خاص – ترجمة – عندما بدأت طائرات بدون طيار غامضة في الظهور فوق منصات النفط ومزارع الرياح قبالة سواحل النرويج قبل حوالى ثلاث سنوات، لم يكن المسؤولون متأكدين من مصدرها.
لكن ستال أولريكسن، الباحث في الأكاديمية البحرية الملكية النرويجية، أكد أنه “كنا نعلم ما كانوا يفعلونه. كان بعض ذلك تجسساً، حيث كانوا يرسمون الكثير من الأشياء. وأعتقد أن بعض ذلك كان يتعلق بالتمركز في حالة اندلاع حرب أو أزمة عميقة”.
وتابع أولريكسن أن الطائرات بدون طيار يُشتبه في أنها انطلقت من سفن تسيطر عليها روسيا في بحر الشمال، بما في ذلك بعض السفن التي كانت بالقرب من خطوط أنابيب الطاقة تحت الماء. وأضاف أن النرويج لا تستطيع أن تفعل الكثير لمنعها، نظراً لأنها كانت تحلق فوق المياه الدولية.
وقد أثارت تقارير عن أسراب طائرات بدون طيار فوق الساحل الشرقي للولايات المتحدة مخاوف واسعة النطاق من الحرب الهجينة. ولفت مسؤولون أميركيون إلى أن 100 طائرة فقط من أصل 5000 طائرة بدون طيار هناك تتطلب مزيداً من الفحص، وحتى الآن لا يُعتقد أن أياً منها كانت طائرات مراقبة أجنبية. لكن الأمر مختلف بالنسبة للطائرات بدون طيار التي تم رصدها في نوفمبر وديسمبر 2024 فوق قواعد عسكرية في إنجلترا وألمانيا حيث تتمركز القوات الأميركية.
من ناحيتهم، خلص محللون عسكريون إلى أن هذه الطائرات بدون طيار ربما كانت في مهمة مراقبة برعاية روسيا، وفقاً لمسؤول أميركي مطّلع على الحوادث، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة تحقيق مفتوح. ورفض مسؤولون دفاعيون بريطانيون وألمان مناقشة تفاصيل المشاهدات.
وقال الخبراء إن وجود الطائرات بدون طيار يشير إلى ما يُسمّى بالهجوم الهجين أو “المنطقة الرمادية” ضد الغرب، حيث يتم استخدام مجموعة من التكتيكات – العسكرية والسيبرانية والاقتصادية وحتى النفسية – لمهاجمة العدو أو زعزعة استقراره سراً.
فمع زيادة روسيا وإيران ودول معادية أخرى لهجماتها الهجينة على الدول الغربية ــ مثل اختراق أنظمة الكمبيوتر الحساسة ومخططات الاغتيال المزعومة ــ يواجه مسؤولو الدفاع تحدياً شائكاً. فكيف نردع مثل هذه الأفعال دون إشعال صراع أوسع نطاقاً وربما يكون خطيراً؟
ليست الهجمات الهجينة جديدة، لكنها تصاعدت في السنوات الأخيرة. وكان أحد أكثر الحوادث وضوحاً في شهر يوليو 2024، عندما انفجرت سلسلة من الطرود في أوروبا. وكانت الطرود التي تحمل ختم البريد من ليتوانيا تحتوي على آلات تدليك كهربائية تحتوي على مادة شديدة الاشتعال تعتمد على المغنيسيوم في داخلها. وانفجرت اثنتان منها في منشآت شحن تابعة لشركة “دي إتش إل” في بريطانيا وألمانيا، وانفجرت الثالثة في شركة شحن بولندية.
وأكد مسؤولون غربيون ومحققون بولنديون أنهم يعتقدون أن الطرود كانت بمثابة اختبار أجرته وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية لزرع متفجرات على متن طائرات شحن متجهة إلى الولايات المتحدة وكندا.
وعلّق كيستوتيس بودريس، وزير خارجية ليتوانيا على الانفجارات: “نقول لحلفائنا إنها ليست عشوائية؛ إنها جزء من العمليات العسكرية. نحن بحاجة إلى تحييدها ووقفها عند المصدر، والمصدر هو الاستخبارات العسكرية الروسية”.
وتشمل الأمثلة الأخرى للتكتيكات الهجينة الهجمات الإلكترونية على ألبانيا في السنوات الماضية، والتي خلص تحقيق أجرته شركة “مايكروسوفت” إلى أنها كانت برعاية إيران، ومحاولة روسيا الفاشلة للتأثير على الانتخابات الرئاسية باستخدام التضليل في مولدوفا في أكتوبر ونوفمبر2024، وفقاً لمسؤولين مولدوفيين وأوروبيين. كما تُحقق الدول الأوروبية فيما إذا كانت مجموعة من السفن قد قطعت عمداً كابلات تحت الماء في محاولة لشن هجوم.
وبينما أظهرت الصين وإيران وكوريا الشمالية هجمات هجينة متزايدة، قال مسؤولون إن روسيا على وجه الخصوص نشرتها كعمليات تخريب سرية ضد حلفاء الناتو منذ غزو الكرملين الكامل لأوكرانيا في عام 2022.
