DWـ لا تزال القنابل النووية الأمريكية منتشرة في ألمانيا، لكن ابتعاد ترامب عن أوروبا يضعف الردع النووي الغربي. فهل يمكن لفرنسا المساعدة وتوفير مظلة نووية بديلة لحماية ألمانيا وأوروبا؟
اضطر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الانتظار طويلاً للحصول على رد برلين. فقد عرض أكثر من مرة التحدث مع ألمانيا حول الردع النووي في أوروبا بالاعتماد على الأسلحة النووية الفرنسية، وحتى الآن لم تستجب ألمانيا.
لكن يبدو أن الأمر سيتغير مع فريدريش ميرتس، المستشار القادم المحتمل، حيث أبدى استعداده للحوار. وقد تغير الوضع بشكل كبير بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يمكن أن ينهى الحماية الأمريكية للحلفاء الأوروبيين. ويريد ميرتس التحدث مع القوتين النوويتين، فرنسا وبريطانيا، حول الردع النووي في أوروبا، وهو ما يلقى الترحيب في باريس.
“المشاركة النووية”: القنابل النووية الأمريكية في ألمانيا
منذ عقود، تحمي ألمانيا نفسها تحت المظلة النووية الأمريكية. حيث هناك حوالى 20 قنبلة نووية في مخازن ألمانية. لكن الرئيس الأمريكي هو فقط من يملك شفرة إطلاق تلك القنابل. أما الطائرات التي يمكن أن ترمي القنابل، فهي تعود للجيش الألماني. ويطلق حلف الناتو على التنظيم المشترك للردع النووي مع الولايات المتحدة مصطلح “المشاركة النووية”، حيث تشارك في ذلك دول أوروبية أيضاً.
بيد أن الخبراء الأمنيين لا يتوقعون أن تسحب الولايات المتحدة أسلحتها النووية في المستقبل القريب من أوروبا. ويقول ساشا هاخ، الخبير في شؤون الأمن الأوروبي ومراقبة التسلح لدى معهد أبحاث السلام في فرانكفورت: “لا أعتبر هذا السيناريو وشيكاً، لأن حلف الأطلسي والمشاركة النووية ذات أهمية استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة لأسباب مختلفة. لكن لا يمكن للمرء أن يستبعد ذلك”. وإحدى المزايا الاستراتيجية للأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا هي قدرة الرد على العدوان الروسي.
ألمانيا لا تملك أسلحة نووية
حتى لو بقيت القنابل النووية الأمريكية في أوروبا، فإن الشكوك التي يثيرها ترامب حول الالتزام الأمريكي بدعم حلف الأطلسي بدأت تلحق الضرر – وهذه الشكوك تقوض مصداقية الردع النووي. أما ألمانيا التي اعتمدت دائماً بشكل كبير على الولايات المتحدة، فتريد الآن إعادة توجيه سياستها الأمنية، وينبغي تسليح الجيش الألماني بأسرع مما هو مخطط.
كما تتم مناقشة مسألة المظلة النووية أيضاً. ففي ظل هذه الظروف، هل لا يزال هذا النظام صالحاً كرادع ضد الترسانة النووية الروسية التي تحتوي على أكثر من 5500 رأس نووي؟ إذ لا يسمح لألمانيا بامتلاك أسلحة نووية خاصة بها. وقد تم النص على ذلك من بين أمور أخرى في “اتفاقية 2+4” حول إعادة توحيد ألمانيا عام 1990.
في أوروبا، تمتلك فرنسا وبريطانيا فقط أسلحة نووية خاصة بهما، وبالتالي، فإن التعاون أمر مستحسن. لكن ثمة حدوداً: فالأسلحة النووية البريطانية مرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة وستكون متاحة لحلف الناتو في حال نشوب صراع. لكن الوضع في فرنسا مختلف. فباريس تولي أهمية كبيرة لاستقلال قواتها النووية، التي لا تتبع هياكل القيادة المشتركة لحلف الناتو.
الأسلحة النووية الجوية والبحرية
يقدر عدد الرؤوس النووية التي تملكها فرنسا بنحو 290 رأساً، يمكن إطلاقها من غواصات نووية أو من مقاتلات رافال الفرنسية. والأسلحة النووية ينبغي أن تحمي “المصالح الحيوية” للبلاد. وحسب التفسير الفرنسي، فإن ذلك يعزز أمن أوروبا أيضاً في نفس الوقت، حيث تعقّد حسابات الأعداء المحتملين.
