خاص – ترجمة – يُشتبه في أن الكرملين نشر السفينة لمراقبة قاع البحر وجمع المعلومات الاستخباراتية التي يمكن استخدامها في أعمال التخريب. وقد حذر وزير الدفاع البريطاني جون هيلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد رصد سفينته التجسسية في المياه البريطانية في يناير 2025. حيث تدير وكالة تابعة لوزارة الدفاع الروسية السفينة المعروفة باسم “يانتار”، وتقوم بإجراء أبحاث في مجال المحيطات، لكن مسؤولين غربيين يعتقدون أنها تستخدم للتجسس في أعماق البحار.
السفينة “يانتار” معروفة جيداً من قبل الحكومات الأوروبية وعادةً ما تكون مصحوبة بمرافقات من قياداتها البحرية. ولكن المرور الأخير للسفينة عبر المياه الأوروبية يأتي في وقت حساس: إذ يعمل حلف شمال الأطلسي على تعزيز وجوده العسكري في بحر البلطيق بعد تعرض كابل كهربائي للتلف في ديسمبر 2024. وتركزت التحقيقات على ناقلة نفط يشتبه في أنها جزء من أسطول الظل التابع للكرملين لخرق العقوبات.
ويأتي ذلك في أعقاب سلسلة من الحوادث المماثلة التي يشتبه في أنها أعمال تخريب، مما أدى إلى تعميق المخاوف من أن كابلات الاتصالات تحت البحر في أوروبا وخطوط أنابيب الغاز وموصلات الطاقة هي أهداف رخوة في الحرب الهجينة الروسية.
ماذا نعرف عن “يانتار”؟
تعمل سفينة “يانتار” لصالح وكالة الأبحاث الروسية تحت الماء، GUGI، منذ عام 2015 تحت غطاء الأبحاث. وتعتبر GUGI شركة سرية، إذ تأسست في الأصل كجزء من البحرية الروسية، وهي تعمل الآن بشكل مستقل لصالح وزارة الدفاع. وبالإضافة إلى “يانتار”، يتضمن أسطولها العديد من الغواصات المتخصصة، بعضها يعمل بالطاقة النووية.
تم تصميم “يانتار” خصيصاً لجمع المعلومات الاستخباراتية. ويمكنها التحليق فوق موقع ما وإيداع واسترجاع الأشياء من قاع البحر. كما تستضيف غواصات مأهولة في أعماق البحار يمكنها الوصول إلى 6000 متر تحت سطح الماء وروبوتات أعماق البحار المربوطة بالسفينة.
ووصف المحلل الاستخباراتي إتش آي سوتون، المتخصص في الغواصات والأنظمة تحت السطحية، السفينة بأنها “خاصة وفريدة من نوعها”. وأوضح قائلاً: “أعتقد أن “يانتار” كانت مخصصة لإجراء عمليات في قاع البحر لا تتطلب التخفي الشديد الذي تتمتع به الغواصات، ويمكنها القيام بذلك بتكلفة أقل بكثير”.
تم تجهيز “يانتار” بأجهزة استشعار إلكترونية لرسم خرائط لقاع البحر وقبة للاتصالات، ما يرجح استخدامها لرسم خريطة لشبكة خطوط الأنابيب الحيوية وكابلات الشبكة التي تربط الدول الغربية.
متى دخلت المياه البريطانية ولماذا طاردتها البحرية الملكية؟
تم اكتشاف “يانتار” لأول مرة في يناير 2025 على بعد 45 ميلاً (83.3 كيلومتراً) قبالة الساحل البريطاني، داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للمملكة المتحدة (EEZ). وبحسب تحليل لبيانات تتبع السفينة، فقد عبرت القناة، متجهة شرقاً نحو المياه البلجيكية والهولندية. وتُظهر الخرائط الكابلات البحرية بالإضافة إلى مرور السفينة الروسية في الفترة بين 20 و21 يناير 2025، استناداً إلى البيانات المقدمة من موقع تتبع السفن Marine Traffic.
ويمر الكابل عبر القناة، ليمر بالقرب من Atlantic Crossing 1، وهو كابل اتصالات تحت البحر يربط الولايات المتحدة بالمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا. وأظهرت بيانات التتبع البحري أن السفينة كانت في مضيق كاتيغات بين الدنمارك والسويد، مما يشير إلى أنها كانت متجهة إلى قاعدة في سان بطرسبرغ.
