وكالات ـ هو الاسم الذي يطلق على الناقلات المتهالكة التي تعمل خارج القوانين البحرية لنقل النفط من إيران وروسيا للالتفاف على العقوبات الدولية. وفقاً للإحصاءات الرسمية خلال الأعوام الـ25 الماضية لم تحدث سوى ثلاث حالات تسرب نفطية كبيرة و55 تسرباً صغيراً للنفط في البحار الدولية، ومع ذلك يبدو أنه بسبب نشاط “أسطول الظل” فمن المرجح أن يكون التسرب النفطي في البحار الناجم عن السفن المتهالكة التابعة للنظام الإيراني أعلى من ذلك بكثير.
ناقشت صحيفة “التايمز” البريطانية في تقريرها تفاصيل عملية تهريب النفط الإيراني إلى الصين عبر ناقلات متهالكة تعرف باسم “أسطول الظل”، وقالت إن التلوث الناجم عن تهريب النفط هذا يعرض البيئة البحرية للخطر. ووفقاً للصحيفة فإنه وبعد اقتراب ناقلتي نفط متهالكتين من بعضهما بعضاً في مياه الخليج العربي، بعيداً من أعين القوى العالمية للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على صناعة النفط الإيراني، سجلت صور الأقمار الاصطناعية النتيجة الكارثية للتلوث البحري من تسرب النفط.
وبحسب هذا التقرير، قامت ناقلة النفط “فورتشن غالاكسي” المتهمة بتهريب النفط الإيراني وانتهاك القوانين البحرية بعملية خطرة لنقل النفط إلى السفينة “سيرانو-2″ في مياه الخليج العربي. وبعد ذلك أظهرت الأقمار الاصطناعية أن بقعة نفطية بطول خمسة كيلومترات تسربت على سطح مياه الخليج العربي.
ويعد هذا التسرب النفطي الأحدث في سلسلة من الحوادث التي سببتها ناقلات النفط التي تعرف بـ”أسطول الظل”. وهو الاسم الذي يطلق على الناقلات المتهالكة التي تعمل خارج القوانين البحرية لنقل النفط من إيران وروسيا للالتفاف على العقوبات الدولية.
وسبق أن تحدثت تقارير أخرى عن أن النظام الإيراني يستخدم أسطولاً مكوناً من 123 سفينة ويستخدم حيلاً مختلفة مثل تزوير الوثائق للتضليل، وتغيير أعلام الدول التي ترفعها هذه السفن، للتحايل على العقوبات التجارية الدولية المفروضة على إيران. وتقوم هذه السفن بالتلاعب بموقعها الحقيقي على أنظمة تحديد المواقع الـ”جي بي أس” (GPS) بحيث يبدو عند التحميل والتفريغ في الموانئ وكأنها راسية في البحر.
وبحسب “التايمز” فإن اكتشاف التلوث النفطي الناجم عن أنشطة السفينتين “فورتشن غالاكسي” و”سيرانو-2″ تم عبر شركة “تانكر تراكرز” المتخصصة في تتبع ومراقبة حركة ناقلات النفط حول العالم، إذ تزامنت هذه الحادثة مع مغادرة ناقلات النفط المحطات الرئيسة في إيران بسبب الخوف من الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النفطية الإيرانية.
وفي الوقت ذاته وبسبب الهجوم الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل واحتمال الرد الإسرائيلي، بدأت أسعار النفط بالارتفاع. وعلى رغم أن العقوبات الدولية تمنع إيران من بيع النفط في الأسواق العالمية فإن الصين تشتري نحو 15 في المئة من حاجتها النفطية من إيران، وهذه التجارة غير القانونية باتت اليوم مهددة بتصاعد الصراعات والحروب في الشرق الأوسط.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية خلال الأعوام الـ25 الماضية، لم تحدث سوى ثلاث حالات تسرب نفطية كبيرة و55 تسرباً صغيراً للنفط في البحار الدولية. ومع ذلك يبدو أنه بسبب نشاط “أسطول الظل”، فمن المرجح أن يكون التسرب النفطي في البحار الناجم عن السفن المتهالكة التابعة للنظام الإيراني أعلى من ذلك بكثير.
وفي الواقع، لا تشكل الانسكابات النفطية التهديد الوحيد الذي تحمله ناقلات “أسطول الظل” الإيراني وحسب، فخلال يوليو 2024اصطدمت ناقلة نفط غير قانونية بسفينة أخرى قرب المياه الدولية الماليزية، مما أدى إلى اشتعال النيران فيهما، إذ قامت ناقلة النفط غير القانونية هذه على الفور بإيقاف جهاز الإرسال الخاص بها وهربت، كما انفجرت خلال العام 2023 ناقلة مماثلة قرب ماليزيا وتركت لمدة سبعة أشهر قبل أن تُسحب من عرض البحر.
