DW – ترجمة – لقد صدم الاتحاد الأوروبي، مثل معظم المجتمع الدولي، من السرعة التي انهار بها النظام السوري السابق. ورحب الاتحاد الأوروبي بسقوط النظام، لكنه غير متأكد من كيفية التعامل مع “هيئة تحرير الشام” وزعيمها أبو محمد الجولاني. فقد صرّح متحدث باسم الاتحاد الأوروبي للصحفيين أن “الاتحاد لم يكن له أي اتصال مع الجماعات السورية ـ لا سيما “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة إسلاموية متطرفة حسب تصنيف الأمم المتحدة وحكومات غربية مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة.
يواجه الاتحاد الأوروبي العديد من التحديات في التعامل مع الجولاني ومجموعته، لكنه الآن في حال من الترقب لتقييم كيفية تصرف الهيئة بشأن سوريا.
هل يستطيع الاتحاد الأوروبي التحاور مع أحد أعضاء تنظيم القاعدة السابقين؟
إن إلقاء نظرة سريعة على السيرة الذاتية للجولاني يفسر لنا مدى خوف الاتحاد الأوروبي. فقد انضم إلى تنظيم القاعدة ضد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وسُجِن في سجن بوكا، حيث أمضى بعض الوقت مع أعضاء من جماعات جهادية مختلفة ذات أجندة عالمية.
اعترف الجولاني قبل سنوات أنه عند عودته إلى وطنه، حصل على دعم مالي من “داعش”، التي سيطرت لفترة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا . وفي الصراع بين القاعدة وداعش، اختار الانضمام إلى القاعدة، ولكن في عام 2016، قطع الجولاني علاقاته مع القاعدة وقدم نفسه كفصيل يهدف للإطاحة بالنظام السوري.
حقق الجولاني هدفه الآن، وهو يسيطر حالياً على المناطق السورية التي كانت تحت حكم الحكومة السورية. لكنه لا يزال مطلوباً، وتعرض الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار (9.5 مليون يورو) لمن يدلي بمعلومات قد تؤدي إلى القبض عليه. ويعتقد بعض المحللين أن الوقت قد حان لرفع تصنيف الإرهاب عن الجولاني وهيئة تحرير الشام، مع بعض الشروط.
يقول تشارلز ليستر، مدير برنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط “إن رفع اسم الجولاني من القائمة السوداء قضية معقدة وصعبة المعالجة”. كما يرى خبراء أنه سيتم وضع شروط متسلسلة على الطاولة لكي تلبيها هيئة تحرير الشام – بما في ذلك الإصلاحات العسكرية والسياسية والحكومية، والتحرك نحو المساءلة عن الجرائم الموثقة السابقة”.
كشف تقرير للأمم المتحدة صدر في سبتمبر 2024 عن احتجاج سوريين في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام على ممارسات هيئة تحرير الشام “بما في ذلك عمليات ضد حقوق الإنسان أثناء الاحتجاز” منذ فبراير 2024. كما ذكر تقرير صادر عن الولايات المتحدة في عام 2022 بشأن حقوق الإنسان في سوريا إن الجماعات الإسلاموية مثل “هيئة تحرير الشام” ارتكبت مجموعة واسعة من الانتهاكات، بما في ذلك القتل والخطف وتجنيد الأطفال أو استخدامهم كمقاتلين في ساحة الصراع. كما اتهم التقرير العديد من الجماعات السورية الأخرى بالانخراط في نفس السلوك.
لكن الجولاني نفى تورطه في الأمر، وأكد أن الانتهاكات لم تتم بناء على أوامرنا أو توجيهاتنا وإن المسؤولين عنها تمت محاسبتهم.
الحكومة الشاملة ضرورية للاعتراف الغربي
لدى الاتحاد الأوروبي قائمة طويلة من المخاوف. فالكتلة المكونة من 27 دولة تشعر بالقلق إزاء الأقليات وحقوق المرأة والتمثيل المتساوي للمعارضة السورية. وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم قيام الاتحاد الأوروبي بإعادة دعم النظام السوري السابق ــ على الرغم من دعوة اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط إلى العودة إلى صفوفه ــ رفضه تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 ، الذي دعا إلى انتقال سياسي.
