الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

ألمانيا بين الدفاع والاقتصاد: جدل التجنيد الإجباري يعود مجددًا

جريدة الحرة

خاص ـ يقول ستيفن كامبيتر، من اتحاد جمعيات أصحاب العمل الألمان (BDA): “إن الاقتصاد الألماني لا يستوعب الشباب الذين يُكملون الخدمة العسكرية الإلزامية أولاً، ثم يدخلون سوق العمل”. فهل مخاوفه مبررة؟

ألغت ألمانيا الخدمة الإلزامية عام 2011، ولم تُلغَ بالمعنى الحرفي للكلمة، بل عُلِّقت فقط. ويجوز رفع هذا الإيقاف لأسباب دفاعية وطنية، في حال تعرض البلاد للتهديد أو الهجوم. ومنذ ذلك الحين، لم يعد الشباب مُلزمين بالخضوع لفحوصات طبية لتحديد لياقتهم البدنية للخدمة العسكرية. حذّر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس من أن أوروبا تواجه تهديدًا أمنيًا متزايدًا. وصرح بيستوريوس في العام 2025: “وفقًا لتقييمات خبراء عسكريين دوليين، يُفترض أن روسيا ستكون قادرة على مهاجمة دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، أو دولة مجاورة، بدءًا من عام 2029”.

روّج بيستوريوس لمجموعة من التدابير لمواجهة هذا التهديد، بما في ذلك مقترحٌ لإعادة فرض نوعٍ من الخدمة العسكرية الإلزامية. من شأن هذه التدابير أن تُحقق التوازن بين النموذج الحالي للخدمة العسكرية التطوعية والخدمة الانتقائية.

ألمانيا حريصة على تعزيز جيشها

يبلغ تعداد الجيش الألماني حوالي 181 ألف جندي نشط. ومن المتوقع أن ينمو تعداده بأكثر من 10% ليصل إلى 203 آلاف جندي بحلول عام 2027. وأفادت تقارير أن القوات المسلحة الألمانية ستحتاج إلى حوالي 80 ألف مجند إضافي خلال السنوات العشر المقبلة للوفاء بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي.

في يونيو 2025، أعلن بيستوريوس عن خطط لتطبيق نموذج هجين يجمع بين الخدمة العسكرية التطوعية والتجنيد الإجباري الانتقائي. وسيشهد هذا النموذج تجنيد ما يقرب من 5000 شاب/شابة في الثامنة عشرة من العمر للخدمة الأساسية سنويًا. صرح بيستوريوس: “أنه في حال عدم وجود عدد كافٍ من المتطوعين الإضافيين لشغل جميع الوظائف، فقد يتبع ذلك العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية”.

قُدِّمت التدابير التي اقترحها الوزير إلى البرلمان الألماني، حيث من المتوقع اتخاذ قرار ” خلال العام 2025″. وصرحت وزارة الدفاع بأن “هذا من شأنه أن يُحسّن بشكل كبير الجاهزية العملياتية للقوات المسلحة”.

هل هذا الأمر تطوعي؟

يتوقع بيستوريوس أن تستمر الخدمة الأساسية لمدة ستة أشهر على الأقل، مع إمكانية تمديدها إلى 23 شهرًا. صرحت وزارة الدفاع بهذا الشأن: “يحق لكل فرد أن يقرر بنفسه مدة خدمته العسكرية. وبغض النظر عن ذلك، ستظل جميع أنواع التجنيد الأخرى، سواءً كجندي في مهمة مؤقتة أو جندي محترف، قائمة”.

تتضمن الخطة إرسال رسالة إلى جميع الشباب بعد بلوغهم الثامنة عشرة، مع رمز استجابة سريعة (QR code) يُوجِّههم إلى استبيان إلكتروني. سيُدعى من يُكمل الاستبيان ويُبدي اهتمامًا أساسيًا بالخدمة العسكرية لإجراء فحص طبي. سيُطلب من الشباب إكمال الاستبيان، بينما “الإجابة على الأسئلة طوعية بالنسبة للنساء والأشخاص من الجنسين”، وفقًا لوزارة الدفاع.

