الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

العلاقات الخليجية الأوروبية: من الشراكة التقليدية إلى التحالفات الاستراتيجية

الحرة بيروت

تشهد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي مزيدًا من التطور والتحسن، لا سيما في ظل الأزمات والتقلبات السياسية التي تشهدها المنطقة. يُعدّ مجلس التعاون الخليجي شريكًا أساسيًا للاتحاد الأوروبي في مجالات أمن الطاقة، والبنية التحتية الاستراتيجية، وجهود الوساطة، ومكافحة الإرهاب، وغيرها. علاوة على ذلك، فإن اهتمام الاتحاد الأوروبي المتزايد بالخليج لا ينبع فقط من حاجة الاتحاد الأوروبي إلى الاستجابة للتحديات التي يواجهها في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، بل إنه يشهد أيضًا على الأهمية المتزايدة لمجلس التعاون الخليجي وقدرته على المساهمة في القضايا العالمية.

تطور العلاقات الخليجية الأوروبية

منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بدأت العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، عندما انطلقت دول المجلس نحو تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، فتم التوقيع على اتفاقية التجارة والاستثمار بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي عام 1988، والتي أرست حوارًا منتظمًا حول مواضيع تشمل العلاقات الاقتصادية وتغير المناخ والطاقة والبيئة. وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الأوروبية الخليجية خطوات إيجابية للمضي قدمًا، مثل إطلاق “الشراكة الاستراتيجية مع الخليج” في مايو 2022، التي تنص على أبعاد متعددة، منها التعاون الاقتصادي، التعاون في مجال الطاقة والقضايا الأمنية والعلاقات المؤسسية، والتعاون في المساعي الإنسانية وحقوق الإنسان. وتذهب الشراكة لأبعد من ذلك لتشمل مجالات محورية مثل: التجارة والاستثمار، والمشروعات الريادية وتوظيف الشباب، ودعم مبادرات الرعاية الصحية. وتضم الشراكة أيضاً مجالات أخرى أساسية مثل: سلامة النقل والإدارة والاتصال والرقمنة والبحث والابتكار واستكشاف الفضاء.

وفي يونيو 2022  تم تعيين ممثل خاص للاتحاد الأوروبي في الخليج لمحاولة تطوير شراكة أقوى وأشمل وأكثر استراتيجية. وفي عام 2023، كثّف الاتحاد الأوروبي جهوده لمحاولة تنشيط مفاوضات الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي للتوصل إلى اتفاقية تجارية. إضافة إلى افتتاح بعثات جديدة للاتحاد الأوروبي، وإنشاء غرفة التجارة الأوروبية في الخليج في مايو 2024. فيما شهدت العلاقات فترة من “التواصل المكثف” في عام 2024 تمثل في عدد غير مسبوق من الاجتماعات بين الكتلتين: حوار أمني إقليمي في الرياض في يناير 2024، ومنتدى للتعاون الأمني في لوكسمبورغ في أبريل 2024 ، وحوار اقتصادي في الدوحة في سبتمبر2024، وأول قمة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في بروكسل في أكتوبر 2024  ومنتدى للأعمال في الدوحة  في نوفمبر 2024.

تعاون متزايد في مجالات الطاقة

تلعب منطقة الخليج دورًا رئيسيًا في مجالات التحول الأخضر والأمن الاقليمي وكأكبر منتج في العالم للوقود الأحفوري، كما تشكل عاملًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، ومن المتوقع على المدى المتوسط والطويل أن يصبح الخليج أيضًا من المنتجين والمصدرين المهمين للطاقة المستدامة. لدى دول الخليج العربي بعض من أفضل موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم وهذه الدول من الموردين الذين يمكن التعويل عليهم للغاز الطبيعي المسال، وعليه فإن الاتحاد الأوروبي يرى من الأهمية بناء شراكة أقوى مع الخليج.

منذ عام 2020، زاد الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ من وارداته من الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي. ويفيد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بأنه من بين أكثر من (180)  اتفاقية طاقة جديدة وقّعها الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع حرب أوكرانيا، كان العدد الأكبر من هذه الاتفاقيات مع دول مجلس التعاون الخليجي. وتتصدر الإمارات العربية المتحدة القائمة بـ 24 اتفاقية، تليها قطر (11)، والمملكة العربية السعودية (4)، وعُمان (2)، والبحرين (1).

