خاص – ترجمة – إن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تطرح أسئلة على حلف شمال الأطلسي. فقد برزت الانقسامات في الغرب حول كيفية التعامل مع الحرب بين روسيا وأوكرانيا بشكل بارز منذ إعادة انتخاب ترامب. ولكن تقاسم الأعباء عبر الأطلسي قد يكون أكبر مصدر قلق للحلف.
خلال فترة ولايته الأولى، لم يتردد ترامب في انتقاد التحالف عبر الأطلسي. ويمكن تلخيص ذلك في رسالة رئيسية واحدة: زعم ترامب أن حلف شمال الأطلسي عبارة عن نادٍ من الحلفاء الذين يستغلون الولايات المتحدة. وكان الرؤساء الأميركيون السابقون قد وجهوا اتهامات مماثلة. لكن ترامب كان غير عادي في توضيح العواقب. فقد أصر على أن التزام أميركا بمهمة الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي لا يمكن اعتباره أمراً مسلّماً به إذا فشل الحلفاء في زيادة ميزانياتهم الدفاعية.
ولقد استجاب الحلفاء بزيادات كبيرة في الإنفاق الدفاعي حيث استمرت ميزانيات الدفاع للحلفاء في النمو خلال فترة ولاية جو بايدن. ومع ذلك، خلال حملة الانتخابات الرئاسية، كرر ترامب تشككه في الناتو. وأكد أنه سيشجع الروس على فعل “كل ما يريدون” لأي أعضاء في الناتو لا يدفعون فواتيرهم.
بعد إعادة انتخابه في نوفمبر 2024، أوضح ترامب أنه يريد زيادة هذه الفواتير، وأصرّ في مؤتمر صحفي في 7 يناير 2025 على أن 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يكون هدف الإنفاق الدفاعي الجديد لحلف الناتو. وفي العام 2014، كان الناتو قد حدد نسبة 2٪ مع تاريخ محدد في العام 2024 لتحقيقها.
وقد حفزت مطالب ترامب سياسات حلف شمال الأطلسي، ويقال إن وزراء خارجية الحلفاء ناقشوا بالفعل هدف إنفاق مؤقت جديد بنسبة 2.5٪، مع 3٪ كمعيار يجب الوصول إليه بحلول العام 2030. ما يصب في مصلحة المنفقين الدفاعيين الكبار مثل بولندا ودول البلطيق، لكنه بعيد المنال بالنسبة لدول مثل إيطاليا وإسبانيا التي تكافح بالفعل لمواكبة الزيادات. وحتى الدول الأوروبية الكبرى – ألمانيا وفرنسا – ستكافح في ظل ضغوط ميزانياتها.
كما تشكل أجندة ترامب في حلف شمال الأطلسي صعوبة خاصة بالنسبة للمملكة المتحدة. فقد تحدث كير ستارمر عن سياسة دفاعية “حلف شمال الأطلسي أولاً” و”التزام صارم” بزيادة ميزانية الدفاع في المملكة. ومع ذلك، من حيث النقد، كان موقف المملكة المتحدة أقل من المتوقع على نحو متزايد.
في العام 2014، احتلت المملكة المتحدة المرتبة الثالثة بين حلفاء حلف شمال الأطلسي من حيث حصة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للدفاع. لكن تقديرات حلف شمال الأطلسي لعام 2024 تضعها في المرتبة التاسعة. وخلال تلك الفترة التي استمرت عشر سنوات، زاد الإنفاق الدفاعي في المملكة المتحدة بنسبة 20٪ بالقيمة الحقيقية، وهو ما يقل كثيراً عن متوسط حلف شمال الأطلسي وأوروبا البالغ 54٪.
