خاص – تشير مبادرات السلام التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران – بالتوقيع على توجيه بوضع البلاد تحت “أقصى قدر من الضغط” بسبب أنشطتها – إلى سياسة متجددة يقول بعض المحللين إنها تطورت عن ولايته الأولى مع تكيفه مع الظروف الجديدة لإيران. حيث أعلن ترامب عن خطته، قائلاً إنه يسعى إلى “اتفاق سلام نووي موثوق، والذي سيسمح لإيران بالنمو والازدهار سلمياً” في مقابل ضمان أن طهران “لا تستطيع امتلاك سلاح نووي”. وكان ترامب صرح في مؤتمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “أود أن أتمكن من إبرام صفقة عظيمة مع إيران، صفقة تمكنكم من مواصلة حياتكم، وستنجحون بشكل رائع”.
في عام 2020، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، وجه جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الكبير آنذاك، نداءً مماثلاً، وإن كان أكثر هدوءاً، إلى الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني، وقال: “بالنسبة للرئيس روحاني، أود أن أقول إن الوقت قد حان للمنطقة للمضي قدماً. دعونا نتوقف عن الوقوع في صراعات الماضي. لقد حان الوقت لكي يجتمع الناس معاً ويصنعوا السلام”. في ذلك الوقت، قال ترامب إن الهدف الرئيسي لحملته الأصلية “للضغط الأقصى” كان التفاوض على اتفاق ثنائي جديد لإنهاء سلوكيات إيران والتي قال إنها لم تعالَج بشكل كافٍ بموجب الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران عام 2015 مع القوى العالمية. وكان ترامب قد انسحب من تلك الصفقة في عام 2018 وبدأ سياسة الضغط.
أحيا ترامب سياسة “الضغط الأقصى” بتوقيع مذكرة رئاسية يوم الثلاثاء، وجه فيها سلسلة من التدابير الاقتصادية والقانونية لمواجهة الأنشطة الإيرانية التي تهدد المصالح الوطنية الأمريكية. وسلطت الوثيقة الضوء على تطوير إيران لقدراتها المتعلقة بالأسلحة النووية والصواريخ الباليستية وعدوانها الإقليمي من خلال دعم القوى بالوكالة.
يقول برايان كاتوليس، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “إن السياسة الجديدة تجاه إيران تختلف نوعياً عن السياسة التي انتهجها ترامب في ولايته الأولى. وأضاف أن “طموحاتها أكبر وتمتلك أدوات ضغط أكثر”. وردّ المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي على سياسة ترامب الجديدة، قائلاً إن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 يظهر أن التفاوض مع الولايات المتحدة “ليس عقلانياً ولا ذكياً ولا مشرفاً، ويجب علينا ألا ندخل في مفاوضات معها”. وذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن خامنئي أدلى بهذا التعليق أثناء حديثه أمام حشد من أفراد القوات الجوية. كما نقلت عنه التحذير التالي للولايات المتحدة: “إذا هددونا، فسوف نهددهم. وإذا نفذوا تهديدهم، فسوف ننفذ تهديدنا. وإذا عطلوا أمن أمتنا، فسوف نعطل أمنهم بالتأكيد أيضاً”.
وتنفي إيران منذ فترة طويلة سعيها إلى امتلاك أسلحة نووية. بينما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران علقت برنامجاً نشطاً للأسلحة النووية في عام 2003، لكن إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، أعلنت في عام 2018 أن عملاءها في طهران سرقوا وثائق تشير إلى أن الحكومة الإيرانية واصلت ذلك البرنامج سراً. وتشمل مذكرة “الضغط الأقصى” الجديدة التي أصدرها ترامب تدبيرين محددين كانا من السمات البارزة لحملته في ولايته الأولى – السعي إلى دفع صادرات إيران من النفط، وهو المصدر الأعلى لإيراداتها، إلى الصفر؛ والدعوة إلى إعادة فرض العقوبات الدولية التي رفعها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.
وفي أول إعلان عن عقوبات جديدة في ولاية ترامب الثانية، استهدفت وزارة الخزانة الأمريكية صادرات النفط الإيرانية من خلال فرض عقوبات على شبكة دولية قالت إنها تسهل شحن “ملايين البراميل من النفط الخام الإيراني بقيمة مئات الملايين من الدولارات” إلى الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني. ولم يتحقق هدف ترامب المتمثل في خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر واستعادة العقوبات الدولية على إيران بشكل كامل خلال ولايته الأولى. وقد ذكر تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في أكتوبر 2024 أن صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات وصلت إلى أدنى مستوى لها عند 400 ألف برميل يومياً في عام 2020، “بسبب إعادة فرض العقوبات الأمريكية في نوفمبر 2018 وانخفاض الطلب بسبب جائحة كوفيد-19”.
