لم تشارك أي قوات أميركية في أكبر مناورات لحلف شمال الأطلسي – وربما كان هذا هو المخطط دائماً. لكن مشاركة الدول الأوروبية بمفردها على عتبة أوكرانيا اكتسب أهمية جديدة مع إعادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته صياغة علاقة واشنطن بالقارة. وكانت تدريبات السهم الثابت التي أجريت في ساحة التدريب الجنوبية الشرقية في سماردان طيلة شهر فبراير 2025 مصممة لإظهار كيف يمكن لقوة متعددة الجنسيات بقيادة بريطانية أن تعمل في أوقات الأزمات.
فقد ضربت الطائرات أهدافاً وهمية للعدو، وأطلقت الدبابات قذائف حية، وشق الجنود طريقهم عبر شبكة خنادق متجمدة. لكن انسحاب ترامب هز الدول الأوروبية بشدة وأثار تساؤلات حول كيفية قدرة القارة على الدفاع عن نفسها في أزمة حقيقية بدون الدعم الأميركي الذي حمى معظم أوروبا من التهديد الروسي المحتمل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لقد سمحت عقود من تهميش الإنفاق الدفاعي بعد نهاية الحرب الباردة للدول الأوروبية بالحفاظ على أنظمة الرعاية الاجتماعية الثمينة، ولكنها تركتها مع فجوات هائلة في القدرات الدفاعية وبإزاء اعتماد عميق على الولايات المتحدة ما أصبح غير مستساغ بشكل متزايد للبيت الأبيض. والحال أنه لا يوجد أي تهرب من الأمر من قبل المسؤولين الأوروبيين، ولا رغبة في ذلك – فهناك قبول عالمي، على المستويين الخاص والعام، بأن القارة كانت متساهلة بشكل مؤسف.
وعلى الرغم من دق أجراس الإنذار لسنوات، وبصوت أعلى منذ حرب وكرانيا في عام 2022، لا يزال زعماء القارة يكافحون من أجل حشد النفوذ السياسي لتعزيز الإنفاق العسكري بشكل كبير. وبالنسبة لمعظم الدول الأعضاء في أوروبا الغربية، فإن التهديد بعيد جغرافياً للغاية – فمن الصعب تقديم حجة مقنعة لزيادة الميزانية للجيوش عندما قد يعني ذلك تخفيضات في قطاعات مثل الرعاية الصحية، أو زيادة الضرائب في بعض الدول التي تفرض ضرائب باهظة بالفعل.
ويبدو أن الشباب الذين يعيشون بعيداً عن دول المواجهة الشرقية لحلف شمال الأطلسي مع روسيا لا يبدون رغبة كبيرة في الخدمة في الجيش، ناهيك عن خوض حرب دفاعاً عن القارة.
إمكانية تشكيل جيش أوروبي موحد
على الرغم من الحديث الأخير عن تشكيل جيش أوروبي موحد، فحتى لو تمكنت الدول الأوروبية من العثور على المال والأفراد، فإن هناك تساؤلاً حول كيفية عملهم معاً لتنسيق كل شيء بدءاً من المشتريات الدفاعية إلى العمليات في ساحة المعركة بطريقة تسمح لهم بنشر قوة قتالية فعالة. فخلال التدريبات، كان القادة يقولون في كثير من الأحيان إن الدول تعمل معاً ببراعة، وتستفيد من أفضل أجزاء القوات العسكرية لكل دولة. ومع ذلك، تحدث الجنود من ذوي الرتب الأدنى عن التحديات على المستويات الأساسية مثل مهارات اللغة.
يقول إد أرنولد، وهو زميل بحثي كبير في معهد الخدمات الملكية المتحدة البريطاني لأبحاث الدفاع: “إن أوروبا ستكون عرضة للخطر بشكل كبير بدون الدعم الأميركي”. فقد كانت الحرب في أوكرانيا بمثابة نقطة تحول في العلاقة القديمة بين الولايات المتحدة وأولئك الذين كانوا يُنظَر إليهم في السابق باعتبارهم أعظم حلفائها. ورغم أن بعض المسؤولين في أوروبا حاولوا إخفاء الشقوق التي اتسعت عبر الأطلسي، فإن آخرين يعترفون بأن أوروبا في ورطة، وتائهة في هذا الواقع الأمني الجديد.
وحذر الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – الذي واجه إهانات شخصية من ترامب وفريقه، فضلاً عن احتمال خسارة جزء كبير من بلاده في مفاوضات السلام الأميركية – الروسية المقترحة التي لم تتم دعوته إليها – من أن “عقوداً من العلاقات القديمة بين أوروبا وأميركا تنتهي”. وقال زيلينسكي: “أوروبا بحاجة إلى التكيف مع ذلك”.
لكي نكون واضحين، لم تقل الولايات المتحدة في هذه المرحلة إنها تتخلى عن أوروبا، حيث لا يزال لديها عشرات الآلاف من الأفراد النشطين. لكن بالإضافة إلى إشارة إدارة ترامب إلى أولويات الأمن في أماكن أخرى، مثل آسيا، تحدث الرئيس نفسه عن خفض ميزانية الدفاع الأميركية إلى النصف. وتمثل الولايات المتحدة ثلثي الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي.
من ناحيته، أوضح نائب الرئيس جيه دي فانس أمام قادة وزعماء أوروبا أن “الجزء المهم من كوننا في تحالف مشترك معاً هو أن يكثف الأوروبيون جهودهم بينما تركز أميركا على مناطق العالم المعرضة لخطر كبير”. وكان فانس قد انتقد الوحدة عبر الأطلسي على نطاق أوسع أيضاً.