خاص – أكد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس التزام برلين التام بشراء طائرة لوكهيد مارتن إف-35 إيه لايتنينج 2 المقاتلة متعددة المهام. نفى بيستوريوس في 21 مارس 2025 أي تلميح إلى أن ألمانيا قد تعيد النظر في عملية الاستحواذ، مؤكداً أن الولايات المتحدة لا تزال شريكاً دفاعياً رئيسياً.
يأتي هذا التوضيح في خضم نقاش أوروبي أوسع نطاقاً حول العلاقات الدفاعية عبر الأطلسي، لا سيما استجابةً للتحولات السياسية المحتملة في ظل إدارة ترامب المستقبلية. وأكد بيستوريوس أن ألمانيا تُقدّر تحالفها مع الولايات المتحدة، ليس فقط في ما يتعلق ببرنامج إف-35، بل في مجموعة واسعة من المشاريع العسكرية وأطر التعاون.
طلبت ألمانيا 35 طائرة من طراز F-35A من خلال برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية الأمريكية (FMS)، حيث تمت الموافقة على الاتفاقية بين الحكومتين في 14 ديسمبر 2022. ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم في عام 2026، في البداية إلى قاعدة إيبينج الجوية للحرس الوطني في الولايات المتحدة لتدريب الطيارين وأفراد الطاقم.
ابتداءً من عام 2027، من المقرر أن تتمركز أولى الطائرات في قاعدة بوشل الجوية في ألمانيا. وستلعب هذه الطائرات دوراً محورياً في اتفاقية تقاسم الأسلحة النووية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لتحل محل أسطول طائرات بانافيا تورنادو آي دي إس المتقادم والمُخصص حاليًا لحمل القنابل النووية بي-61 الأمريكية.
ردّ بيستوريوس على التكهنات بشأن إمكانية تعطيل الولايات المتحدة لطائرة إف-35 عن بُعد، واصفاً هذه المخاوف بأنها لا أساس لها. وأكد متحدث باسم وزارة الدفاع أنه “لا سبيل لتعطيل طائرة إف-35 عن بُعد ببساطة”، مُقراً بأن هذه الأنظمة المتكاملة تتضمن ترابطاً لوجستياً ورقمياً.
نفت الوزارة التقارير التي تحدثت عن اجتماع طارئ بشأن الطائرة، مؤكدةً أن برنامج إف-35 هو جهد تعاوني متعدد الجنسيات يضم ثماني دول، منها خمس دول أوروبية. وفي المجمل، تعمل أو تخطط 14 دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو) و20 دولة حول العالم على تشغيل هذه الطائرة.
سلط بيستوريوس الضوء على برنامج إف-35 كمثال على التعاون الصناعي الناجح عبر الأطلسي. وأشار إلى أن العديد من مكونات الطائرة تُنتج خارج الولايات المتحدة، مما يعكس سلسلة الإنتاج والتوريد العالمية للمشروع.
في حين أعادت ألمانيا تأكيد خططها لشراء مقاتلات إف-35، لا تزال دول أخرى تُقيّم احتياجاتها المستقبلية من هذه المقاتلات. ففي البرتغال، تُقيّم الحكومة حالياً خيارات استبدال أسطولها من مقاتلات إف-16 إيه إم/بي إم، حيث أشار وزير الدفاع إلى إمكانية طرح مناقصة عامة بدلاً من الشراء المباشر لطائرات إف-35.
علاقات وثيقة مع قوات أخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي
تتألف القوات المسلحة الاتحادية الألمانية (البوندسفير) من الجيش والقوات الجوية والبحرية، بالإضافة إلى هيئة الأمن السيبراني والمعلومات، وترتبط بعلاقات وثيقة مع قوات أخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو). ومن الأمثلة على ذلك:
دمج الجيش الهولندي: يُعدّ التعاون بين الجيش الألماني والقوات المسلحة الهولندية الأوسع نطاقاً. حيث تُدمج ألوية الجيش الهولندي الثلاثة في الفرق الألمانية. وفي الوقت نفسه، تخضع قوات الدفاع الجوي الألمانية للقيادة الهولندية – وهذا مُخطط له أيضاً بالنسبة لمشاة البحرية الألمانية. ويُعتبر هذا التكامل نموذجاً يُحتذى به في اتحاد الدفاع الأوروبي.
اللواء الفرنسي – الألماني: يُعدّ الأخير، الذي تأسس عام 1989، مثالاً بارزاً على التعاون العسكري الوثيق بين البلدين. وتشارك بعض وحدات هذا اللواء الثنائي القومي الرئيسي، الذي يبلغ عدد جنوده نحو 5000 جندي، في مهام دولية أيضاً.
لواء في ليتوانيا: رداً على حرب أوكرانيا، يُعزز حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجوده في أوروبا الشرقية. ويتولى الجيش الألماني هناك قيادة المجموعة القتالية متعددة الجنسيات في ليتوانيا، والتي تضم قوات من مختلف دول الناتو. وفي المستقبل القريب، سيُرسِل الجيش الألماني لواءً قتالياً ثقيلاً بشكل دائم هناك.