وفي أبريل 2024، تعهدت الحكومة المحافظة السابقة بزيادة حصة الناتج المحلي الإجمالي المخصصة للدفاع (بما في ذلك الإنفاق على أوكرانيا)، وتخطط للوصول إلى 2.5٪ بحلول عام 2030/31. واحتفظت حكومة حزب العمال بالهدف، لكنها لم تحدد جدولاً زمنياً لتحقيقه. وفي حين ستحدد مراجعة الدفاع الاستراتيجية المقرر تقديمها بحلول منتصف العام 2025 التحديات الأمنية التي تواجه المملكة المتحدة، إلا أنه وفقاً لوزيرة الخزانة، راشيل ريفز، لا يوجد ما يضمن أن هذا سيؤدي إلى زيادة الإنفاق.
على أية حال، فإن مطالب ترامب تجعل بالفعل نسبة 2.5% تبدو غير كافية. وبصرف النظر عن مطالبه، فإن نسبة 2.5% غير كافية لتمويل التحديث المخطط له للجيش البريطاني بالكامل (بما في ذلك تكاليف الحفاظ على الردع النووي البريطاني) فضلاً عن الالتزام البريطاني بخطط الدفاع لحلف شمال الأطلسي.
لقد اعتبر العديد من المراقبين أن السياسة الخارجية المفترضة لترامب مجرد تهديدات. وقد ينطبق هذا الوصف على تهديده بضم جرينلاند، على سبيل المثال، ولكن في ما يتعلق بالإنفاق الدفاعي للحلفاء، فقد صاغ ترامب حجة متسقة ومنطقية. وقد تجعل الفجوة بين مطالب ترامب وقدرات الحلفاء من قمة حلف شمال الأطلسي المقبلة في لاهاي في يونيو 2025 حدثاً هاماً.
ويبدو أن نسبة 5% هي الخطوة الأولى التي اتخذها ترامب، وقد يكتفي بأقل منها. ولكن من المرجح أن يرغب الرئيس الأميركي في رقم محدد وجدول زمني معيّن. ففي قمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في يوليو 2018، اقترب ترامب من إعلان خروج أميركا من الحلف، وقد يفعل الشيء نفسه في العام 2025 إذا شعر أن هناك إحجاماً عن تقاسم العبء المالي.
وعلى المدى القريب، لا يملك الحلفاء سوى خيارات محدودة، ذلك أن الزيادات الفورية واسعة النطاق في ميزانيات الدفاع أمر مستحيل سياسياً واقتصادياً بالنسبة لغالبية الدول الأعضاء. ومن غير المرجح أن تكتسب البدائل، مثل تخفيف القواعد المالية للاتحاد الأوروبي لتعزيز ميزانيات الدفاع من خلال زيادة الاقتراض أو توليد تمويل دفاعي أكبر على مستوى الاتحاد الأوروبي، أي زخم. وتقف الانقسامات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ومقاومة البنك المركزي الأوروبي في طريق هذه البدائل.
في الأمد الأبعد، يعني نقص القدرات والاعتماد على الزعامة الاستراتيجية الأميركية أن الأوروبيين ليس لديهم بديل عملي على مستوى حلف شمال الأطلسي يمكنهم الاعتماد عليه إذا أمر ترامب بانسحاب الولايات المتحدة أو تقليص التزامها. والاتحاد الأوروبي، على الرغم من لغة “الاستقلال الاستراتيجي”، فهو ليس ذلك الكيان بعد ــ وفي كل الأحوال، فهو يستبعد العديد من حلفاء حلف شمال الأطلسي الكبار، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا والنرويج وتركيا.
ربما يتعين على الحلفاء أن يعتمدوا على النهج الذي استخدموه خلال فترة ولاية ترامب الأولى وهو “المرونة”. وكان ذلك أحد الأسباب التي دفعت الحلفاء إلى اختيار رئيس الوزراء الهولندي السابق مارك روته كرئيس جديد لحلف شمال الأطلسي باعتباره “هامس ترامب”. وأشار روته إلى أن ترامب “واضح للغاية بشأن ما يريده”. لكن ما ليس واضحاً بعد هو تلك الصيغة الغامضة التي تم الاتفاق عليها في قمة واشنطن في يوليو 2024 لزيادة الإنفاق الدفاعي بما يتجاوز 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
