الأحد, نوفمبر 9, 2025
21.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

ألمانيا أمام معضلة الهجرة: تنسيق متصاعد وتحديات جيوسياسية

جريدة الحرة

خاص ـ من المقرر أن يجتمع وزراء داخلية الدول الأعضاء السبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن لإجراء محادثات تركز على الهجرة والأمن الأوروبي. ومن المقرر أن تركز المناقشات على أفضل السبل لإعادة الأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم، وكيفية مكافحة الهجرة غير النظامية. كما سيكون موضوعا مكافحة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات على جدول الأعمال.

تشمل المقترحات المطروحة إمكانية إنشاء ما يُسمى بمراكز الإعادة إلى الوطن خارج الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يكون وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت من بين الحضور. وقد نفذ دوبريندت بالفعل إجراءات صد على حدود ألمانيا، والتي قضت المحكمة بأنها غير قانونية. وقد دفع السياسي المحافظ من الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا باتجاه تطبيق سياسات هجرة أوروبية أكثر صرامة، في محادثات مع نظرائه من النمسا وفرنسا والدنمارك وبولندا وجمهورية التشيك. وشمل ذلك مقترحات بتشديد أكبر في إعادة الأشخاص إلى بلدانهم الأصلية التي يُعتبر وضعها الأمني هشاً، مثل سوريا وأفغانستان.

أشاد وزير الداخلية الألماني، ألكسندر دوبريندت بالجهود الكبيرة التي تبذلها بولندا لتعزيز وتأمين حدودها الشرقية مع بيلاروسيا في زيارة رسمية حملت رسائل أمنية واضحة وتأكيدًا على الشراكة الأوروبية، واصفًا هذه الإجراءات بأنها ذات “تأثير هام” على أمن القارة الأوروبية بأسرها.

جاءت تصريحات دوبريندت خلال تفقده للحدود البولندية البيلاروسية، والتي تُعد من أكثر المناطق حساسية في الاتحاد الأوروبي من حيث الضغوطات الناتجة عن الهجرة غير النظامية والتوترات الجيوسياسية. يقول الوزير المنتمي إلى حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU)، خلال جولته الميدانية التي رافقه فيها نظيره البولندي توماس سيمونياك: “هنا، يمكننا أن نرى بأعيننا مدى فعالية حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، الإجراءات المتخذة تُثبت أن الالتزام البولندي يُساهم بشكل مباشر في حفظ استقرار وأمن القارة”.

الهجرة كسلاح جيوسياسي: مخاوف متزايدة

أعرب دوبريندت عن قلقه من أن روسيا وبيلاروسيا تستخدمان الهجرة كأداة ضغط سياسي و”كسلاح هجومي” لزعزعة استقرار عدد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها بولندا وألمانيا. وأوضح أن هذه الاستراتيجية، التي تعتمد على دفع موجات من المهاجرين غير النظاميين نحو الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، تستهدف إثارة الفوضى وإضعاف التماسك الأوروبي، مشددًا على ضرورة التصدي لهذه السياسات المشتركة بأساليب موحدة وفعالة.

أكد دوبريندت: “ما نراه ليس مجرد تحدٍ إنساني أو أمني فحسب، بل هو جزء من تكتيك هجومي ممنهج يهدف إلى اختراق الجبهة الأوروبية الموحدة”. وتابع: “أن أمن بولندا هو من صميم أمن ألمانيا والاتحاد الأوروبي برمته”.

جولة شاملة على البنية التحتية الأمنية للحدود

اطلع وزير الداخلية الألماني على الوضع الميداني في معبر “بولوتشي” الحدودي المغلق مع بيلاروسيا، حيث رافقه نظيره البولندي سيمونياك في جولة شاملة على البنية التحتية الأمنية التي تم تشييدها مؤخرًا. ويُعد هذا المعبر أحد المواقع الأكثر تحصينًا، حيث تم تدعيمه بسياج فولاذي عالٍ، مزود بأحدث أجهزة المراقبة الإلكترونية، وكاميرات حرارية، ومستشعرات حركة متطورة.

قدّم المسؤولون البولنديون شرحًا مفصلًا حول الإجراءات الوقائية المتخذة، والتي تشمل تعزيز الوجود الأمني في المنطقة الحدودية ونشر آلاف الجنود وأفراد الشرطة بهدف اعتراض محاولات التسلل والتصدي لأي أعمال عنف محتملة من قبل المهاجرين.