إذن، كيف يمكن أن يبدو التعاون؟ في البداية يتعلق الأمر بمحادثات مكثفة حول الموضوع، حسب باريس، فالمعلومات والتعامل مع الخطط الاستراتيجية المتعلقة بالأسلحة النووية مسألة حساسة. وفي هذا المجال، لدى فرنسا خبرة تمتد لعقود عديدة، وهو ما لا تتمتع به ألمانيا.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الأمني في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، كميل غراند، يمكن تصور تدريبات مشتركة للقوات الجوية الألمانية والفرنسية أيضاً، وهذه يمكن أن تتضمن هبوط مقاتلات رافال الفرنسية في ألمانيا. ومع ذلك، ليست هناك خطط لنشر مقاتلات نووية فرنسية أو بنى تحتية نووية أخرى في ألمانيا، كما تكهنت تقارير إعلامية، فلا نزال بعيدين عن ذلك.
سلطة القيادة تبقى للرئيس الفرنسي
بالنسبة لفرنسا، فإن مشاركة الدول الأخرى بشكل مباشر في أسلحتها النووية كما هو لدى حلف الناتو في مجال تشارك الأسلحة النووية، هي أمر غير وارد. ويقول غراند في حوار مع DW: “من الخطأ الافتراض أن الضمانات النووية الفرنسية تعادل الضمانات الأمريكية”.
وقد أوضحت الحكومة الفرنسية دائماً أنها لن تتخلى عن سلطة اتخاذ القرار بشأن استخدام الأسلحة النووية. وأكد الرئيس ماكرون في خطابه بداية شهر مارس/آذار الجاري أنه “مهما حصل فإن القرار كان وسيظل دائما بيد رئيس الجمهورية (الفرنسية)، القائد الأعلى للقوات المسلحة”.
ماذا يمكن أن تفعل أوروبا؟
ليست فقظ الأسلحة النووية الفرنسية، وإنما البريطانية أيضاً تركز بقوة على الدفاع الوطني. والمملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين الدول النووية التي لديها نوع واحد فقط من الأسلحة النووية. والردع النووي للبلد يعتمد بشكل كامل على سلاح البحرية، حيث هناك أربع غواصات نووية متمركزة على الساحل الغربي لأسكوتلندا.
وكل ذلك يحد من إمكانيات وضع هذه الأسلحة في الخدمة ضمن نظام دفاع نووي أوروبي أوسع في المستقبل القريب. ويقول الخبير الأمني ساشا هاخ في حوار مع DW إن من الممكن إجراء حوار استراتيجي أقوى أو حتى “إعلان سياسي بأن القدرات النووية الفرنسية والبريطانية ستستخدم للدفاع عن الأراضي الأوروبية أيضاً”. ويضيف أنه يعتقد أنه “من غير الواقعي أن تتطور الأسلحة النووية في فرنسا وبريطانيا العظمى بطريقة تمكنها من التكيف مع الدفاع الأوروبي”.
عدد القنابل النووية ليس حاسماً
في ألمانيا، أكد فريدريش ميرتس أيضاً أن هذا ليس بديلاً للأسلحة النووية الأمريكية في أوروبا، وإنما مكمل لها. ويعود ذلك ليس فقط إلى ترسانة الولايات المتحدة النووية التي لا يمكن تعويضها في الناتو، وإنما بسبب قدرات محددة تمتلكها هي فقط، ومنها التواصل المشترك مع مقر القيادة والإبلاغ في ما يتعلق بإطلاق الصواريخ البالستية. وكل ذلك يساعد على تجنب أي تصعيد غير مقصود.
“حين نناقش الآن في أوروبا كيف يمكن المضي قدماً بدون الولايات المتحدة، نركز دائماً على ما إذا كنا نملك عدداً كافياً من القنابل (النووية)”، يقول الخبير الأمني هاخ منتقداً. وفي نفس الوقت، يتم تجاهل ضمانات مهمة أخرى قد تضيع بدون الولايات المتحدة، مثل الاتصالات العسكرية المباشرة مع الجانب الآخر. ويضيف هاخ: “هنا أود القول: من مصلحة أوروبا بناء هياكل وآليات مماثلة يمكننا السيطرة عليها أيضاً”.