وكالات ـ يتفق معظم الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين في لبنان على أن حزب الله دفع ثمنا باهظا لمشاركته في سوريا منذ 2012 التي سهلت عملية اختراقه من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. هذه التخمينات أكدتها صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية التي كشفت سبل نجاح الموساد الإسرائيلي في جمع كم هائل من المعلومات عن مقاتلي وقيادات الحزب خلال هذه الحرب أدت في الأخير إلى تصفية أهم قياداته أولهم زعيمه حسن نصر الله.
تطرق تحقيق نشرته صحيفة فاينانشال تايمز في 29 سبتمبر 2024بالتفاصيل إلى تسبب مشاركة حزب الله الواسعة في سوريا في تسهيل عملية اختراقه من قبل مختلف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ومنذ تفجير أجهزة “البيجر” و”التولكي ولكي” التي يستخدمها مقاتلو الحزب في 17 و18 سبتمبر 2024، تمكن الجيش الإسرائيلي في غضون أسبوعين فقط من اغتيال كامل الصف الأول لقيادات الحزب السياسية والعسكرية وعلى رأسهم زعيمه حسن نصر الله.
هذه الاغتيالات والغارات الجوية -التي تقول تل أبيب إنها نجحت من خلالها في تدمير نصف الترسانة العسكرية لحزب الله- أسالت الكثير من الحبر بشأن الطريقة التي تمكن بها جهاز الموساد من اختراق الجماعة المدعومة من إيران. وفق الصحيفة البريطانية، وفّر توسع أنشطة حزب الله إلى سوريا “فرصة ذهبية ومنجم معلومات” لجهاز الموساد الإسرائيلي للحصول على “جدول استخباراتي” يفصل طريقة تنظيم وعمل الحزب من الداخل.
وتولت الوحدة 8200 في المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد حرب 2006 تجميع كمية ضخمة من المعلومات عن طريقة عمل الحزب وانتشار مقاتليه وقياداته. ومن بين البيانات التي نجحت في الحصول عليها على سبيل المثال هي “قائمة شهداء الحزب في سوريا”.
متابعة حزب الله بعيدا عن قواعده
ونقلت الصحيفة عن الكولونيل مير إيزين، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية، قوله إن “المخابرات الإسرائيلية وسعت عملية مراقبة كافة أنشطة حزب الله وراقبت طموحاته السياسية وعلاقته بالحرس الثوري الإيراني والعلاقة التي تربط نصر الله بالأسد”. ويضيف الكولونيل الإسرائيلي: “المخابرات الإسرائيلية كانت تنظر إلى حزب الله على أنه “جيش إرهابي أكثر منه منظمة إرهابية، وهذه النظرة جعلت إسرائيل توسع مراقبتها للحزب” حسب قوله.
وكشف مسؤولون إسرائيليون أن الدولة العبرية غيرت كليا طريقة جمع المعلومات عن حزب الله بعد الفشل الذريع في حرب تموز 2006. والشبّاك الذي دخلت منه إسرائيل إلى “البيت الداخلي” لحزب الله فُتح في سنة 2012 عندما هبّ مقاتلون وقيادات عسكرية في حزب الله لسوريا حيث اضطرت قيادات عسكرية رفيعة فيه إلى الخروج من الظل.
وتقول رندا سليم مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن إن حرب سوريا كانت بمثابة بداية “توسع” لحزب الله وتضيف “هذا التوسع أضعف آليات المراقبة داخل الحزب وفتح الباب على مصراعيه لاختراقه”. من جهته، يقول يزيد صايغ من معهد كارنيغي للشرق الأوسط “تحول الحزب من جماعة شديدة الحذر تضم أكثر العناصر ولاء وطهورية إلى مجموعة كبيرة تضم أفرادا أكثر مما ينبغي”.وتوجه الآلاف من مقاتلي الحزب والعشرات من قياداته العسكرية لسوريا طيلة سنوات. وقُتل أكثر من 1000 مقاتل في الحزب في هذه الحرب بين 2012 و2017، وفق مقال استقصائي لمجلة نيوزويك الأمريكية.