التعاون الألماني – البولندي في الفيلق متعدد الجنسيات: الفيلق متعدد الجنسيات في الشمال الشرقي بمدينة شتشيتسين البولندية هو في المقام الأول مقرٌّ رئيسيٌّ تحت قيادةٍ متناوبةٍ بولنديةٍ وألمانية. وهو يُنسّق انتشار وحداتٍ من العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإن كانت معظمها من بولندا وألمانيا. علاوةً على ذلك، تدعم أنظمة باتريوت التابعة للجيش الألماني الدفاع الجوي البولندي بشكلٍ متكرر.
التعاون مع القوات الجوية الأمريكية: يُعدّ تعاون الجيش الألماني مع القوات الجوية الأمريكية مثالاً رائعاً على تعاونه مع حلفائه في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتشمل هذه الشراكة التدريبات المشتركة، وبرامج التبادل، والاستخدام المشترك للبنية التحتية. وهذا يُعزز التعاون بين القوات المسلحة والعلاقات عبر الأطلسي.
وبالإضافة إلى هذا التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، يشارك الجيش الألماني في العديد من البعثات الدولية ــ على سبيل المثال تحت مظلة الأمم المتحدة، أو حلف شمال الأطلسي، أو الاتحاد الأوروبي.
العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية
منذ أن بدأت روسيا حرب أوكرانيا في فبراير 2025، عادت ألمانيا لمناقشة الخدمة العسكرية الإلزامية. وهناك عدة نماذج محتملة مطروحة.
الخدمة العسكرية الإلزامية – نعم أم لا؟ في ظلّ تحوّل الوضع الجيوسياسي، عاد هذا النقاش إلى الواجهة في ألمانيا. ومع ذلك، بدا وكأنّ الخدمة العسكرية الإلزامية قد ولت. نلقي في ما يلي نظرة سريعة على المستقبل ونستعرض النقاش الحالي.
تعزيز أمن ألمانيا خلال الحرب الباردة، وترسيخ شعور عام بالمسؤولية تجاه الدفاع الوطني في المجتمع: كان هذا هو الهدف الذي سعت إليه ألمانيا عندما فرضت الخدمة العسكرية الإلزامية عام 1956. كان على جميع الرجال الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فأكثر إكمال فترة خدمة عسكرية تتراوح بين ستة أشهر وثمانية عشر شهراً. وكبديل، كان بإمكانهم اختيار أداء “الخدمة المدنية”، التي تتضمن نوعاً من العمل الاجتماعي. كما أدى انتهاء الحرب الباردة إلى نهاية الخدمة العسكرية الإلزامية.
عُلِّقت الخدمة العسكرية الإلزامية عام 2011، وتحوَّل الجيش الألماني إلى جيش محترف. وبرَّرت الحكومة الألمانية ذلك القرار بجملة أمور، منها انتهاء الحرب الباردة والحاجة إلى جيش أكثر احترافية. وتحوّل التركيز من الدفاع الوطني إلى مهمات عالمية لتعزيز السلام والأمن وحقوق الإنسان وحماية الأقليات. ولطالما كانت عمليات نشر الجيش الألماني جزءاً من مهام الأمن الجماعي أو الدفاع تحت رعاية منظمات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
عديد الجيش الألماني إلى نحو 200 ألف جندي
منذ سنوات، يتزايد النقاش حول إمكانية إعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية. ومن أسباب ذلك: الوضع الأمني الجديد في أوروبا؛ واحتمال توقف الولايات المتحدة عن القيام بدور الحماية؛ وهدف الجيش الألماني (البوندسفير) المتمثل في زيادة عديده من نحو 180 ألف جندي إلى 200 ألف جندي بحلول عام 2031. وبينما يُشدد مؤيدو الخدمة العسكرية الإلزامية على أهمية المسؤولية الاجتماعية والقدرة الدفاعية، ينتقد معارضوها ما ينتج عنها من انتهاك للحرية الشخصية.
نماذج مختلفة للخدمة العسكرية
مع ذلك، هناك نماذج مختلفة ممكنة للخدمة العسكرية. وتشمل الاقتراحات كل شيء، بدءاً من النموذج التقليدي وصولاً إلى نسخة مُحسّنة من الخدمة العسكرية التطوعية، ومجموعة متنوعة من المناهج الجديدة. مثل:
خدمة اجتماعية عامة: وهذا يعني إلزام جميع المواطنين بإكمال سنة واحدة من الخدمة الإلزامية، إما في الجيش أو في المؤسسات الاجتماعية.
الخدمة العسكرية الإلزامية على أساس النموذج السويدي: حيث يتم تجنيد جزء فقط من كل دفعة سنوية – على أساس الكفاءة والطلب.
وسوف يعتمد نجاح أحد هذه النماذج في ألمانيا على القرارات السياسية والتطورات اللاحقة في مجال السياسة الأمنية.