جريدة الحرة
وكالات ـ في تحول لافت في الخطاب السياسي الألماني تجاه قضايا الشرق الأوسط، أدلى المستشار الألماني فريدريش ميرتس بتصريحات حملت نبرة أكثر انخراطًا وتفاؤلاً مما اعتادته برلين في مواقفها التقليدية. فبدل الاكتفاء بالدعوة إلى التهدئة أو التعبير عن القلق – كما جرت العادة في البيانات الأوروبية – أكد ميرتس أن ألمانيا ترى في اللحظة الراهنة “فرصة تاريخية للسلام تفوق مستوى المخاطر”، في إشارة إلى قناعة متزايدة لدى القيادة الألمانية بأن الجمود لم يعد خيارًا مقبولًا، وأن التحرك الفعلي بات ضرورة لا مفر منها لإنهاء دوامة العنف الممتدة منذ عقود.
ميرتس: يوم 13 أكتوبر كان تاريخيًا… لكن العمل الحقيقي يبدأ الآن
وخلال حديثه من مدينة بوتسدام ردًا على أسئلة الصحفيين، شدد ميرتس على أن الأحداث الأخيرة تشكل نقطة تحوّل مهمة، قائلاً: “لقد كان يوم 13 أكتوبر 2025 يوما تاريخيا، لكن العمل الحقيقي يبدأ اليوم”، في تعبير يحمل رسالة ضمنية مفادها أن الاحتفالات الرمزية لا تكفي، وأن المرحلة المقبلة ينبغي أن تقوم على خطوات ملموسة ومرتبطة بجداول زمنية واضحة.
وأكد المستشار الألماني أن تقييمه الشخصي يميل إلى ترجيح كفة الأمل على كفة المخاوف، قائلاً: “فرصة السلام تعد من وجهة نظري أكبر من المخاطر”، لكنه عاد ليذكّر بضرورة عدم الانجرار وراء التفاؤل المفرط دون حسابات دقيقة، مضيفًا: “غير أن هناك مخاطر بطبيعة الحال، وعلينا أن ندرك هذه المخاطر، علينا أن نبقى واقعيين للغاية”.
وأشار ميرتس إلى أنه نقل هذه الرؤية خلال اجتماع مع ممثلي مجموعة الدول العربية، معبّرًا عن قلقه من أن تُهدر اللحظة الراهنة إذا لم يتم البناء عليها بخطوات عملية، قائلاً: “لا أريد أن يأتي بعد مضي ستة شهور يوم نسأل فيه أنفسنا: ما الذي سار على نحو خاطئ؟”.
تنسيق ألماني داخلي واستعداد للمشاركة في الخطوات المقبلة
وفي إشارة إلى تحرك دبلوماسي متدرج يجري خلف الكواليس، أوضح ميرتس أنه أجرى اتصالاً مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، لمناقشة “ما يمكن لنا أن نفعله انطلاقا من ألمانيا”، في إشارة إلى احتمال قيام برلين بأدوار تتراوح بين الدعم السياسي والمساهمة الفنية أو اللوجستية في مشاريع تسوية مستقبلية.
وأضاف أنه تعهّد في هذا الاتصال بالتزام الحكومة الألمانية ومشاركتها في الجهود الجارية، الأمر الذي يؤكد أن الموقف الألماني لا يقتصر على التصريحات بل يشمل استعدادًا فعليًا للانخراط في ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار.
وختم ميرتس حديثه بالتشديد على ضرورة بناء منظومة عمل دولية أكثر صلابة، قائلاً: “يجب على المجتمع الدولي أن ينشئ هياكل، وعلينا الآن أيضا أن نفتح آفاقا دائمة لسلام دائم بين حماس والفلسطينيين من جهة، والشعب الإسرائيلي وحكومته من جهة أخرى”.
وتأتي هذه التصريحات بعد أيام قليلة من توقيع رؤساء الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا في شرم الشيخ على وثيقة تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار، استنادًا إلى الخطة ذات العشرين نقطة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد كان ميرتس نفسه حاضرًا خلال مراسم التوقيع، ما يعزز الانطباع بأن برلين لا ترغب هذه المرة في البقاء على مقاعد المتفرجين.
هل تتجه برلين إلى لعب دور صانع الجسور بين الشرق والغرب؟
أمام هذا المشهد، يطرح سؤال جوهري نفسه: هل تستعد ألمانيا للانتقال من موقع المراقب الدبلوماسي إلى موقع الشريك المباشر في هندسة السلام؟
فألمانيا تمتلك رصيدًا معتبرًا من الثقة لدى الأطراف العربية، ولديها في الوقت ذاته علاقات وثيقة مع إسرائيل، ما قد يؤهلها للعب دور “الوسيط المتوازن”. غير أن نجاحها في هذا الدور سيعتمد على مدى قدرتها على تحويل خطاب النوايا إلى أدوات تنفيذية، سواء عبر دعم اقتصادي طويل الأمد، أو عبر المشاركة في آليات مراقبة اتفاقات التهدئة، أو حتى عبر رعاية مسارات حوار مجتمعية موازية للمفاوضات السياسية الرسمية.