صرح سيمونياك: “إن بلاده نشرت ما يقرب من 11 ألفًا من ضباط الأمن والجنود على امتداد الحدود مع بيلاروسيا”. وأضاف موضحًا: “نحن ندرك أن مسؤولية حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تبدأ من هنا، ولهذا نتعامل مع الوضع بأقصى درجات الجدية والمسؤولية”.

تقدير ألماني للإجراءات البولندية

لم يقتصر الثناء الألماني على الجانب التقني أو الميداني، بل امتد ليشمل البُعد السياسي والتنسيقي. فقد أشاد دوبريندت بما وصفه بـ”الخطوات الحازمة” التي اتخذتها بولندا، ليس فقط لحماية حدودها، وإنما لحماية أوروبا من موجات الهجرة غير المنظمة التي يُعتقد بأنها تُحرّك ضمن خطط محسوبة من قبل موسكو ومينسك.

أشار الوزير الألماني إلى أن “هذه التدابير تتناغم مع السياسات الألمانية الأخيرة التي شهدت تعزيزًا للرقابة على الحدود الألمانية البولندية”، مشيرًا إلى أن بولندا قد فرضت، بدورها، ضوابط مماثلة كجزء من تعاون ثنائي يستهدف الحد من تسرب المهاجرين إلى عمق الأراضي الأوروبية.

نوّه الوزير الألماني إلى الإجراءات المتخذة على الحدود مع ليتوانيا، مؤكدًا أن هذا التعاون بين دول الجوار يشكل ركيزة أساسية في استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير النظامية. وأردف قائلًا: “ندعم هذه الإجراءات بشكل كامل، لأنها تُعد مساهمة فعّالة في منع ظهور طرق تهريب جديدة من بيلاروسيا عبر دول البلطيق”.

شراكة أوروبية راسخة

شدد دوبريندت على أهمية التعاون مع بولندا، واصفًا إياها بـ”أهم شريك لألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب فرنسا”. وأكد: “أن وحدة الصف بين برلين ووارسو تمثل عنصرًا حاسمًا في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة في أوروبا، لا سيما في ظل البيئة الجيوسياسية المعقدة التي فرضتها الحرب في أوكرانيا وتصاعد الضغوط الروسية”.

الدعم الأوروبي ضرورة لا خيار

شدد الوزير البولندي سيمونياك على أن بلاده بحاجة إلى دعم ألماني وأوروبي مستمر، ليس فقط على مستوى التنسيق الأمني، بل على مستوى التمويل والمساعدات التقنية واللوجستية. وأوضح أن النفقات التي تتحملها بولندا في سبيل حماية حدود الاتحاد الأوروبي كبيرة، وتستدعي تضامنًا حقيقيًا من شركائها الأوروبيين.

أوضح سيمونياك: “أكدتُ مرارًا أن أزمة الهجرة ليست أزمة محلية أو تخص دولة واحدة، بل هي تحدٍ أوروبي مشترك، ويجب مواجهته بتضامن كامل، دون أن تُترك أي دولة لتدفع الثمن وحدها”. وأضاف: “أن نسبة النجاح في اعتراض محاولات عبور الحدود غير القانونية تتراوح بين 97% و98%، ما يعكس فعالية التدابير المتبعة على أرض الواقع”.

الأمن الأوروبي مسؤولية مشتركة

في خضم التهديدات المتزايدة القادمة من الشرق، تبدو الشراكة البولندية الألمانية نموذجًا للتعاون الأوروبي المطلوب في هذا التوقيت الحرج. وفيما تتصاعد الدعوات لتعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي على حماية حدوده الخارجية، تُظهر بولندا التزامًا راسخًا يُقابل بتقدير من جيرانها، وعلى رأسهم ألمانيا.

تُجمع تصريحات الوزيرين، الألماني والبولندي، على أن حماية أوروبا من مخاطر الهجرة غير المنظمة لا يمكن أن تُفهم خارج سياق الجغرافيا السياسية، وأن التعامل مع هذه التهديدات يتطلب مزيدًا من التنسيق، التمويل، والتضامن، دفاعًا عن استقرار القارة الأوروبية بأسرها.

https://hura7.com/?p=62243

الأكثر قراءة