خاص – مع استمرار حلف شمال الأطلسي وروسيا في توسيع نفوذهما في القطب الشمالي، فإن مواقع القواعد العسكرية الكبرى تظهر المدى الذي تسعى فيه البلدان المختلفة إلى بناء قوتها في المنطقة. فقد كانت منطقة القطب الشمالي في الماضي منطقة محايدة سياسياً في العالم، لكنها أصبحت الآن تعتبر إلى حد كبير بمثابة حدود جيوسياسية وعسكرية.
منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، توقفت عملية السلام الدولي في القطب الشمالي، والآن أصبحت حتى الدول خارج الدائرة القطبية الشمالية، مثل الصين، تبدي اهتماماً متزايداً بالمنطقة. ومع ذوبان الجليد في القطب الشمالي، تنفتح طرق شحن بديلة، ويعتقد أن هذا هو السبب وراء رغبة الرئيس دونالد ترامب في شراء غرينلاند من الدنمارك.
وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة سيمونز كندا، وهي جمعية في فانكوفر تقدم معلومات عن نزع السلاح النووي والقانون الدولي والأمن، فإن روسيا لديها 32 “موقعاً عسكرياً تحت المراقبة المستمرة” في منطقة القطب الشمالي اعتباراً من عام 2024. وبحسب التقرير، فإن ثلاثة من المواقع، تلك الواقعة في أرض فرانز جوزيف، وجزيرة كوتيلني، وجزيرة رانجل، قادرة على استيعاب ما يصل إلى 150 جندياً برياً في كل منها.
وتملك النرويج 15 “موقعاً عسكرياً خاضعاً لمراقبة مستمرة”، في حين أن للولايات المتحدة عشرة، وكندا ثمانية، والدنمارك ثلاثة (تقع في غرينلاند) ولأيسلندا موقعاً واحداً. وبالتالي، رغم أن لدى حلف شمال الأطلسي خمسة مواقع أكثر من روسيا، فإن لدى الأخيرة أكبر عدد من سكان القطب الشمالي مقارنة بأي من الدول المطلة على المحيط المتجمد الشمالي، حسبما أفادت مؤسسة سيمونز الكندية.
بعد اندلاع حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أصبحت العلاقات الدولية في القطب الشمالي غير مؤكدة إلى حد كبير، نظراً لأن روسيا كانت الدولة التي ترأست مجلس القطب الشمالي في ذلك الوقت، وفقاً لما ذكره موقع Statista. وقاطع جميع أعضاء مجلس القطب الشمالي باستثناء روسيا اجتماعات المجلس، ولم يجتمع الأخير مجدداً إلا في عام 2023 لتنصيب النرويج رئيساً له.
ويُعدّ أكثر من نصف ساحل القطب الشمالي أرضاً روسية، وفي السنوات الست الماضية قامت روسيا ببناء أكثر من 475 قاعدة عسكرية على طول حدودها الشمالية. وقال أربعة خبراء في القطب الشمالي في عام 2022 إن الأمر سيستغرق من الغرب ما لا يقل عن 10 سنوات لمواكبة النفوذ الروسي في المنطقة. كما عملت الصين على توسيع نفوذها هناك، في ما يُعتقد أنه خطوة تهدف إلى تحدي القوة الأميركية.
وقد يكون تحرك الصين لتعزيز وجودها في المنطقة القطبية جزءاً من هدف البلاد في أن تصبح “قوة قطبية عظمى”، وهو ما ذكره الرئيس شي جين بينج خلال خطاب ألقاه في نوفمبر 2014.
ويقول أستاذ الجغرافيا السياسية كلاوس دودز، والعميد التنفيذي لكلية العلوم الحياتية والبيئة في رويال هولواي في لندن: “أصبح القطب الشمالي قضية ساخنة في الجغرافيا السياسية لأنه يوضح كيف ترتبط التجارة والتمويل والاستقلال الذاتي وتغير المناخ والتحالفات العسكرية والتخريب تحت الماء والتنافس بين القوى العظمى والصراع خارج الإقليم في أوكرانيا ببعضها البعض”. ويضيف ترامب المزيد من الإثارة إلى كل هذا من خلال انتقاد كندا والدنمارك بسبب إنفاقهما الدفاعي وطمعهما في غرينلاند.
من المرجح أن تواجه الدول الجديدة في حلف شمال الأطلسي، وفنلندا والسويد، المزيد من التهديدات والمخاطر من جانب روسيا. ولابد أن يكون الخوف من نشوء قوس جديد من الأزمة يمتد من سفالبارد إلى سيفاستوبول. “من عجيب المفارقات أن القطب الشمالي لا يشهد أي نزاعات إقليمية عالقة. ولكن ما تقدمه هذه المنطقة هو لمحة عامة عن الكيفية التي تستعرض بها ثلاث قوى عظمى ــ الصين وروسيا والولايات المتحدة ــ عضلاتها العسكرية والاقتصادية في سعيها إلى تحقيق ميزة استراتيجية وموارد”.
فالمنطقة القطبية الشمالية الباردة تتحول إلى منطقة قطبية شمالية ساخنة، وستظل بمثابة نقطة محورية في الجغرافيا السياسية مع استمرار ذوبان الجليد. إذ يبدو مرجحاً أن تزداد عمليات إنشاء واستخدام القواعد العسكرية فيها.