DW – سوف تواجه الحكومة الألمانية الجديدة تحديات ضخمة في مجال السياسة الخارجية عندما تتولى السلطة. ويصف كثيرون هذه اللحظة في التاريخ الألماني بأنها لا تقل عن بداية عصر جديد، عصر سوف تضطر فيه البلاد إلى إعادة توجيه نفسها في العديد من المجالات، أو في كل المجالات تقريباً. أو بعبارة أخرى: وداع أخير للوضع المتمثل في كونها دولة قوية اقتصادياً، لكن حذرة إلى حد ما على المستوى الجيوسياسي.
على مدى عقود عديدة بعد الحرب العالمية الثانية، ظلت ألمانيا الغربية ملتزمة بالديمقراطية، وأصبحت سفيرة للتعددية ومناصرة للديمقراطية وسيادة القانون. وكانت قرارات السياسة الخارجية تُتَّخَذ بالتعاون الوثيق مع الدول الغربية الصديقة، في حين كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن أمن البلاد.
في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2025، أعلن نائب الرئيس الأميركي الجديد جيه دي فانس أن أوروبا لابد أن تدفع تكاليف دفاعها وتتحمل مسؤولية دفاعها بنفسها. وأعرب فريدريش ميرتس، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) اليميني الوسط والمستشار الألماني القادم المحتمل، عن انزعاجه قائلاً: “نحن عند مفترق تاريخي… الضمانات الأمنية من الولايات المتحدة أصبحت موضع تساؤل، والأميركيون يشككون في المؤسسات الديمقراطية”.
الولايات المتحدة والصين
يقول رودريش كيسويتر، الخبير في الشؤون الخارجية في الكتلة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي، إن البلاد تقف عند مفترق طرق. وهو يعتقد أن ألمانيا لابد أن تدرك أن ديمقراطيتها وسيادة القانون فيها معرضتان لتهديد متزايد. فالصين، على سبيل المثال، تبذل حالياً كل ما في وسعها لتوسيع نفوذها وجعل الدول الديمقراطية مثل ألمانيا أكثر اعتماداً.
ودعا كيسويتر إلى سياسات تعطي الأولوية للمصالح الوطنية والاقتصادية لألمانيا. “وإلا فإن التأثير الاقتصادي سيكون هائلاً، ولن يكون حلف شمال الأطلسي فعّالاً كرادع”، تابع كيسويتر. “لكن لتحقيق هذه الغاية، من الضروري إعادة توجيه السياسة الخارجية والأمنية بشكل واضح. إن التفكير الاسترضائي القديم والسذاجة في التعامل مع الصين ليسا السبيل إلى الأمام، بل إنهما يؤديان إلى نتائج عكسية”.
قوات حفظ السلام الألمانية في أوكرانيا؟
حتى عندما يتعلق الأمر بالموضوع المهيمن على السياسة تجاه أوكرانيا، فمن غير المرجح أن يظل أي شيء على حاله. إذ بعد أن بدأت حرب أوكرانيا في فبراير عام 2022، أصبحت ألمانيا أكبر داعم للأخيرة بعد الولايات المتحدة، سواء على المستوى العسكري أو في ما يتصل باستقبال اللاجئين.
والآن يبدو أن اتفاقاً لإنهاء الحرب في طور الإعداد، ومن المفترض أن يتم التفاوض عليه بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. وعندئذٍ، تقع على عاتق ألمانيا ودول أخرى، من المرجح أن تكون في الأساس من أوروبا، مسؤولية حماية مثل هذا الاتفاق بجنودها. وفي كل الأحوال، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالفعل أنه لا يريد المساهمة بذلك.
ولكن هل سيقبل الناخبون الألمان هذا الأمر أم لا؟ في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة فورسا، أعرب 49% عن تاييدهم، في حين اعترض 44% من المستطلعين.