يقول جيمس أباتوراي، نائب الأمين العام المساعد لحلف شمال الأطلسي، الذي يشرف على استراتيجية الحرب الهجينة: “لقد صعّدت روسيا من مستوى التهديد على كافة الأصعدة، ونتيجة لذلك، وصلت إلى مستويات تثير قلقاً متزايداً. إنهم على استعداد لقبول المزيد من المخاطر علينا وعلى سلامة أرواح مواطنينا”.
وأكد مسؤولون أن بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة ودول البلطيق ودول الشمال الأوروبي القريبة من حدود روسيا هي من بين الدول الغربية الأكثر استهدافاً بالتهديدات الهجينة، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعمها البارز لأوكرانيا. وفي العام 2024، وفقاً لمسؤولين غربيين، كشفت وكالات الاستخبارات المركزية الأميركية وحلف شمال الأطلسي عن مؤامرة روسية لقتل الرئيس التنفيذي لشركة الأسلحة الألمانية العملاقة “راينميتال”، التي صنعت أسلحة وذخيرة بملايين الدولارات لأوكرانيا.
وكانت الطائرات بدون طيار التي تم رصدها في بريطانيا في نوفمبر 2024 ــ بعد تصريح الرئيس بايدن بأن أوكرانيا قد تطلق صواريخ أميركية الصنع على روسيا ــ أكبر حجماً وأكثر متانة في مواجهة الظروف الجوية الصعبة مما قد يتوقعه الهواة، وقد تم رصدها في الغالب. وأشار المسؤول الأميركي إلى أن هذا هو السبب جزئياً وراء استنتاج المحللين العسكريين أن دولة معادية كانت مسؤولة.
ثم في ديسمبر 2024، وفي الوقت الذي بدأت فيه مشاهدات الطائرات بدون طيار في بريطانيا تتضاءل، ظهرت طائرات بدون طيار فوق قاعدة “رامشتاين” الجوية في ألمانيا، وهي واحدة من أكبر القواعد العسكرية الأميركية في أوروبا. كما وردت تقارير عن رصد بعضها بالقرب من منشآت مملوكة لشركة “راينميتال”.
وأضاف المسؤول الأميركي أن المحققين يدرسون ما إذا كانت الرحلات الجوية في كلا البلدين “خارج إطار خطط الكرملين”. وقد نفت روسيا مراراً وتكراراً شن هجمات هجينة ضد حلف شمال الأطلسي، وفي كثير من الحالات سخرت من الاتهامات، على الرغم من أن مسؤولي حلف شمال الأطلسي يقولون إن موسكو أنشأت مديرية خاصة تركز على تنفيذ هذه الهجمات.
ويقول المسؤولون الروس أيضاً إنهم المستهدفون. ففي مقابلة مع تاكر كارلسون في ديسمبر 2024، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: “إن ما يجري في أوكرانيا هو ما يسميه البعض حرباً هجينة، وأنا أسميها حرباً هجينة أيضاً”.
كيفية خوض حرب الظل
بدأ حلف شمال الأطلسي في وضع استراتيجية جديدة لمواجهة الهجمات الهجينة لتحل محل سياسة عام 2015 التي يقول إن الزمن عفا عليها. وقال السيد أباتوراي إن النهج الجديد سيوفر صورة أساسية للهجمات الهجينة الأخيرة لمساعدة التحالف على قياس ما إذا كانت مستويات المخاطر تتصاعد.
وأضاف: “سيكون من المهم للحلفاء أن يحددوا مدى خطورة الحادث، وما قد يكون رد فعلهم”. كما يكثف الاتحاد الأوروبي جهوده، إذ فرض في ديسمبر 2024 للمرة الأولى عقوبات على أشخاص متهمين على وجه التحديد بالتورط في تهديدات هجينة موالية لروسيا. كما كلف مؤخراً أربعة من كبار المفوضين بمكافحة التهديدات الهجينة.
ويتفق المسؤولون والخبراء على أن هناك حاجة إلى مجموعة واسعة من التدابير لردع الهجمات الهجينة والحماية منها، بما في ذلك المزيد من “التشهير” بالخصوم وفرض العقوبات القانونية؛ وتحسين أنظمة الاستخبارات والتقنية لمراقبة التهديدات؛ والتدريبات العسكرية وغيرها من عروض القوة لإثبات أن حتى الاعتداءات السرية لن تمر دون عقاب.
لكن هذا يتطلب الوحدة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي، خاصة عندما تعبر الهجمات الحدود الدولية. ولأن الحرب الهجينة مصممة بطبيعتها للتهرب من تحديد المسؤولية بشكل واضح، فقد تردد المسؤولون في إطلاق ردود قوية دون وجود أدلة لا تقبل الجدل على هوية الخصم.
وقد شجّع هذا الأمر روسيا والصين على تجاوز الحدود، وفقاً لمسؤولين ودبلوماسيين وخبراء. ففي نوفمبر، أوضح تشارلي إدواردز، الخبير الاستراتيجي السابق في الاستخبارات والأمن البريطاني: “ما دامت دول الناتو والدول الأعضاء في أوروبا تختلف حول كيفية الرد بشكل أكثر حزماً على الحرب الهجينة التي يشنها الكرملين، فإن أوروبا ستظل عُرضة للخطر. والفشل في التصرف يعني احتفاظ الكرملين بالميزة الاستراتيجية”.