وبسبب هذه الحوادث فإن خبراء البيئة يرون أن نشاط “أسطول الظل” عدا عن الأبعاد السياسية والاقتصادية التي يجلبها، يشكل تهديداً كبيراً للبيئة البحرية وصحة الإنسان في نهاية المطاف. ويؤكد هؤلاء الخبراء أن النفط المهرب الذي يحمل في هذه الناقلات ويتسرب إلى البحر غالباً ما يكون مليئاً بالشوائب الخطرة التي يمكنها أن تدخل في السلسلة الغذائية.
وعلى رغم هذه التحذيرات فإن طلب الصين على النفط الإيراني الرخيص ارتفع كثيراً إلى درجة أن إنتاج النفط في إيران وصل إلى المستوى الذي كان عليه قبل العقوبات النفطية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018. وفي ظل العقوبات الدولية فإن إرسال هذه الكمية من النفط إلى الصين يعني إيجاد طريقة للالتفاف على النظام المالي الغربي، وكذلك على خدمات النقل غير الرسمية وغير القانونية. ولهذا نجد أن “أسطول الظل” نشط جداً.
وفي هذا السياق يقول مدير الأبحاث في منظمة “متحدون ضد إيران النووية” دانييل روث إن طهران تعتمد بصورة شبه كاملة على “أسطول الظل”، المكون من 400 ناقلة أجنبية. تم الكشف عن سفينة “فورتشن غالاكسي” من قبل منظمة متحدون ضد إيران النووية عام 2022 على أنها ناقلة يستخدمها النظام الإيراني لنقل النفط المهرب وأنها تنتهك العقوبات الدولية، ومنذ ذلك الحين واجهت هذه الناقلة وكذلك الشركة التي تديرها عقوبات مباشرة من وزارة الخزانة الأميركية، نظراً إلى ارتباطها بأحد ممولي الحرس الثوري الإيراني.
وأكد روث أنه “بغياب هذا الأسطول خسر النظام الإيراني أكثر من 100 مليار دولار من عائداته النفطية خلال الأعوام الأربعة الماضية”. وأضاف أن “هذه أموال كثيرة كانت تذهب حتماً إلى الميليشيات المسلحة المرتبطة بطهران وبرامج الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار وكذلك المشروع النووي”.
وصحيح أن نقل النفط من سفينة إلى سفينة أخرى عمل قانوني ولا توجد هناك مشكلة في هذا الخصوص، إلا أن أنشطة “أسطول الظل” التي تهرب النفط تحت عناوين مزيفة وأعلام دول مختلفة للالتفاف على العقوبات الدولية باتت تحت المجهر.
وفي أوروبا، سعت السلطات اليونانية والبلدان المحيطة ببحر البلطيق لمنع مثل هذه العمليات التي تؤدي إلى تهريب النفط، إذ اقترحت فنلندا أن يشتري الاتحاد الأوروبي سفينة للتعامل مع الانسكابات النفطية وأن يكون الاتحاد الأوروبي مستعداً للتعامل مع السفن المتهالكة التابعة لأسطول الظل التابع لطهران.
ومع ذلك وعلى رغم المخاوف الدولية، فإن معظم عمليات تهريب ونقل النفط والانسكابات الناتجة منها لا يبلغ عنها أو يتم تجاهلها أصلاً. ويقول المتخصص سمير مدني الذي يعمل لشركة “تانكر تراكرز” المتخصصة في تتبع ومراقبة حركة ناقلات النفط حول العالم، إن “تسرب النفط من السفن والناقلات في أسطول الظل الإيراني أصبح شائعاً وبصورة متزايدة”.
ويؤكد سمير مدني أن “مثل هذا التلوث النفطي يحدث بصورة متكررة، لكن في كثير من الأحيان لا يتم الإبلاغ عنه. وفي معظم الحالات في الشرق الأوسط ودول جنوب شرقي آسيا تتجاهل السلطات مثل هذه التقارير ولا تفعل شيئاً حيال ذلك”.
ويقول مدني أيضاً “صحيح أنه قد يصعب في بعض الأحيان معرفة المتسبب في التسرب النفطي، لكن عندما تقوم السفن غير المرخصة بتبادل النفط المهرب في عرض البحر لأيام عدة، فليس صعباً تحديد المتسبب. ولذلك يجب على الدول في جميع أنحاء العالم بذل مزيد من الجهد لمكافحة تهريب النفط والتلوث البحري.