جريدة الحرة
خاص ـ تُوسّع أجهزة الاستخبارات الروسية، بشكل متزايد، نطاق أنشطتها في ألمانيا، حيث يُبلغ جهاز مكافحة التجسس العسكري الألماني (MAD) عن ارتفاع ملحوظ في وتيرة عمليات التجسس والهجمات الهجينة التي تستهدف أمن البلاد.
صرّحت رئيسة الجهاز، مارتينا روزنبرغ، قائلة: “نشهد زيادة حادة في عدد حالات التجسس والإجراءات الهجينة؛ فالأسلوب المتَّبع بات أكثر شمولًا وعدوانية من ذي قبل”. وأكدت أن أجهزة الاستخبارات الروسية ما زالت تستخدم أساليب مشابهة لتلك التي اعتمدتها خلال الحرب الباردة، غير أنها وسّعت نطاق أدواتها بشكل لافت لتشمل مجالات جديدة ومتطوّرة.
تضاعف الحالات واستهداف البنية التحتية
تشير روزنبرغ إلى أن هذه الأدوات تشمل تقنيات متقدمة تتجاوز الجوسسة التقليدية، لتطال أساليب هجينة مركّبة. وتُظهر المعطيات الأمنية حتى يوليو 2025 مؤشرات على عمليات استطلاع محتملة تستهدف منشآت عسكرية ومرافق حيوية من البنية التحتية في ألمانيا، إلى جانب محاولات تخريب خطوط الإمداد وشن هجمات سيبرانية ضد الشبكات والأنظمة الحساسة.
وقد أُبلِغ عن استخدام طائرات بدون طيار متطورة يصعب اعتراضها أو التشويش عليها، تُستخدم غالبًا ضمن حملات التضليل الإعلامي الموجّه، كجزء من أساليب زعزعة الاستقرار المعروفة بالهجمات الهجينة، وهي مزيج من الوسائل العسكرية وغير العسكرية، التقليدية والرقمية.
وشهد عام 2024 تضاعفًا في عدد الحالات المشبوهة، ما يعكس تسارع وتيرة التهديد. ويواصل عملاء الاستخبارات الروسية التسلل إلى الأراضي الألمانية عبر دول ثالثة لتفادي الرقابة المباشرة، مع اعتمادهم على التواصل الشخصي لبناء شبكات سرية داخل البلاد، ما يزيد من صعوبة كشفهم.
حذّرت روزنبرغ من محاولات العملاء الروس تأسيس علاقات شخصية وزرع الثقة مع أفراد من الداخل الألماني. وأضافت: “ثمة خطر حقيقي يتمثل في استهداف أفراد من أصول روسية، أو من العائدين ذوي الأصل الألماني، أو من لهم علاقات اجتماعية أو عائلية مع روسيا”.
مخاطر إضافية: الجنود والإجازات في دول صديقة لروسيا
يبرز تهديد إضافي عند سفر الجنود الألمان، أو المواطنين مزدوجي الجنسية، إلى روسيا أو إلى دول متحالفة معها لأغراض شخصية أو سياحية، إذ يمكن أن يتعرضوا هناك لمحاولات ابتزاز أو تجنيد غير مباشر، وقد يُجبرون على التعاون مع أجهزة استخباراتية أجنبية دون إدراكهم الكامل لذلك.
ألمانيا في مرمى التجسس: دور محوري يجعلها هدفًا
أوضحت روزنبرغ أن ألمانيا أصبحت في مرمى نيران أجهزة الاستخبارات الأجنبية، نتيجة دورها المحوري في التحالفات الدولية، ولا سيما في حلف شمال الأطلسي. وأضافت: “ألمانيا، بصفتها مركزًا لوجستيًا أساسيًا لتحركات قوات الناتو، وشريكًا فاعلًا في عمليات الحلف، تُعدّ هدفًا رئيسيًا للأجهزة المعادية”.
ودعت روزنبرغ إلى اليقظة، مشددة على أهمية الانتباه لأي مؤشرات غير اعتيادية، مؤكدة أن الإبلاغ الفوري للسلطات المختصة هو أفضل وسيلة لمكافحة التجسس.
العودة إلى أجواء الحرب الباردة
يتولى جهاز الاستخبارات العسكرية الألمانية (MAD) عدة مهام، من أبرزها حماية الجيش من الاختراقات الأمنية، ومكافحة التطرّف، وإصدار التصاريح الأمنية للعسكريين والمدنيين العاملين في وزارة الدفاع. ورغم كونه أصغر أجهزة الاستخبارات في ألمانيا، فقد عاد ليتصدر الخطوط الأمامية في مواجهة التجسس والتخريب، كما كان الحال خلال الحرب الباردة.
وقد سُجلت عدة حوادث يُشتبه بأنها أعمال تخريب استهدفت قطعًا بحرية تابعة للجيش الألماني، شملت قطع أسلاك، أو إدخال برادة معدنية إلى المحركات، أو تلويث أنظمة مياه الشرب بزيوت صناعية.
من الماضي إلى الحاضر: سياق متراكم من التهديدات
ليست هذه الأنشطة وليدة اللحظة، بل تأتي في سياق تصاعدي بدأ منذ سنوات. ومن أبرز الحوادث السابقة الهجوم السيبراني الكبير على البرلمان الألماني عام 2015، واغتيال مواطن جورجي في حديقة “كلاينر تيرغارتن” في برلين عام 2019 على يد عميل روسي.
وقد أُفرج عن هذا العميل، فاديم كراسيكوف، في أغسطس 2024، ضمن صفقة تبادل أسرى شملت روسيا، بيلاروسيا، وعددًا من الدول الغربية، في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات بشأن التنازلات الغربية في ملفات التجسس والاستخبارات.