تُعزز الأرقام هذا التوجه. ففي عام 2023، شكّلت واردات الوقود المعدني أكثر من (75%) من واردات الاتحاد الأوروبي من دول مجلس التعاون الخليجي. علاوة على ذلك، تضاعفت واردات الوقود ثلاث مرات منذ عام 2020، مما يُشير إلى عمق توجه الاتحاد الأوروبي نحو دول الخليج لتلبية احتياجاته من الطاقة. ومع تراجع إمدادات الغاز الطبيعي والنفط من روسيا بسبب العقوبات والتوترات الجيوسياسية،  من المتوقع أن يزداد اعتماد أوروبا على دول الخليج بشكل أكبر في السنوات القادمة.

 شراكة اقتصادية متنامية

في حين يُمثل أمن الطاقة مصدر قلق مُلِحّ، اكتسبت الشراكة الاقتصادية الأوسع للاتحاد الأوروبي مع دول مجلس التعاون الخليجي زخمًا متزايدًا. ويعمل الجانبان بنشاط على إبرام اتفاقية تجارية طال بحثها، والتي تُدرس حاليًا كجزء من استراتيجية الاتحاد الأوروبي الأوسع لتعزيز الشراكات مع الأسواق الناشئة الرئيسية. وفي حال نجاح هذه الاتفاقية، ستُمثل خطوةً مهمةً إلى الأمام في العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، بعد سنوات من المفاوضات والمناقشات المتعثرة.

يُعدّ مجلس التعاون الخليجي قوةً رئيسيةً في الاقتصاد العالمي مع ناتج محلي إجمالي يبلغ حوالي تريليوني دولار أمريكي في عام 2022. ووفقًا للبنك الدولي، إذا استمرّ التكتل في النموّ بمساره الحالي، فمن المتوقع أن يصل ناتجه المحلي الإجمالي إلى (6) تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2050.

ومن شأن اتفاقية تجارية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أن تُسهّل الوصول إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية، التي تُعدّ من بين الأكبر والأكثر نفوذًا في العالم. هذه الصناديق، المعروفة باستراتيجياتها الاستثمارية طويلة الأجل التي تمتد لعقود، قادرة على تعزيز الآفاق الاقتصادية الأوروبية بشكل كبير من خلال ضخّ رؤوس الأموال في قطاعات مُختلفة، بما في ذلك البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة المُتجددة.

يُعدّ الاتحاد الأوروبي حاليًا ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغ حجم التجارة بين الكتلتين (185) مليار دولار في عام 2023. ويمثل الاتحاد الأوروبي أكثر من (11%)  من إجمالي تجارة دول الخليج بقيمة زادت على 170 مليار يورو، في المقابل فإن الاتحاد الأوروبي هو رابع شريك تصدير لدول مجلس التعاون بنسبة (7.5%)  في المائة من إجمالي صادرات المجلس.

مع ذلك، لا تزال العلاقات الاقتصادية تركز بشكل كبير على الطاقة، حيث يُشكّل الوقود المعدني غالبية صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى أوروبا. ومن شأن اتفاقية تجارية شاملة أن تُسهم في تنويع تدفقات التجارة من خلال تعزيز التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا الرقمية والتصنيع والخدمات المالية.

من التطورات المحتملة التي قد تُعزز العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي مشروع الممر الاقتصادي الهندي – الشرق الأوسط – أوروباالذي  (IMEC) يهدف إلى تعزيز التواصل بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الشحن.

قُدِّم اقتراحٌ لأول مرة خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في سبتمبر 2023، وحظي مشروع IMEC بدعمٍ رئيسي من الهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي. في حال تنفيذه، سيُنشئ هذا الممر طريقًا تجاريًا مباشرًا من الهند عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر اليونان. ومن شأن هذا التطور أن يُحسّن كفاءة التجارة بشكل كبير، ويُخفّض تكاليف النقل، ويُعزّز التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.