وأرسلت المملكة المتحدة سفينتين تابعتين للبحرية الملكية، هما “إتش إم إس سومرست” و”إتش إم إس تاين”، لتعقب “يانتار”. وتقول وزارة الدفاع إنها “غيرت قواعد الاشتباك الخاصة بالبحرية” للسماح للسفينتين بالاقتراب من السفينة. كما يلفت الخبراء إلى أنه من الطبيعي أن تتم مرافقة السفن الروسية أثناء مرورها عبر المياه الأوروبية. ولكن في خطوة غير عادية للغاية، تم السماح لغواصة تابعة للبحرية الملكية البريطانية بالنزول إلى السطح بالقرب من السفينة الروسية.
وصرح مايك بلونكيت، الخبير البحري في مؤسسة “جينز إنتليجنس”، لـ”يورونيوز”: “لا أتذكر أن هذا حدث من قبل. إنه ليس أمراً تميل عادة إلى الإعلان عنه لخصومك. أعتقد أنها كانت رسالة إلى الروس: نحن نعلم ما الذي تفعلونه بهذه السفينة، نحن نراقبكم”.
بدوره، أكد وزير الدفاع البريطاني أن السفينة كانت “سفينة تجسس” تُستخدم “لرسم خرائط للبنية التحتية الحيوية تحت الماء في المملكة المتحدة”. ويمثل هذا أقوى خطاب عام من أي حكومة أوروبية حتى الآن بشأن عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية التي تقوم بها “يانتار”.
أين تم الرصد في المياه الأوروبية؟
تمت مرافقة “يانتار” من المياه الإقليمية الأيرلندية والبريطانية في نوفمبر 2024 بعد أن شوهدت “فوق البنية التحتية الحيوية تحت الماء في المملكة المتحدة”، وفقاً لوزير الدفاع البريطاني. وفي نوفمبر 2024، تم رصد السفينة وهي تدخل البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق قبل أن تتوقف في ميناء الجزائر.
بعد ذلك، جرى إرسال “يانتار” لمسح حطام سفينة الشحن MV Ursa Major، وهي سفينة شحن مرتبطة بالكرملين غرقت في البحر الأبيض المتوسط بين إسبانيا والجزائر بعد انفجار على متنها في 23 ديسمبر 2024.
ويرى المحللون البحريون على نطاق واسع أن غرق السفينة MV Ursa Major أمر مشبوه. وفي حين لا يُعرف الكثير عن مهمة “يانتار” لمسح الأضرار، يقول المحلل البحري ساتون إنها كانت على الأرجح تجمع أدلة حول غرقها وربما “استعادة أو تدمير” معدات حساسة.
هل يمكن استخدام المعلومات التي جمعتها “يانتار” في أعمال تخريب مستقبلية؟
لم تتوفر أي معلومات استخباراتية سرية تثبت أن عمليات رسم الخرائط التي تقوم بها “يانتار” قد استُخدمت في أعمال تخريب مشتبه بها، حيث تسحب السفن مراسيها عبر قاع البحر في محاولة لقطع الكابلات. لكن نشاط “يانتار” المشبوه وتكرار عمليات التخريب المشتبه بها يعني أن أوروبا أصبحت أكثر يقظة وتنبهاً للتهديد الروسي.
في إبريل 2024، تعرض كابل اتصالات بحري بالغ الأهمية لقاعدة جوية نرويجية في القطب الشمالي للتلف. وفي نوفمبر 2024، انقطع كابلان في بحر البلطيق، بما في ذلك كابل البيانات البحري الوحيد الذي يربط فنلندا بأوروبا الوسطى. وتركزت التحقيقات في أحدث عمليات التخريب المشتبه بها، والتي شهدت إتلاف كابل Estlink-2 في بحر البلطيق على ناقلة نفط يُعتقد أنها جزء مما يسمى “أسطول الظل” الروسي.
وفي حين نقلت صحيفة واشنطن بوست منذ ذلك الحين عن مسؤولين غربيين قولهم إن الأمر ربما كان مجرد حادث، ألمح سياسيون أوروبيون إلى وجود عمل تخريبي مقصود من تدبير موسكو. ويقول مايك بلانكيت من مؤسسة “جينز إنتليجنس”: “أعتقد أنه من غير المرجح أن تكون كل هذه الحوادث مجرد حوادث عرضية. هناك شيء ما يجري هناك، سواء كان حملة متعمدة أو مجرد اختبار لمعرفة ما إذا كان من الممكن قطع كابل بمرساة”.
وأوضح بلانكيت أن استخدام “أسطول الظل” يمنح الكرملين “طبقة إضافية من الإنكار”. فملكية الأسطول وإدارته وترتيبات رفع العلم كلها غامضة، مما يجعل من الصعب على السلطات الغربية التحقيق أو تعقب السيطرة على السفن من وإلى روسيا.