وكالات ـ عجزت طهران حتى الآن عن الحد من ظاهرة العمالة التي سببت لها ضربات كبيرة، وجهت الاستخبارات الإسرائيلية على مدى الأعوام الماضية، لا سيما في العام 2024 سلسلة ضربات إلى إيران وحلفائها، تظهر بحسب محللين اختراقها لأجهزة إيران الاستخباراتية، ما بدأ يثير قلقاً معلناً في طهران.
وندد علي لاريجاني، أحد مستشاري المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، في الثامن من نوفمبر 2024، “بمشكلة اختراق في إيران… منذ أعوام”. وأضاف، “حصلت حالات إهمال. الأجهزة الأمنية في البلاد واجهتها، لكنها لم تنجح في وضع حد كامل لها”.
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس” في السابع من أكتوبر 2023، استهدفت طهران وحلفاؤها بعمليات لم تكن لتتحقق في غياب معطيات استخباراتية دقيقة. واغتيل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية في مقر إقامته بطهران أثناء زيارة في أواخر يوليو 2024 في عملية نسبت إلى إسرائيل. وبعد أقل من شهرين، قتل الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصرالله بضربة جوية إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية.
وبين العمليتين، انفجرت آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي في حوزة عناصر “حزب الله” في لبنان، مما أسفر عن مقتل 39 شخصاً في الأقل وجرح نحو ثلاثة آلاف. وبدا واضحاً أن هذه العملية المعقدة التي نسبت أيضاً إلى إسرائيل، قد تم التحضير لها منذ زمن.
اغتيالات وحوادث أمنية
ورأى لاريجاني، وهو من أبرز الشخصيات السياسية في إيران ورئيس سابق للبرلمان، أن إسرائيل “عدو يفكر على مدى أعوام، ويلحق بك الأذى في لحظة”. وفي حين أن تصريحات علنية كهذه تبقى غير معتادة، لكن مضمونها ليس مفاجئاً. فقد سبق لمسؤولين إيرانيين أن اتهموا إسرائيل بالوقوف خلف سلسلة عمليات سرية في أراضي إيران، بما فيها اغتيال ومحاولات اغتيال وتفجير وتخريب في منشآت حساسة.
وتعرض عدد من العلماء النوويين الإيرانيين للاغتيال أو محاولات اغتيال خلال الأعوام الماضية، أبرزهم محسن فخري زادة الذي قتل قرب طهران في نوفمبر 2020 بسلاح رشاش تم التحكم به من بعد. وأعلن القضاء الإيراني وقت سابق من نوفمبر 2024 الحكم بإعدام ثلاثة متهمين في القضية.
وأعلنت إسرائيل حصولها على وثائق أرشيف البرنامج النووي الإيراني عبر عملية أمنية في طهران مطلع 2018. كما وقعت عمليات أمنية في إيران بقي منفذوها مجهولين، على رغم الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تقف خلفها، مثل اغتيال شخصيات بينهم ضباط في الحرس الثوري، واستهداف مواقع عسكرية باستخدام طائرات مسيرة صغيرة.
المغريات المالية
ورأى الباحث في معهد الأمن والاستراتيجية في القدس ألكسندر غرينبرغ أن تصريحات شخصية مثل لاريجاني، “تؤكد عجز الأجهزة الإيرانية عن منع الاختراق الإسرائيلي”. وأضاف أنه عقب عملية تفجير أجهزة الاتصال في لبنان “كان ‘حزب الله’ يأمل في أن تساعده إيران في مجال الاستخبارات، لكنهم (الإيرانيون) كانوا عاجزين عن القيام بشيء لأنفسهم حتى”.
ويرى محللون أن الاختراقات الإسرائيلية تسهلها عوامل منها الصعوبات الاقتصادية في إيران التي تعاني عقوبات اقتصادية غربية، وتزايد المعارضة الداخلية للحكم.
وتحدث كينيث كاتسمان، الباحث في مركز صوفان والخبير السابق في الشأن الإيراني لدى الكونغرس الأميركي، عن “درجة اختراق مرتفعة… في كل وزارة أو منظمة، في الحرس الثوري، قوات إنفاذ النظام، وزارة الاستخبارات، القضاء، السلطات المحلية”. وتابع، “عديد من الأشخاص مستعدون، حتى في صفوف الحكومة، لمساعدة إسرائيل بغرض الحصول على المال، ولأنهم على خلاف مع النظام”.
اغتيال نصرالله
واعتبر العضو السابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية ألان شويه أن هذه العوامل توفر “مجموعة ممكنة للتجنيد لمصلحة القوى الخارجية”. وأكد أن العملاء، إضافة إلى القدرات الإسرائيلية في مجال الاستعلام التقني، يوفرون معطيات لا تقدر بثمن، مثلما أظهرت عملية اغتيال نصرالله.
وأوضح أن الرجل الذي تولى الأمانة العامة للحزب لأكثر من ثلاثة عقود “كان لا ينام في المكان ذاته ليلتين توالياً ولا يبقى في المكان ذاته لساعتين. كان تحديد مكانه بالغ الصعوبة”. وأضاف، “بعد (تفجير) أجهزة الاتصال، لم تعد ثمة أي قطعة إلكترونية قربه”.
وشدد شويه على أن الإسرائيليين نفذوا الضربة الجوية الضخمة التي استهدفت نصرالله جنوب بيروت في الـ27 من سبتمبر 2024 “وهم واثقون” من نجاحها. وأضاف، “أصابوا الهدف، في الزمان والمكان المناسبين”، وذلك يعود بطبيعة الحال إلى معلومات استخباراتية.