خاص – ترجمة – بلغت التهديدات النووية الروسية، التي هددت الناتو منذ بداية حرب أوكرانيا في عام 2022 ذروتها مؤخرًا في أعقاب التصاريح التي أعطيت لأوكرانيا باستخدام صواريخ غربية بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية. ففي التاسع عشر من نوفمبر 2024، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على قانون يوسع المعايير لاستخدام الأسلحة النووية، ويحتفظ بحق النظر في الرد النووي على هجوم بالأسلحة التقليدية واعتبار أي هجوم من جانب دولة غير نووية مدعومة بقوة نووية هجومًا مشتركًا. وأكد الجيش الروسي على هذه التهديدات باستعراض لقدراته على تقديم ردّ نووي هائل بإطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى من طراز “أوريشنيك” على أوكرانيا.
ولقد لاقت هذه التحركات ترحيبًا من جانب الساسة مثل سيرجي كاراجانوف، الذي طالما دافع عن توجيه ضربة استباقية إلى الغرب. ورغم أن هذه التحركات تشكل تهديدًا كبيرًا فإنها في نهاية المطاف تفتقر إلى الجوهر. حيث أن التهديدات النووية الأخيرة التي أطلقها بوتن لا تمثل تغييرًا جوهريًا في الموقف النووي الروسي.
إن تجاهل التهديدات النووية الروسية بالكامل سيكون خطأ. فهناك شروط قد يأذن بموجبها بوتن بتوجيه ضربة نووية. والظروف الفعلية التي قد يقرر بوتن بموجبها توجيه ضربة نووية تظل على الأرجح ضيقة على الرغم من السياسة الجديدة النووية. ولا يمكن تمييز هذه الشروط الدقيقة من خلال تحليل التصريحات الرسمية وحدها. فمثل هذه التصريحات من السهل الإدلاء بها، ومن السهل أيضًا التراجع عنها. ومن الأفضل أن يوجه التحليل نحو تحديد السبل التي قد يتبعها بوتن في تبني ما وصفه “توماس شيلينج” الحائز على جائزة نوبل بـ”استراتيجيات الالتزام”، والتي قد تلزمه بقرار استخدام الأسلحة النووية.
وعلى الرغم من تهديداته، لم يُظهِر بوتن استعداده لتقييد عملية اتخاذ القرار حقًا، ويستمر في إظهار قدر كبير من التصعيد في حرب أوكرانيا بوسائل أخرى، مثل إشراك القوات الكورية الشمالية. وقد تتغير هذه المرونة، وينبغي الانتباه إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة قد يرفع فيها بوتن المخاطر من خلال إغلاق الخيارات غير النووية عمدًا.
السيناريو الأول هو قرار بوتن بتقييد نفسه بالاستجابة النووية التلقائية لأفعال محددة من جانب أوكرانيا أو الغرب. لقد خفضت العقيدة النووية الروسية الجديدة عتبة النظر في استخدام الأسلحة النووية ولكنها لا تزال لا توفر معايير محددة لاستخدامها. لم يلتزم بوتن مطلقًا بالرد النووي كخيار أول. لقد وفر لنفسه دائمًا المرونة من خلال صياغة التهديدات بلغة غامضة، مثل التحذير من “عواقب مثل تلك التي لم ترها قط في تاريخك بالكامل”. إن تبني تهديدات مباشرة من قبيل “افعل هذا، وسنرد بالأسلحة النووية”، من شأنه أن يمنح بوتن مجالًا أقل للتراجع.
أما السيناريو الثاني فهو الأكثر خطورة حيث قد يتعهد بوتن سحب قرار استخدام الأسلحة النووية التكتيكية من يديه بالكامل ويفوض السلطة إلى قادة ساحة المعركة. وسوف تتطلب هذه الخطوة إخراج الرؤوس الحربية النووية من المخازن وتركيبها على قنابل أو صواريخ لاستخدامها كسلاح في ساحة المعركة، وهي عملية أكثر تعقيداً وخطورة مما قد تبدو عليه للوهلة الأولى.
إن تجهيز الأسلحة النووية من شأنه أن يحفز حلف شمال الأطلسي على توجيه ضربة استباقية للقضاء عليها، وهي خطوة معقولة بالنظر إلى التلميحات الروسية المتكررة إلى هجوم نووي محتمل على العواصم الأوروبية، وصعوبة اعتراض الصواريخ بمجرد إطلاقها.
لردع أي هجوم استباقي محتمل، من المرجح أن يرفع الجيش الروسي من جاهزية قواته النووية الاستراتيجية الأكثر قوة. وسوف ينعكس هذا التصعيد على حلف شمال الأطلسي، الذي سوف يضطر إلى الاستعداد للرد أولاً في حالة حدوث هجوم نووي. والواقع أن الاحتمال الكبير لخروج كل ذلك عن السيطرة يجعل أي قرار بإلغاء مركزية السيطرة على الأسلحة النووية خطوة نحو استخدامها الفعلي، وليس خدعة.
قد يعطي السيناريو الثالث بوتن الضوء الأخضر لإجراء تجارب نووية جديدة كوسيلة للتراجع عن القواعد التي تحكم الأسلحة النووية. والحقيقة أن بوتن لم يتخذ حتى الآن هذه الخطوة. وعلى رأس هذه الاعتبارات الاستراتيجية الأكبر تأتي الحاجة إلى الاحتفاظ بتأييد الشركاء الدوليين الرئيسيين مثل الهند والصين. فقد أعربت كل من الدولتين بقوة عن معارضتها لاستخدام روسيا للأسلحة النووية. ومن المؤكد أن معارضة بوتن لمصالح شركائه الأكثر قيمة لاستئناف التجارب النووية من شأنها أن تشير إلى تصميم بوتن على الفوز بالحرب بأي ثمن، وتمثل خطوة نحو جعل الأسلحة النووية واحدة من الوسائل لتحقيق ذلك.
إن التحركات التي تقوم بها روسيا تشكل تذكيراً مزعجاً بأن خطر اندلاع حرب نووية نتيجة لحرب أوكرانيا حقيقي. ولكن بوتن تجنب حتى الآن الالتزام بخيارات سياسية من شأنها أن تجعل استخدام الأسلحة النووية احتمالاً حقيقياً.