القوات المسلحة الألمانية تتوسع بشكل كبير
لكن من المؤكد أن ألمانيا لابد وأن تركز على ضمان فعالية دفاعاتها، ويفضل أن يتم ذلك بالتعاون الوثيق مع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي. وقد قدر النائب عن حزب الخضر في البرلمان الألماني أنطون هوفريتر التكاليف بنحو 500 مليار يورو (520 مليار دولار أميركي)، وهو مبلغ مذهل.
وبحسب فريدريش ميرتس، مرشح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لمنصب المستشار، فإن ألمانيا يجب أن تأخذ زمام المبادرة في أوروبا. وأضاف: “يتوقع الجميع أن تتحمل ألمانيا مسؤولية أكبر في القيادة. لقد طالبت بذلك مراراً وتكراراً. ألمانيا هي الدولة الأكثر عدداً من حيث السكان في أوروبا. وتقع في المركز الجيوستراتيجي للقارة الأوروبية. يجب علينا أن نؤدي هذا الدور”.
بالنسبة لميرتس، فإن إعادة تسليح ألمانيا ليست مهمة فقط في ما يتعلق بأوكرانيا: “إن الأمر يتعلق بضمان السلام في أوروبا من العدوان الروسي، الذي نواجهه هنا في ألمانيا كل يوم: التهديد لبنيتنا التحتية، والتهديد لشبكات البيانات لدينا، والتهديد لكابلات البيانات تحت بحر البلطيق”.
هل تقترب ميزانيات الدفاع من الضعف بعد عام 2028؟
ماذا يعني كل ذلك من الناحية العملية؟ المرجح هو تعزيز القدرات العسكرية، وهو ما استخدمه وزير الدفاع الحالي بوريس بيستوريوس (SPD) في أكتوبر 2023 عندما قال إن البلاد بحاجة لأن تكون “جاهزة للحرب”. ومنذ العام 2022، كان هناك صندوق خاص بقيمة حوالي 100 مليار يورو لإعادة تسليح الجيش الألماني، لكن المبلغ المذكور سوف ينفد بحلول عام 2028.
ومن الممكن أن يرتفع الإنفاق على الجيش من المستوى الحالي البالغ حوالى 50 مليار يورو سنوياً إلى 80 أو حتى 90 مليار يورو. وسواء تم جمع هذه الأموال من خلال تكبد ديون إضافية أو من خلال خفض أجزاء أخرى من الميزانية الوطنية، فإن الأمر موضوع نقاش ساخن في الحملة الانتخابية.
لكن وفقاً لكيسويتر فإن هذه الزيادة الجذرية تشكل تهديداً وجودياً للحكومة القادمة. فإذا لم تعمل ألمانيا على تعزيز قوتها العسكرية، فلن تعود موضع اعتبار في واشنطن: “في ما يتصل بالشراكة عبر الأطلسية في المستقبل، يتعين على أوروبا أن تساهم بالحد الأدنى الضروري لضمان بقاء الولايات المتحدة شريكاً قوياً في أوروبا وحلف شمال الأطلسي”.
لا تغيير في السياسة تجاه إسرائيل
ومن ناحية أخرى، سوف يظل نفوذ ألمانيا في الشرق الأوسط محدوداً إلى حد ما، كما كان في الماضي. وستستمر الحكومة المقبلة في الاسترشاد بمبدأ “منطق الدولة”، الذي يعني التمسك بحق إسرائيل في الوجود – وفي الدعوة إلى “حل الدولتين” (دولة إسرائيلية وأخرى فلسطينية)، حتى وإن أصبح هذا الحل أقل احتمالاً.
شركاء جدد
وكانت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك قد دعت مراراً إلى “أوروبا المشتركة” باعتبارها الجواب على كل التغيرات التي يشهدها العالم. وتشمل هذه الشراكات الجديدة اتفاقيات مع دول منطقة الخليج وكذلك مع الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي، حيث أبرمت معاهدة الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2024.