dw ـ تزداد الدلائل على وجود جنود من كوريا الشمالية يقاتلون إلى جانب روسيا في أوكرانيا. في حين تتحدَّث كييف عن دخول طرف جديد في الحرب. فكيف يؤثر ذلك على ديناميكية الحرب؟ وكيف سيرد الغرب؟
إنَّ التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية ليس أمرًا جديدًا: ففي شهر حزيران/يونيو، سافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ للاتفاق مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على شراكة أمنية. وقبل ذلك كانت توجد تخمينات حول إرسال شحنات أسلحة كورية شمالية كبيرة، وخاصة قذائف مدفعية، إلى روسيا. وفي عام 2023، ذكر جهاز المخابرات الأوكرانية (HUR) أنَّ هناك وحدة عسكرية محدودة قد وصلت من كوريا الشمالية إلى الأراضي التي تقع تحت سيطرة روسيا في أوكرانيا.
حديث عن وجود ثلاثة آلاف جندي كوري شمالي في روسيا
ولكن آخر ما كشفت عنها مخابرات كوريا الجنوبية (NIS) يوم الجمعة الماضي (18 تشرين الأول/أكتوبر 2024) أنَّ بيونغ يانغ تعتزم دعم روسيا بنحو 12 ألف جندي. وقد تم نقل 1500 جندي منهم إلى مدينة فلاديفوستوك الساحلية الروسية، كما أفادت المخابرات الكورية الجنوبية، والتي عادة وتحدَّثت قبل أيام عن أن نحو 3000 جندي وصلوا بالفعل إلى روسيا. وتقول المخابرات الكورية الجنوبية أن الجنود الكوريين الشماليين يرتدون زي عسكري روسي من أجل إخفاء هوياتهم. وقد تمكن فريق تدقيق الحقائق في DW من إثبات أنَّ اللقطات المقدمة من المخابرات الكورية الجنوبية تظهر مواقع في المنطقة العسكرية الشرقية بروسيا. وحتى الآن لم تعلق روسيا وكوريا الشمالية على هذه المعلومات.
وحاليًا لا يوجد سوى القليل من المعلومات الدقيقة والكثير من التكهنات غير الدقيقة، كما قال في لقاء مع DW، نيكو لانغه، وهو زميل بارز في مؤتمر ميونيخ للأمن (MSC): “لكن لا يوجد شك في أنَّ الكوريين الشماليين موجودون في روسيا للتدريب. ولا يوجد شك أيضًا في أنَّ طواقم البناء التابعة للقوات المسلحة الكورية الشمالية تعمل منذ بعض الوقت في المناطق المحتلة داخل أوكرانيا، وتحديدًا بعد وقت قصير من زيارة فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ”.
ولكن في الوقت نفسه، يضيف نيكو لانغه مستطردًا: “لا يجوز لنا أن نستنتج تلقائيًا من هذه المعلومات المتداولة الآن أنَّ هناك 12 ألف جندي كوري شمالي يقاتلون إلى جانب الروس داخل الخنادق في أوكرانيا. وحتى الآن لا يمكننا رؤية ذلك”.
أوكرانيا تطلب مساعدة غربية لمواجهة تحالف بوتين الجديد
ومع ذلك فإنَّ هذا يشكِّل من وجهة النظر الأوكرانية تطورًا مثيرًا للقلق. وبينما قدِّم الرئيس الروسي بوتين نفسه في هذا الأسبوع كمُضيف يحظى بالاحترام لقمة البريكس، تشعر كييف بالقلق من عدم حصولها على مزيد من الدعم؛ إذ إنَّ خطة الرئيس فولوديمير زيلينسكي المعروفة باسم “خطة النصر” لم تُحدث أي زخم. ويجب على أوكرانيا أن تخشى من فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في بداية تشرين الثاني/نوفمبر، لأنَّه يريد قطع المساعدات العسكرية عن أوكرانية، وحتى أنَّه حمَّل زيلينسكي مؤخرًا في بودكاست جزءًا من المسؤولية عن الغزو الروسي.
ومن جانبه أوضح زيلينسكي في نهاية الأسبوع أنَّ شركاء بلده، الذي غزته روسيا، يجب عليهم التعامل مع “الأدلة الواضحة”. وقال مشددًا: “يجب علينا ألَّا نسمح باتساع الشر. وإذا صمت العالم الآن، وإذا رأينا قريبًا وبشكل منتظم جنودًا كوريين شماليين على الجبهة، كما نتصدى لمسيَّرات شاهد (مسيَّرات انتحارية إيرانية الصنع)، فإنَّ ذلك لن يفيد أي أحد في هذا العالم وسيعمل فقط على إطالة مدة الحرب”.
