DW – ترجمة ـ مع استعداد ألمانيا للانتخابات في فبراير 2025، تزايد القلق بشأن جهود الجهات المناهضة للديمقراطية للتأثير على الرأي العام من خلال التلاعب عبر الإنترنت. وتتراوح التكتيكات من الهجمات الإلكترونية إلى الدعاية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتستعد ألمانيا لمواجهة تهديدات رقمية في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة. وفيما من المتوقع أن تنتخب البلاد برلماناً جديداً في 23 فبراير 2025، أثارت السلطات والباحثون مخاوف بشأن التأثير المحتمل لعمليات الاختراق والتسريب وحملات التضليل التي تهدف إلى التأثير على الرأي العام أو بث الانقسام قبل التصويت.
وفي تحليل حديث، حذرت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية من “محاولات دول أجنبية لممارسة نفوذها”. وردّدت كلوديا بلاتنر، رئيسة وكالة الأمن السيبراني في ألمانيا، المكتب الاتحادي لأمن المعلومات (BSI)، هذا التحذير، حيث قالت إن “هناك قوى داخل ألمانيا وخارجها لها مصلحة في مهاجمة العملية الانتخابية وتعطيل النظام الديمقراطي”.
إن الانتخابات المبكرة التي عقدت في ظل جدول زمني مضغوط لا تشكل تحديات لوجستية للسلطات فحسب، بل تأتي أيضاً في ظلّ توترات سياسية متزايدة. وصرّح جوزيف لينش، الرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة التكنولوجية السياسية، الذي سيعقد في برلين في يناير 2025: “هناك قضايا مختلفة، من الاقتصاد إلى الوضع الجيوسياسي، تعمل على تقسيم المجتمع”. وأضاف أن “الشعبويين والمتطرفين ماهرون بشكل خاص في استغلال هذه الانقسامات الاجتماعية”.
التهديد من الخارج والداخل
يقول الخبراء إن الهجمات الإلكترونية على الأفراد والمنظمات البارزة قد تشكل تهديداً كبيراً للانتخابات. فبمجرد الحصول عليها، يمكن استخدام البيانات الحساسة في عمليات “اختراق وتسريب” منسقة، حيث يتم نشر المواد المسروقة – والتي غالباً ما يتم تغييرها أو إخراجها من سياقها – لتقويض مصداقية المرشحين أو الأحزاب السياسية.
وفي نوفمبر 2024، حذرت وكالة الاستخبارات المحلية الألمانية، المكتب الاتحادي لحماية الدستور، من أنه “على خلفية حرب أوكرانيا، قد يكون لدى روسيا المصلحة الأعظم والأكثر وضوحاً في التأثير على الانتخابات لصالحها”. لكن لينش رأى إن الجهات الفاعلة المحلية التي تعمل من داخل ألمانيا تشكل خطراً كبيراً على نزاهة الانتخابات.
وأضاف أن “المجال العام تطور، إذ تقوم الجهات المعادية للديمقراطية مؤخراً باستخدام قنوات على منصات المراسلة مثل واتساب وتيليجرام، فضلاً عن منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، للالتفاف على وظائف التصفية التي توفرها وسائل الإعلام التقليدية وغيرها من الكيانات الموثوقة”.
وقال لينش أن كلاً من الجهات الفاعلة المتطرفة والأحزاب، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، أمضت سنوات في بناء “البنية الأساسية الرقمية البديلة”. “نتيجة لذلك، أصبح لديهم الآن ما يقرب من عقد من الزمان من التقدم على الجهات الفاعلة الأخرى، مثل الأحزاب القائمة”.
دروس من رومانيا
وقد تجلّت القوة السياسية لهذا النوع من البنية التحتية الرقمية في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، مع الفوز المفاجئ للقومي كالين جورجيسكو. في السادس من ديسمبر 2024، ألغت المحكمة الدستورية في رومانيا نتائج الانتخابات بعد أن رفع الرئيس كلاوس يوهانيس السرية عن وثائق أمنية. وزعمت الوثائق أن روسيا شنت حملة شملت آلاف الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وتيليجرام للترويج لجورجيسكو. وأعلن لينش أن “رومانيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. وما حدث هناك يمكن أن يحدث في أماكن أخرى، بما في ذلك ألمانيا”.
