ذلك الحين، أصبح السؤال المطروح هو كيفية دعم ألمانيا لأوكرانيا عسكرياً من دون أن تتورط في الحرب. وشولتز دائماً ما كان يجيب على هذا السؤال بشكل يجعله محل اتهام من قبل معارضيه بالتردد. وهو نفسه يصف ذلك بأنَّه عقلانية وحكمة. فهذه الحرب كان وما زال لها عواقب وخيمة: أزمة الطاقة، والتضخم، وانهيار اقتصادي. ويضاف إلى ذلك النزاع الأوروبي حول موضوع الهجرة واللجوء وتحقيق المتطرفين اليمينيين نجاحات انتخابية غير مسبوقة. ولم يسبق من قبل لأية حكومة اتحادية أن واجهت هذا العدد الكبير من المشكلات في وقت واحد مثل حكومة “الائتلاف” المكونة من ائتلاف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي.

الائتلاف في نزاع علني مستمر

شكل الائتلاف تحالفاً بين حزبين يساريين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر) وحزب ليبرالي اقتصادياً (الحزب الديمقراطي الليبرالي)، ونشأ بسبب الاضطرار إلى إيجاد أغلبية برلمانية. ولم يتمكن الائتلاف من التغلب لفترة طويلة على تناقضاته السياسية. فبسبب خلافاتها المستمرة، أصبحت الحكومة الائتلافية الحكومة الأقل شعبية على الإطلاق في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية.

ومع ذلك، يبدو أنَّ شولتز لم يتأثر قط حتى بفقدانه ثقة المواطنين. كما لم يتأثر بكونه بات المستشار غير المحبوب على الإطلاق. فشعاره هو: أخذ استطلاعات الرأي بعين الاعتبار، ولكن عدم التعليق عليها أو توجيه سياساته حسبها. إذ يشير دائماً إلى أنَّ كل شيء ممكن.

شولتز: تاريخ سياسي ومسيرة مهنية

بالنسبة لشولتز، كان منصب المستشار تتويجاً لمسيرته المهنية السياسية، التي بدأها منذ عقود في منظمة شباب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حيث كان بصفته نائباً لرئيسها ما يزال يدافع عن أطروحات اشتراكية راديكالية ومعادية للرأسمالية. ومرت سنوات عديدة بين انضمامه إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي عندما كان طالباً عام 1975 وانتخابه نائباً في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) عام 1998. وخلال هذه السنين، عمل شولتز كمحامٍ مخصص في قانون العمل في مكتبه الخاص في هامبورغ وقد تعلم الكثير عن كيفية عمل الاقتصاد وريادة الأعمال الحرة. وأثر به ذلك، حيث لم يعد لديه أي اهتمام بالسياسة اليسارية.

اكتسب شولتز مهاراته السياسية من خلال عمله وزيراً للداخلية في ولاية هامبورغ ووزيراً اتحادياً للعمل في الائتلاف الحكومي الكبير بقيادة المستشارة أنغيلا ميركل، وأخيراً، كأول عمدة لمدينة هامبورغ لفترة طويلة. “مَنْ يطلب مني القيادة يحصل عليها”، بهذه الكلمات تولى منصبه في المدينة الهانزية، هامبورغ، عام 2011. وفي عام 2018، عاد إلى برلين وزيراً اتحادياً للمالية ونائباً للمستشارة في ائتلاف حكومي كبير جديد بقيادة ميركل.

“الشولتزوماتيكي”

وقد أثرت به أيضاً الأعوام من 2002 إلى 2004 عندما كان الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى جانب المستشار غيرهارد شرودر في تلك الفترة. فخلالها، نشأت كلمة جديدة تميّزه كثيراً. فقد قامت صحيفة “دي تسايت” الأسبوعية في هامبورغ بتحويل كلمتي “شولتز” و”أوتوماتيكي” إلى “شولتزوماتيكي”، ذلك لأنَّه كان يتحدث عملياً بعبارات تكنوقراطية فقط، مثل آلة أوتوماتيكية مهمتها “تسويق” السياسة بعزم وصمود وبدون عواطف.

لم يتخلص شولتز أبداً من صورة البيروقراطي الممل والذي لا يعرف المرح. وكان يرى نفسه كشخص عملي لا يحب الظهور في المقدمة. رجل لا يدلي بكلمات كبيرة، بل شخص لا يقول إلا ما هو ضروري للغاية. شخص يحاول العمل بشكل هادئ وفعال بقدر الإمكان.

شخص غير مرغوب به في قيادة الحزب

في مرحلة متأخرة، تعلم أولاف شولتز أنَّ العمل في السياسة يعني أيضاً تسليط الضوء على نفسه وعلى رسالته و”تسويقهما” بشكل جيد. وقد لوحظ ذلك للمرة الأولى عندما قام مرشحو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بجولة عبر ألمانيا في خريف عام 2019 من أجل رئاسة الحزب.

حينها، بدا شولتز أكثر عاطفية، وأكثر انفتاحاً، وقبل كل شيء أكثر ودية، لكنه – كعادته – كان واثقاً من نفسه ولم يخفِ أنَّه كان يحسب لنفسه أفضل فرص الفوز برئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي. فتفاجأ كثيراً بخسارته أمام ثنائي سياسي يساري غير معروف إلى حد كبير.

من خاسر إلى مرشح لمنصب المستشار

هنا، ظهر مرة أخرى ما يستطيع شولتز فعله: الإصرار والمضي قدماً. فقد ركز على عمله الحكومي كوزير للمالية وامتنع عن توجيه أية انتقادات إلى الثنائي القيادي عديم الخبرة السياسية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي .

لذلك، كافأه حزبه على ولائه. فتم اختياره من قبل رئيسي الحزب في آب/أغسطس 2020 مرشحاً لمنصب المستشار، مع العلم أنَّهما لم يكونا مؤهلين لذلك، بينما كانت لدى شولتز خبرة سياسية. بالإضافة إلى ذلك، فقد حقق خلال جائحة كورونا نقاطاً إيجابية كوزير للمالية، وذلك من خلال تعامله بسرعة وتقديم القروض والمساعدات المالية. إنَّ هذه “فقاعات” و”فقاعات مزدوجة” – بهذه المصطلحات عبَّر باختصار وايجاز عما يحتاج الآخرون إلى كثير من الكلمات للتعبير عنه.

https://hura7.com/?p=45054

الأكثر قراءة