أوراق مكشوفة وثمن باهظ
بالإضافة إلى تكبده خسائر بشرية ثقيلة، تمكنت إسرائيل من مراقبة حزب الله بعيدا عن قواعده في لبنان ونجحت مخابراتها في معرفة مهام ومسؤوليات معظم قيادات الحزب. وتؤكد الصحيفة أن الحزب تبادل المعلومات مع المخابرات السورية والروسية التي كانت الولايات المتحدة تتابعها عن قرب وتعرف تحركاتها. ويقول مسؤول لبناني للصحيفة “اختراق المخابرات الإسرائيلية والأمريكية لصفوفه كان الثمن الذي دفعه حزب الله لمشاركته في سوريا، لقد اضطر الحزب إلى كشف أوراقه هناك”.
لتنفيذ مهمة الاختراق، أكدت الصحيفة أن الترسانة التكنولوجية المتطورة التي تملكها إسرائيل ساهمت في الحصول على قاعدة بيانات ضخمة لا تقدر بثمن. وذكرت الصحيفة أن إسرائيل استخدمت أقمارا اصطناعية تجسسية وطائرات مسيرة متطورة وبرمجيات التجسس السيبراني لاختراق الهواتف النقالة.
قيادات تحت المراقبة اللصيقة
وتشير الصحيفة إلى الوحدة 9900 في المخابرات الإسرائيلية -التي تتمثل مهمتها في جمع المعلومات المخابراتية البصرية – استخدمت خوارزميات معقدة لتحديد أية عملية نقل لشحنة متفجرة على جانب طريق ما، أو حفر فتحة تهوية فوق نفق أو وضع الإسمنت المقوى فوق مخبأ تحت الأرض”.
وتشير مصادر إسرائيلية للصحيفة بأنه “بعد التعرف على مقاتل أو قيادي في حزب الله، يتم وضع كل المعلومات عن تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة. ويمكن الحصول على هذه المعلومات من أجهزة إلكترونية مثل هاتف زوجته وعداد الكيلومترات في سيارته المتطورة ومكان وجودها. ويمكن الحصول على هذه المعلومات بطرق مختلفة مثل طائرة مسيرة تحلق فوق رأسه، أو كاميرات المراقبة في مختلف المحلات التجارية وشوارع لبنان التي تم اختراقها، أو حتى عبر جهاز تحكم في تلفزيون ذكي”.
وشملت عملية المراقبة أيضا المنشورات الدعائية للحزب على وسائل التواصل الاجتماعي على تتبع المدن التي ينحدر منها كل عنصر وقائمة أصدقائه والأماكن التي قُتل فيها المنتمون للحزب ما مكن محللي الاستخبارات الإسرائيلية من جمع مؤشرات مفتاحية عن خريطة انتشار مقاتليه. وتشير الصحيفة إلى أن أي تغيير في تحركات أفراد الحزب كان بمثابة إنذار للمخابرات الإسرائيلية.
كل هذه البيانات قادت في النهاية إلى مراقبة لصيقة لتحركات حسن نصر الله. وكشفت الصحيفة أنه توفرت فرصة سانحة لإسرائيل لاغتيال نصر الله منذ بداية الحرب و”أقلعت المقاتلات الإسرائيلية لتنفيذ المهمة لكنها عادت إلى قواعدها بعد أن طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التريث”.
وفي 27 سبتمبر2024 ، تمكن الموساد من تحديد موقع نصر الله حيث كان من المقرر أن يعقد اجتماعا مع قيادي بارز في الحرس الثوري الإيراني (عباس نيلفروشان الذي قتل معه) في مخبأ تحت بناية في ضاحية بيروت الجنوبية وألقت مقاتلاتها أكثر من 80 قنبلة للتأكد من عدم وجود أي أمل لنجاته. وكان نتانياهو يعلم قبل خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن مقاتلاته في طريقها لاغتيال نصر الله.
ويخلص مسؤول عسكري سابق للصحيفة إلى أن “إسرائيل تملك كما هائلا من المعلومات الاستخباراتية تنتظر القرار لتوظيفها، كان بإمكاننا استخدام هذه المعلومات قبل وقت طويل من هذه الحرب، لكننا لم نفعل”.