حظيت خطط بيستوريوس لتعزيز الجيش بدعم الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، الذي صرّح أنه: “يؤيد الخدمة العسكرية الإلزامية”. وأوضح شتاينماير: “أن الوضع الأمني المتوتر في أوروبا، وحرب روسيا في أوكرانيا، وموقف الحكومة الأمريكية من العلاقات عبر الأطلسي في عهد الرئيس دونالد ترامب، كلها عوامل تبرر هذه الخطوة”.

يتفق كامبيتر، من الرابطة الألمانية، مع هذا التقييم، وصرح: “أنه يعتقد أن “الوضع الأمني في أوروبا حرج”. وبينما يعتقد أن ألمانيا بحاجة إلى “المزيد من الجنود النشطين وتعزيز احتياطياتها”، إلا أنه قال: “إنه يعتقد أن الاقتصاد القوي وحده كفيل بتحقيق ذلك”.

هل يؤثر التجنيد الإجباري سلباً على الاقتصاد؟

صرح الخبير الاقتصادي هولغر شيفر قائلاً: “يعتمد تأثير الخدمة العسكرية الإلزامية على سوق العمل على عدد المجندين ومدة خدمتهم. من غير المرجح أن يكون لتجنيد 20 ألف مجند تأثير كبير، لكن تجنيد فئة عمرية كاملة سيكون له تأثير بالتأكيد”. ولم يرغب شيفر في إبداء رأيه بشأن ما إذا كانت الخدمة العسكرية الإلزامية معقولة أو ضرورية، لكنه أضاف: “أن الجوانب الأمنية تلعب بطبيعة الحال دورًا رئيسيًا في هذه المسألة”.

يوفر الجيش الألماني فرصًا للشباب لإكمال تدريب مهني في المهن الماهرة والمجالات الأكاديمية، مثل الميكاترونيك أو المهن الطبية. لكن شيفر صرّح :”بأن هذا غير واقعي، نظرًا لقصر مدة الخدمة العسكرية الأساسية لإكمال التدريب المهني عادةً”.

يتيح نموذج التجنيد الجديد قيد النقاش إمكانية تمديد فترة الخدمة، والتي يمكن خلالها إكمال التدريب المهني. كان هذا هو الحال عندما كانت ألمانيا تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية خلال الحرب الباردة. بهذه الطريقة، قد يدخل الشباب سوق العمل لاحقًا، ولكنهم سيكونون مدربين تدريبًا كاملاً، وقادرين على مواجهة نقص العمالة الماهرة.

أظهرت دراسة أجراها معهد إيفو للأبحاث الاقتصادية في ميونيخ العام 2024 أنه من الأفضل الاستثمار في الخدمة العسكرية التطوعية بدلاً من إدخال الخدمة العسكرية الشاملة في ألمانيا. حذّرت الدراسة، التي كُلّفت بها وزارة المالية الألمانية، من أن الخدمة العسكرية الإلزامية ستكون مكلفة وستؤثر سلبًا على المواطنين. وذكرت تقارير أن الخدمة الإلزامية ستُفاقم الوضع المالي للشباب بتأخير بدء دراستهم أو مسيرتهم المهنية.

يعتقد كارلو ماسالا، أستاذ السياسة الدولية بجامعة الجيش الألماني في ميونيخ: “أن المخاوف بشأن العواقب الاقتصادية للعودة إلى أي شكل من أشكال التجنيد الإجباري “مبالغ فيها”. فحتى مع فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، يتوقع ألا يتجاوز عدد الشباب الذين يُجنّدون سنويًا 25 ألف شاب، وهو عدد أقل بكثير من عدد المجندين في ألمانيا الغربية البالغ 200 ألف في ذروة الحرب الباردة. ويعتقد ماسالا: “أن الاقتصاد الألماني أدرك ضرورة الانخراط بطريقة إيجابية في مسائل الدفاع، وأنه في نهاية المطاف يجب عليه قبول هذا”.

https://hura7.com/?p=62390

الأكثر قراءة