قالت كايا كلاس، أكبر دبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، بعد وقت قصير من سيطرة هيئة تحرير الشام والجولاني على دمشق “”ندعو إلى انتقال سياسي هادئ وشامل فضلاً عن حماية جميع السوريين بما في ذلك جميع الأقليات”.
وعدت هيئة تحرير الشام بحماية الأقليات، وأعلنت العفو عن جميع الجنود السوريين، وقررت التعاون مع رئيس الوزراء السوري السابق لتشكيل حكومة انتقالية، وأكدت إنه لن يتم إخبار النساء بكيفية ارتداء الملابس. يرى بعض المحللين أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يغتنم الفرصة ويشارك بشكل نشط في التأثير على الجماعةــ من أجل مصلحة السوريين وكذلك من أجل مصالحه الخاصة.
ينبغي للاتحاد الأوروبي أن “يشجع المسار الإيجابي”
فر أكثر من مليون سوري إلى الاتحاد الأوروبي في بداية الصراع في سوريا والتي استمرت قرابة 14 عامًا وما زالوا من بين أكبر مجتمعات طالبي اللجوء. وقد جادلت العديد من المجموعات السياسية في الكتلة لصالح ترحيل السوريين، وتوقفت العديد من الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا ، عن معالجة طلبات اللجوء المعلقة بعد أقل من 48 ساعة من سقوط النظام السوري.
أوضح جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “إن الاتحاد الأوروبي يجب أن يوجه اهتماما سياسيا وموارد كبيرة لتشكيل حكومة شاملة في سوريا. وإن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعمل بسرعة وبشكل هادف لتحفيز مسار إيجابي حيث تشير هيئة تحرير الشام إلى تغيير في أيديولوجيتها”.
تابع جوليان بارنز ديسي “هذا هو المسار الوحيد القابل للتطبيق نحو تأمين المصالح الأوروبية، سواء كان ذلك الاستقرار الإقليمي ومنع الصراعات الجديدة والإرهاب؛ أو السماح لملايين السوريين بالعودة إلى ديارهم في النهاية؛ أو تخفيف النفوذ الإقليمي المعادي للقوى الخارجية مثل روسيا بشكل دائم”.
وفي حين يرى بعض الخبراء أن هيئة تحرير الشام ربما تكون غيرت من أيديولوجيتها، فإن آخرين يشككون في ذلك ويشتبهون في أنها مجرد مناورة سياسية.
تحول حقيقي أم مجرد مناورة سياسية؟
يرى آرون لوند، زميل في مؤسسة سنتشري فاونديشن البحثية “أن هيئة تحرير الشام تحاول إظهار انفتاحها، للحصول على أقصى قدر من الدعم السوري لمشروعها لبناء نظام جديد وتقليل الاحتكاك مع الدول الغربية والعربية. وهذا ليس بالضرورة أن يكون الحال دائمًا”. وأضاف أنه “عندما تكون تحت التهديد، فإن مجموعات مثل هذه سوف تلجأ دائما تقريبا إلى قاعدتها الأصلية والأكثر صلابة، والتي في حالة هيئة تحرير الشام هي النواة الصلبة للجهاديين”.
يدرك الاتحاد الأوروبي المخاطر، وقد تبنى في الوقت الحالي نهجاً حذراً لتحديد ما إذا كان تحول هيئة تحرير الشام حقيقياً أم مجرد مناورة. وتعتمد سياسة الاتحاد على كيفية تصرف هيئة تحرير الشام وزعيمها في المستقبل. صرح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي أنور العوني: “مع تولي هيئة تحرير الشام مسؤوليات أكبر، فسوف نحتاج إلى تقييم ليس فقط أقوالها، بل وأفعالها أيضا”.