DW ـ أعلنت أطراف الائتلاف الذي سيحكم ألمانيا قريباً عن وثيقة التحالف بينها التي تطرقت إلى نقاط جوهرية تغير ملامح سياسة اللجوء والهجرة إلى ألمانيا مستقبلاً… فماذا جاء فيها؟
يسعى الائتلاف الحكومي المقبل المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه الاجتماعي المسيحي البافاري ومن الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى “تنظيم وتوجيه الهجرة والحد بفعالية من الهجرة غير النظامية”، كما جاء في وثيقة الائتلاف التي تفاوض عليها المحافظون والاشتراكيون طوال الأسابيع الستة الماضية وأُعلن عنها في ألمانيا الأربعاء (التاسع من أبريل/نيسان 2025). وترسم الوثيقة على مدى عدة صفحات ملامح مستقبل سياسة الهجرة واللجوء في ألمانيا وتولي اهتماماً خاصاً لمصطلح “الحدّ” الذي سيتم إدراجه مرة أخرى بشكل صريح ضمن قانون الإقامة كهدف واضح.
وقد أُعلن المستشار الألماني القادم فريدرش ميرتس عن “نهج مختلف وأكثر حزماً” مع التأكيد في الوقت نفسه على هذا المبدأ: “الحق الأساسي في اللجوء يبقى مصوناً”. وهذا أهم ما تم الاتفاق عليه بشكل ملموس بشأن الهجرة واللجوء في ألمانيا:
إرجاع طالبي اللجوء على الحدود الألمانية
حتى الآن، كان هذا الإجراء يُطبق فقط على الأشخاص الذين لا يحملون تأشيرة صالحة أو تصريح إقامة مناسب، وليس على طالبي الحماية. ومن المقرر أن تتم مستقبلاً عمليات الإرجاع من الحدود الألمانية “بالتنسيق مع الشركاء الأوروبيين”. وفي هذا السياق، قال رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتس، خلال عرض اتفاق الائتلاف: “نحن بالفعل في حوار وثيق معهم (الشركاء الأوروبيين)”.
من الناحية القانونية، تُعد إعادة طالبي الحماية مسألة مثيرة للجدل، لأن القانون الأوروبي يُلزم كل دولة عضو بالنظر في طلب اللجوء، على الأقل لتحديد الدولة المسؤولة عنه.
إيقاف برامج الاستقبال
تعتزم الحكومة الجديدة إنهاء برامج الاستقبال الإنسانية “بقدر الإمكان”، مثل البرنامج المخصص لمتعاوني الجيش الألماني والمدافعين عن حقوق الإنسان في أفغانستان. ووفقاً لوثيقة الائتلاف، لا تنوي الحكومة المقبلة إطلاق برامج جديدة لنقل أشخاص بحاجة خاصة إلى الحماية بشكل مباشر إلى ألمانيا.
أما برنامج إعادة التوطين التابع للأمم المتحدة والذي يُنقل من خلاله طالبو لجوء معرضون للخطر من المخيمات إلى بلدان آمنة، فلم يتم التطرق إليه في الاتفاق رغم أن ألمانيا تشارك فيه منذ سنوات.
لكن وزارة الداخلية الألمانية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لوكالة الأنباء الألمانية أعلنتا الثلاثاء (الثامن من أبريل/نيسان 2025) أنه في ضوء مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي الجارية بين التحالف المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي، لن يتم تقديم أي تعهدات بشأن قبول لاجئين جدد من خلال برنامج إعادة التوطين مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الوقت الحالي.
وبحسب معلومات الوكالة الألمانية، فإنه من المقرر قبول الحالات التي قطعت في الإجراءات شوطاً طويلاً كاستثناء. ولم ترد الوزارة بعد على طلب من رويترز للتعليق على هذا التقرير في حين لم يتسن التواصل حتى الآن مع المفوضية.
ووفقاً لوزارة الداخلية، تعتزم ألمانيا توفير ما يصل إلى 6560 مكاناً ضمن برنامج إعادة التوطين بالاتحاد الأوروبي هذا العام. ويقبل هذا البرنامج عادة لاجئين من جنسيات مختلفة أو أفراداً عديمي الجنسية يوجدون في مراكز استقبال أولية في دول مثل مصر والأردن وكينيا ولبنان وباكستان وليبيا.