رد غربي حذر
والسؤال الكبير الآن هو: كيف سترد الولايات المتحدة الأمريكية؛ فواشنطن في آخر المطاف ليست أكبر داعمي أوكرانيا فقط، بل هي كذلك القوة الحامية لكوريا الجنوبية. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أوَّل عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحدَّثت عن “أدلة” تثبت وجود قوات كورية شمالية في روسيا. ولكن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال بحذر في روما: “يجب الانتظار لمعرفة ماذا يفعلون هناك بالضبط؟. وإذا كانت لديهم نية المشاركة في هذه الحرب باسم روسيا، فهذه مشكلة خطيرة جدًا”.
ولكن من المحتمل أن تتفاقم هذه المشكلة في فترة ولاية الإدارة الأمريكية القادمة برئاسة إما دونالد ترامب أو كامالا هاريس. وأوروبا أيضًا تنتظر نتيجة الانتخابات الأمريكية في الخامس من تشرين الأول/ نوفمبر، كما يعتقد الخبير في مؤتمر ميونيخ للأمن، نيكو لانغه، ويقول: “لا يمكنني رؤية تعاون الدول الكبرى في أوروبا لتطوير استراتيجية مشتركة”. ويضيف: “ما نحتاجه هو معرفة ماذا نريد تحقيقه في أوكرانيا، وماذا نفعل ضد روسيا نفسها وضد داعمي روسيا؟ وكيف نعمل نحقق ذلك معًا؟”.
هذا وقد قالت متحدثة باسم الناتو في بروكسل إذا كانت هذه القوات مخصصة للقتال في أوكرانيا، فإنَّ هذا يعني “تصعيدًا كبيرًا في دعم كوريا الشمالية للحرب الروسية غير المشروعة ودليلًا أخر على خسائر روسيا في جبهة القتال”. وأضافت أنَّ حلف الناتو يناقش الخطوات التالية.
وبما أنَّ أوروبا لم ترد بعد على نشر كوريا الشمالية المزعوم قوات في أوكرانيا فهذا “تقصير خطير”، كما يقول خبير السياسة الخارجية بأكبر حزب ألماني معارض في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ)، روديريش كيزِفيتَر. ويضيف السياسي من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنَّه من الضروري الرد بشكل مناسب وحاسم على هذه القوة وردعها.
قال النائب في البوندستاغ روديريش كيزِفيتَر إنَّ “العديد من الدول الأوروبية تريد ذلك منذ فترة طويلة. وأولًا وقبل كل شيء، يجب على ألمانيا أن تقوم هنا أخيرًا بتغيير موقفها”. وقد شدَّد على مطالب رفع القيود المفروضة على مدى الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، وتسليمها المزيد من الأنظمة الأقوى ودعوتها إلى حلف الناتو.
وضمن هذا السياق استدعت صباح يوم الأربعاء وزارة الخارجية الألمانية القائم بأعمال كوريا الشمالية. وأشارت إلى أن دعم بلاده لروسيا في حربها على أوكرانيا يهدد أمن ألمانيا والسلام الأوروبي.
جنود من كوريا الشمالية لدعم روسيا؟
ومع تزايد الدلائل التي تشير إلى زيادة التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية، تحدثت DW مع أندريه لانكوف، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة كوكمين في العاصمة الكورية الجنوبية سيول.
وبحسب تعبيره فإنَّ روسيا يمكنها الاستفادة من هذا التعاون في تجنُّب التجنيد والتعبئة العامة. وقد شدد أندريه لانكوف على أنَّ “الحرب في روسيا تحظى على العموم بشعبية كبيرة، ولكن فقط عندما لا يشارك معظم المواطنين في المعارك ولا تؤثر الحرب على حياتهم اليومية”. وهو يرى أنَّ عدد الرجال المستعدين في روسيا للمخاطرة بحياتهم – حتى من أجل الحصول على فوائد مالية مثل العقود العسكرية – بات يتناقص باستمرار.
وكوريا الشمالية تريد الحصول مقابل ذلك على المال والتكنولوجيا، كما يقول أندريه لانكوف: “الجندي المتعاقد مع الجيش الروسي يحصل على ألفي دولار شهريًا، بالإضافة إلى مكافأة تدفع لمرة واحدة قد تصل إلى عشرين ألف دولار. وبيونغ يانغ ستكون سعيدة بحصولها على نصف هذا المبلغ على الأقل مقابل كل جندي ترسله إلى روسيا”. وكوريا الشمالية تريد التكنولوجيا الحديثة أيضًا، كما يقول أندريه لانكوف: “روسيا لن تكون – في ظل ظروف أخرى – مستعدة لمشاركة التكنولوجيا مع دولة غير مستقرة مثل كوريا الشمالية، ولكن الآن لا يوجد لديها خيار آخر”.
غير أنَّ هذا التعاون لن يستمر طويلًا، كما يعتقد الخبير أندريه لانكوف. ويقول إنَّ العلاقات ستعود بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا إلى مستواها السابق، لأنَّ كوريا الشمالية لن تكون بعد ذلك مهمة اقتصاديًا بالنسبة لموسكو.