كما أعلنت إدارة ترامب الأولى من جانب واحد إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران في سبتمبر 2020، لكن معظم الدول الأعضاء الأخرى في مجلس الأمن رفضت الخطوة. وزعمت أن الولايات المتحدة فقدت حقها في إعادة فرض العقوبات الدولية بالانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015 الذي رفع تلك العقوبات. فأحد بنود مذكرة ترامب الجديدة بشأن إيران، والتي تحدد هدفاً لم يتم ذكره صراحةً في ولايته الأولى، هو ضمان عدم قدرة طهران على استخدام العراق أو دول الخليج للتهرب من العقوبات. وكانت إدارة ترامب الأولى قد حاولت وقف مثل هذا التهرب من جانب إيران، وفقاً لإليوت أبرامز، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية والذي عمل مبعوثاً أمريكياً خاصاً لإيران في نهاية ولاية ترامب الأولى.
يشير أبرامز، إلى إن إدارة ترامب الثانية تبدو وكأنها تولي هذا الهدف المزيد من الاهتمام العام. ومن بين السمات الجديدة الأخرى لحملة الضغط التي أطلقها ترامب أمره “بتعديل أو إلغاء الإعفاءات من العقوبات… التي توفر لإيران أي درجة من الإغاثة الاقتصادية أو المالية… في ما يتصل بمشروع ميناء تشابهار الإيراني”. وتعمل الهند على تطوير محطة في الميناء الإيراني بموجب اتفاق تم التوصل إليه عام 2016، وحصلت على إعفاء من إدارة ترامب الأولى في عام 2018 لمواصلة المشروع لتسهيل المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان. ومددت إدارة بايدن الإعفاء، ولكن عندما وقعت الهند اتفاقاً العام 2024 لتشغيل الميناء الإيراني لمدة عقد من الزمان، قالت وزارة الخارجية في عهد بايدن إن “أي شخص يفكر في عقد صفقات تجارية مع إيران، يحتاج إلى أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة المتمثلة في وضع نفسه أمام العقوبات”.
وأوضح جيسون برودسكي، مدير السياسات في منظمة المناصرة الأمريكية “متحدون ضد إيران النووية”، أنه يتوقع أن يسعى ترامب إلى حملة “ضغط قصوى” تتناسب مع “الحقائق الجيوسياسية المتغيرة لعام 2025، وليس لعام 2018”. ومن بين هذه الحقائق الجديدة انتعاش كبير في صادرات النفط الإيرانية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى ما وصفه برودسكي بضعف إدارة بايدن في تطبيق العقوبات. إذ أشار تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لشهر أكتوبر 2024، نقلاً عن بيانات من شركة تحليلات الطاقة الدولية فورتيكسا، إلى إن صادرات النفط الإيرانية ارتفعت إلى متوسط 1.5 مليون برميل يومياً في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2024.
ورفضت إدارة بايدن الاتهامات بالتراخي في تطبيق العقوبات التي وجهها إليها منتقدو سياستها تجاه إيران أثناء وجودها في السلطة، مسلطة الضوء على فرض عقوبات على مئات الكيانات بسبب أنشطة مرتبطة بإيران. لكن وزيرة الخزانة في عهد بايدن، جانيت يلين، قالت في أبريل 2024 إن إيران “تواصل تصدير بعض النفط”. وأضافت: “قد يكون هناك المزيد الذي يمكننا القيام به”.
ومن بين العوامل الجديدة الأخرى التي استشهد بها برودسكي كأسباب تدفع ترامب إلى تعزيز استراتيجية الضغط القصوى، التقدم الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم خلال إدارة بايدن والخسائر الإقليمية الأخيرة التي تكبدتها طهران. ففي العام 2024، قتلت إسرائيل زعماء وكلاء إيران (“حزب الله” و”حماس”) في لبنان وغزة، بينما أطاحت الجماعات المسلحة في سوريا ببشار الأسد، الرئيس المدعوم من إيران منذ فترة طويلة، من السلطة.
لكن برودسكي قال إن مذكرة الضغوط القصوى الجديدة تثير أيضاً تساؤلات حول ما يريده ترامب من اتفاق جديد محتمل مع إيران. ولفت إلى أن الوثيقة تدعو إلى إنهاء “عملية الابتزاز النووي للنظام الإيراني”. كما تساءل عما إذا كان هذا يعني أن ترامب سيطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم، كما فعل في ولايته الأولى. وأضاف برودسكي: “ليس لدينا إجابات في الوقت الراهن”.