تعليق لمّ الشمل
سيتم تعليق لمّ شمل الأسرة للأشخاص الحاصلين على الحماية الثانوية لمدة عامين. ومنذ عام 2018، كان بإمكان الأقارب المقرّبين من هذه الفئة الحصول على تأشيرة ضمن نظام حصص يبلغ 1000 تأشيرة شهرياً. ووفقاً لوزارة الخارجية، فإن الغالبية الأخيرة ممن استفادوا من هذا النظام كانوا من القُصّر.
ويُمنح الحماية الثانوية للأشخاص الذين لا يتعرضون لاضطهاد فردي مباشر، لكنهم يواجهون تهديداً جسيماً على حياتهم أو سلامتهم في بلدهم الأصلي بسبب نزاعات. وفي ألمانيا، ينتمي معظمهم إلى المواطنين السوريين.
زيادة عمليات الترحيل
تسعى الحكومة الألمانية المقبلة أيضاً إلى زيادة عدد عمليات الترحيل من ألمانيا. ومن ضمن الوسائل المطروحة، الضغط على دول الأصل لإعادة مواطنيها، ويشمل ذلك، وفقاً لوثيقة الائتلاف، استخدام ملفات سياسية مثل منح التأشيرات لمواطني هذه الدول والتعاون الإنمائي والعلاقات الاقتصادية والتجارية معها كوسائل ضغط.
كما سيتم إلغاء المساعدة القانونية الإلزامية التي تم إدخالها فقط خلال الدورة التشريعية السابقة، والتي كانت تتيح لطالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم الحصول على تمثيل قانوني إلزامي قبل الترحيل.بحسب تقرير إعلامي، فإن الحكومة الألمانية المقبلة ستنفذ رحلات ترحيل إلى أفغانستان وسوريا. وسننفذ عمليات إعادة توطين ورحلات عودة إلى أفغانستان وسوريا.
وفي هذا السياق، قال ثورستين فري، من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إن الحكومة المقبلة ستسعى لتنظيم رحلات ترحيل منظمة إلى أفغانستان وسوريا. وأضاف فري لصحيفة “بيلد” الألمانية أن الألمان يمكن أن ” يعتمدوا” على الائتلاف المقبل لترحيل المجرمين إلى هاتين الدولتين” على نطاق أكبر”.
وكانت الحكومة المنتهية ولايتها قد نظمت رحلة إلى كابول على متنها 28 مداناً في سبتمبر/أيلول 2024، تعد الأولى منذ عودة طالبان لحكم أفغانستان في عام 2021. وقد أعلنت الحكومة عن نيتها تنظيم مزيد من الرحلات الجوية، ولكن غياب العلاقات الدبلوماسية مع طالبان يمثل حجر عثرة.
تصنيف الدول الآمنة
وبحسب الوثيقة، سيتم توسيع عدد ما يسمى بدول المنشأ الآمنة. وهذه هي الدول التي يبلغ معدل الاعتراف باللجوء لمواطنيها أقل من خمسة في المائة في ألمانيا. ومن الممكن بعد ذلك تسريع إجراءات اللجوء بشكل كبير. ويمكن إدراج دول المغرب العربي مثل المغرب والجزائر وتونس في هذه القائمة.
وينبغي أيضاً زيادة استعداد البلدان الأصلية لاستقبال اللاجئين من خلال الضغط، على سبيل المثال من خلال إصدار التأشيرات والتعاون الإنمائي. وينبغي أن يحصل الأشخاص المطلوب منهم مغادرة البلاد على عدد أقل بكثير من المعونات الحكومية.
إلغاء إجراء منح الجنسية الألمانية بعد ثلاثة أعوام فقط
من المقرر أن يتم إلغاء الإجراء الخاص بتسريع منح الجنسية الألمانية للمهاجرين الذين اندمجوا بشكل جيد على نحو خاص. وكان الائتلاف المنتهية ولايته برئاسة المستشار أولاف شولتس (المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر) أقر هذا الإجراء الذي يمنح هؤلاء المهاجرين الجنسية الألمانية بعد مضي ثلاثة أعوام فقط على إقامتهم في ألمانيا. وخلال مفاوضات تشكيل الائتلاف الحاكم الجديد، اتفق الاتحاد المسيحي برئاسة المستشار المحتمل فريدريش ميرتس، والحزب الاشتراكي على إلغاء هذا الإجراء.