صعود “دعاية الذكاء الاصطناعي”
وفي ألمانيا، لم يقم أي حزب ببناء “بنية تحتية رقمية” أكبر لدفع سردياته من حزب البديل لألمانيا، كما اشارت كاتيا مونوز، الباحثة في مركز الجغرافيا السياسية والجيواقتصاد والتكنولوجيا في مجلس العلاقات الخارجية الألماني، وهو مؤسسة بحثية مقرها برلين. وفي إطار هذه الشبكة، تتفاعل حسابات متعددة على وسائل التواصل الاجتماعي مع بعضها البعض لحث خوارزميات المنصات على تكبير نطاق وصول المنشورات، وقالت مونوز: “إنها خطوة منظمة لدفع نفس السرد”.
وفي الوقت نفسه، تسمح برامج الذكاء الاصطناعي الجديدة للأحزاب والأفراد بإنشاء منشورات ــ من النصوص إلى الصور وحتى مقاطع الفيديو ــ بشكل أسرع من ذي قبل. فقد بدأ المسؤولون من مختلف الأطياف السياسية في استخدام التكنولوجيا لإنشاء رسوم توضيحية لمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال.
ومع ذلك، وبحسب مونوز، نرى في إلمانيا أن “الحزب الذي ينشر أكبر قدر من المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي هو حزب البديل من أجل ألمانيا”، في إشارة إلى تحليل أجرته حول الانتخابات الأوروبية، فضلاً عن الانتخابات الإقليمية في عام 2024.
وأضافت: “هذا المحتوى ليس بالضرورة خاطئاً، لكنه مضلل ويهدف إلى تأكيد المعتقدات القائمة – إنه دعاية الذكاء الاصطناعي”، مستشهدة بمثال مقطع فيديو مدته 78 ثانية تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي ونشره حزب البديل من أجل ألمانيا في سبتمبر 2024، قبل الانتخابات الإقليمية. يصوّر المقطع سيناريوهات يتم فيها مقارنة الأشخاص الذين كانوا في الغالب شقر وذوي عيون زرقاء بأشخاص من ذوي البشرة الملونة، والذين تم عرضهم في سياقات سلبية.
حماية التصويت
ويشير الخبراء إلى الحاجة إلى نهج متعدد الجوانب لحماية نزاهة الحملة الانتخابية والانتخابات في ألمانيا. ولمواجهة الهجمات الإلكترونية، شكلت هيئة الاستخبارات الداخلية الألمانية فريق عمل خاص لمراقبة التهديدات. وتقدم وكالة الأمن السيبراني BSI ندوات عبر الإنترنت للمرشحين والأحزاب لمساعدتهم على تأمين أجهزتهم وحساباتهم عبر الإنترنت ضد المتسللين الإلكترونيين.
وقال بلاتنر، رئيس معهد المعايير الألمانية: “في العادة كنت أودّ القيام بذلك شخصياً في الموقع، لكن يتعين علينا الآن التحول إلى الندوات عبر الإنترنت. ببساطة لأننا لا نملك الوقت الكافي للتحضير كما كنا نظن”. ومع بقاء مهلة صغيرة قبل الانتخابات المتوقعة، لفت لينش إلى أنه “من المهم للغاية أن يشارك المجتمع المدني والجهات الفاعلة السياسية والسلطات الحكومية في الحوار، خاصة وأن الفترة التي سبقت الانتخابات أصبحت أقصر”.
وقالت مونوز أن على السلطات تكثيف جهودها لرفع مستوى الوعي بشأن المعلومات المضللة والدعاية التي يولّدها الذكاء الاصطناعي: “يجب على المسؤولين أن يشرحوا للناس كيف يتم التلاعب بالرأي العام وكيف يتم دفع الآراء المتطرفة إلى مركز النقاش”.