تعاون سياسي وأمني 

بينما لا تزال الطاقة العامل المهيمن في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، تُعزز الدول الأوروبية أيضًا انخراطها الجيوسياسي في المنطقة، لا سيما اتساع نطاق الصراع في غزة، والذي يهدد بالامتداد مناطق أخرى. وبينما لا تزال العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج مستقرة إلى حد كبير، يدرك الاتحاد الأوروبي أن استمرار حالة عدم الاستقرار قد يؤثر على مصالحه التجارية ومصالح الطاقة. وللتخفيف من هذه المخاطر، كثّفت أوروبا جهودها الدبلوماسية وبحثت عن سبل جديدة للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

خطا الاتحاد الأوروبي خطوة كبيرة في عام 2024 لتعزيز علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية الإسلامية الأوسع من خلال التحالف مع المملكة العربية السعودية والنرويج في إطلاق التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين.

في الآونة الأخيرة، تكثفت العلاقات الأمنية والدفاعية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على مستوى الحوار. وانعقد أول  منتدى رفيع المستوى بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول الأمن والتعاون الإقليمي، على مستوى وزراء الخارجية، في لوكسمبورغ في أبريل 2024. وقبل ذلك، انعقد أول  حوار أمني إقليمي بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي  في الرياض في يناير 2024، حيث اتفق الطرفان على إجراء حوارات أمنية منتظمة حول قضايا مثل الأمن البحري والأمن السيبراني.

يُؤكد القرار الأخير الذي اتخذه الجانبان بتطوير علاقاتهما المؤسسية من خلال اجتماعات رفيعة المستوى ومنتظمة، على إدراكهما الاستراتيجي للمشاكل الأمنية المُلحة التي تواجهها كلتا المنطقتين. وفي الوقت الحالي، أوجدت التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط بعد أحداث السابع من أكتوبر  والحرب على غزة شعورًا بالحاجة المُلِحّة لدى أعضاء مجلس التعاون الخليجي للعمل مع شركاء خارجيين. وبالمثل، “اكتشف” الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه دول مجلس التعاون الخليجي كشركاء يسعون إلى تحقيق مصالح مُتشابهة، بالنظر إلى قضايا أمن الطاقة الناجمة عن الصراع في أوكرانيا واحتمالات نشوب حرب أوسع في الشرق الأوسط وأمن البحر الأحمر.

تقييم وقراءة مستقبلية

ـ تتمتع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بأهمية استراتيجية متزايدة، خاصة في ظل التحديات الأمنية المتشابكة التي تواجه العالم اليوم. تشكل هذه الشراكة ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتوفر إطارًا للتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتطرف والتغير المناخي.

ـ مع استمرار أوروبا في مواجهة تحديات أمن الطاقة، وعدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، والحاجة إلى التنويع الاقتصادي، ستظل علاقتها بمجلس التعاون الخليجي بالغة الأهمية. ومن المتوقع أن تشهد اتفاقيات الطاقة بين المنطقتين نموًا أكبر، بينما من المرجح أن يصبح التفاعل الدبلوماسي في الشرق الأوسط سمةً أكثر استدامةً في السياسة الخارجية الأوروبية.

ـ من المتوقع أن يُسهم الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي في دفع عجلة النمو التآزري بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وتُكمّل مشاريع المدن الذكية الطموحة في الخليج، مثل مشروع نيوم في المملكة العربية السعودية، خبرة أوروبا في الحوكمة الرقمية والتخطيط الحضري المستدام. ومن خلال إنشاء مراكز ابتكار وتعزيز البحوث المشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي يُمكن للمنطقتين تسريع التقدم التكنولوجي الذي يُعزز التنوع الاقتصادي ويُحسّن جودة الحياة. وستكون هذه المراكز بمثابة حاضنات للتقنيات المتطورة، مما يُسهّل تبادل المعرفة وأفضل الممارسات التي يُمكن تطبيقها على نطاق واسع في كلتا المنطقتين.

ينبغي أن يُعزز التعاون في القضايا الأكثر إلحاحًا شراكةً حقيقيةً، ألا وهي: مكافحة الإرهاب المشتركة، وتعزيز ثقافة الاحترام والتفاهم المتبادل بين الجانبين. كما ينبغي على الطرفين السعيَ جاهدين للمساهمة في إيجاد حلٍّ دائمٍ في فلسطين، لتجنُّب استغلال هذا الصراع المُطوّل من قِبَل المتطرفين

المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ECCI  

رابط المقال: https://hura7.com/?p=50660

رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468

الأكثر قراءة