وفي المقابل، يعتزم الائتلاف الحاكم المقبل الإبقاء على تقليص فترة الانتظار لعملية التجنيس العادية من ثماني سنوات إلى خمس سنوات، وكذلك الإبقاء على السماح بازدواج الجنسية.
تعزيز سلطات الشرطة
وسيتم تعزيز الشرطة والسلطات في ما يتعلق بالأمن الداخلي، فعلى سبيل المثال، سيتم السماح للسلطات بتخزين عناوين IP لمدة ثلاثة أشهر حتى تتمكن من مقاضاة المجرمين بشكل أفضل. ينبغي تزويد النساء اللواتي يتعرضن للعنف بأساور إلكترونية لمراقبة حالاتهن بشكل أفضل.
توقف إعانة المواطن عن اللاجئين الجدد من أوكرانيا
كما نصت الوثيقة على إيقاف منح إعانة المواطن Bürgergeld للاجئين الجدد من أوكرانيا، بل على المساعدات الأقل المخصصة لطالبي اللجوء. وجاء في نص اتفاق الائتلاف حرفياً: “اللاجئون الحاصلون على تصريح إقامة بموجب توجيه تدفّق الأعداد الكبير، والذين دخلوا البلاد بعد الأول من أبريل/نيسان 2025 يجب أن يتلقوا مجدداً المساعدات وفق قانون إعانات طالبي اللجوء، في حال كانوا بحاجة إلى الدعم.” وأكدت الوثيقة على ضرورة إثبات الحاجة من خلال فحوصات دقيقة وموحدة على مستوى ألمانيا لممتلكات اللاجئين.
وستتحمّل الحكومة الاتحادية التكاليف الإضافية التي ستنجم عن هذا التغيير المخطط له في الولايات والبلديات.
ومنذ عام 2022، تسري في جميع دول الاتحاد الأوروبي “توجيه تدفّق الأعداد الكبير” الخاصة باللاجئين من أوكرانيا، ما يمنحهم وضع إقامة دون الحاجة لتقديم طلب لجوء.
ومنذ الأول من يونيو/تموز 2022، يحق للاجئين من أوكرانيا في ألمانيا، إذا لم يتمكنوا من إعالة أنفسهم، الحصول على إعانة المواطن. لكن هذا الوضع سيتغير الآن، حيث سيُعاد العمل بتقديم المساعدات المنخفضة لطالبي اللجوء لهذه الفئة.
يُذكر أنه تم تمديد صلاحية توجيه الاتحاد الأوروبي الخاصة باللاجئين الأوكرانيين حتى مارس/آذار 2026. ويُقيم حالياً حوالى 1.25 مليون لاجئ من أوكرانيا في ألمانيا، في حين أن أكثر من 60% من اللاجئين الأوكرانيين في البلاد هم من النساء والفتيات. وقد ارتفع عدد الأشخاص الفارّين من أوكرانيا إلى ألمانيا بسبب الحرب مؤخراً بشكل طفيف.
ميركل ترحب
وفي إطار ردود الفعل على هذه الاتفاقات، رحبت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل بالنهج الأكثر صرامة في سياسة الهجرة الذي تعتزم أحزاب الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي اتباعه. وفي هذا السياق، قالت ميركل يوم الخميس في إذاعة “دويتشلاند فونك كولتور”: “بالتأكيد هناك اختلافات في الأسلوب والنبرة، لكن إذا نظر المرء بدقة، فسيجد أنني كنت أتبنى نفس الأهداف”.
وأضافت أنها أيضاً كانت تؤيد مكافحة الهجرة غير القانونية ومعاقبة المهرّبين، وأنها لم تكن ترغب في أن يعرّض الناس حياتهم للخطر أثناء فرارهم. كما اعتبرت أنه من الصواب أيضاً أن تتم، بالتنسيق مع الدول المجاورة، عمليات إرجاع على الحدود.
وأضافت ميركل أنها، من وجهة نظرها اليوم، تلوم نفسها على أن المجتمع الدولي لم يوجّه اهتماماً كافياً لوضع الناس في مخيمات اللاجئين في سوريا أو الأردن بعد اندلاع الحرب في سوريا. وقالت إن برامج الغذاء العالمية وبرامج اللاجئين كان يجب دعمها بشكل أكبر بكثير.