الأحد, يونيو 22, 2025
24.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

أوكرانيا والسلام المنتظر بأجندة ترامب المقبلة

 

خالد العزّي

 

جريدة الحرة ـ بيروت

اللقاء المنتظر عالميًا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي كان من المقرر انعقاده في أنقرة – تركيا، فشل ولم يرقَ إلى طموحات المراقبين والساعين لإيجاد حلول فعّالة للأزمة الدموية بين أوكرانيا وروسيا. فرغم جلوس الوفدين على طاولة المفاوضات برعاية تركية، تبقى مفاوضات السلام بعيدة المنال، نظراً لتعقيد القضية وعمق الخلافات التي باتت معروفة ومتجذّرة.

بوتين يريد التوصل إلى صفقة تحفظ ماء الوجه

على الرغم من حضور الرئيس الأوكراني وإيفائه بوعده للقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وإبدائه الاستعداد لمقابلة نظيره الروسي، الذي كان يُفترض أن يصل بحسب الوساطتين الأميركية والصينية لعقد لقاء مباشر، فإن بوتين غيّر مكان اللقاء من أنقرة إلى إسطنبول، ولم يحضر شخصيًا، بل كلّف وفدًا من المستشارين والسياسيين الذين لا يملكون صلاحية اتخاذ القرار.

وبذلك حاول بوتين كسب الوقت والاستفادة قدر الإمكان من فكرة عقد اللقاء مع الطرف الأوكراني، لكنه سعى في المقابل إلى حصر صلاحيات المفاوضين، وإبقاء القرار السياسي مرتبطًا بشخصه فقط، مما أضعف فاعلية الحوار. كما بدا حذرًا في التعاطي مع ضغوط الوسطاء، متجنبًا الدخول في ملفات شائكة، لئلا يُغضب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي لا يزال يعتمد دبلوماسية الهدوء مع روسيا، في محاولة لدفعها نحو مفاوضات أكثر جدية.

شروط بوتين التفاوضية القائمة على استسلام أوكرانيا

كان بوتين يأمل، من خلال هذه المفاوضات التي أُحرج بالدخول إليها، بالحصول على تعهد أميركي بتخلي أوكرانيا عن المحافظات الخمس التي يعتبر أنها أصبحت جزءًا من الأراضي الروسية، بالإضافة إلى تفكيك الجيش الأوكراني، ووقف الدعم العسكري الأميركي له، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

من هنا جاء سر اختيار بوتين لمدينة إسطنبول التركية كموقع للمفاوضات مع الجانب الأوكراني، على قاعدة مواصلة المحادثات الأولى التي جرت بين الطرفين بعد التوغل العسكري الروسي داخل الأراضي الأوكرانية، واستكمالًا للشروط التي وضعتها موسكو في بداية الحرب، والتي فشلت بفعل استمرار المعارك، والدعم الغربي، وشراسة المقاومة الأوكرانية في الدفاع عن وجودها.

وبناءً على هذه التوجهات “لقَيصر الكرملين”، تم تشكيل الوفد الروسي المفاوض في هذه المرحلة من أعضاء الوفد السابق الذين التقوا الوفد الأوكراني. ومن هنا أرادت موسكو توجيه رسالة مفادها أن روسيا جاهزة لمواصلة التفاوض مع كييف في إسطنبول، بالشروط نفسها التي أعلنتها منذ ثلاثة أعوام، وكأن شيئًا لم يتغير على مستوى المعارك الدموية، رغم ما كشفته من عجز روسي عن حسم المعركة، وضعف في التسليح والتجهيز، والاضطرار إلى الاستعانة بمرتزقة من مختلف أنحاء العالم، كان آخرهم القوات الكورية الشمالية، التي يدّعي الكرملين أنها ساهمت في تحرير مدينة كورسك.

ولا يزال بوتين يصرّ على عدم الجلوس مع زيلينسكي، حيث يصفه الكرملين بأنه “دمية”، و”مهرّج”، و”فاقد للشرعية”، ولا يمكن الوثوق به لعقد أي اتفاق.

من جهته، يصر بوتين على تهميش الدور الأوروبي في أي مفاوضات مقبلة حول أوكرانيا، ويقدّم نفسه كقطب موازٍ للولايات المتحدة، التي يرفض التفاوض معها إلا بشكل مباشر. وهو يستغل توجّهات الرئيس السابق دونالد ترامب، المتأمل بحل الأزمة الأوكرانية، لكن بوتين يدرك أن ترامب ليس رجل استراتيجيات طويلة الأمد، بل رجل صفقات سريعة، بحكم خلفيته كرجل أعمال. لذلك، يتلاعب بوتين بعامل الوقت لكسب حوافز أفضل.

وبناءً على ذلك، أعلن السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، عن ضرورة عقد لقاء مباشر بين بوتين وترامب. لكنه أشار إلى أن نجاح اللقاء يتطلب تحضيرًا جيدًا ليكون فعّالًا. ووفقًا لنائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، هناك عدد من الشروط الأساسية للتحضير لهذا اللقاء، مشيرًا إلى أن “الأمر لا يقتصر فقط على مسألة التقدم أو عدمه في أوكرانيا”.

الموقف الأميركي المرتقب من المباحثات لإنهاء الأزمة الدموية

يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنّ بوتين منخرط في التسوية، لكن اللقاء معه ضروري للتوصل إلى اتفاق. وفي المقابل، هدّد ترامب بفرض عقوبات قاسية في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وقال خلال مقابلة مع قناة “فوكس نيوز: “بوتين من طلب هذا الاجتماع. بدوني، لن يكون هناك اتفاق. هناك كراهية شديدة بين الجانبين. تربطني علاقة جيدة مع بوتين. أعتقد أننا قادرون على التوصل إلى اتفاق.”

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن دبلوماسيين أوروبيين، أنّ الكرملين سعى في البداية إلى تنظيم حوار مباشر بين بوتين وترامب، دون مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والقادة الأوروبيين. ومن المتوقع حسم مسألة عقد لقاء بين الزعيمين خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.

الموقف الأوروبي الداعم لكييف

فيما كان بوتين يستعرض قوته في احتفال “عيد النصر” في 9 أيار الجاري، ويستقبل ضيوفه المقرّبين وسط مقاطعة عالمية لروسيا احتجاجًا على غزوها لأوكرانيا، كانت كييف على موعد، في 10 أيار، مع قمة “تحالف الراغبين”. وقد استقبلت خلالها أربعة رؤساء قدموا إلى أوكرانيا، وشاركوا في اجتماع مفتوح ضمّ 30 دولة داعمة لكييف، في ظل التراجع الأميركي.

وجّه الاجتماع رسالة واضحة لروسيا مفادها أنّ أوروبا لن تتخلى عن دعمها العسكري والسياسي والمالي لكييف في وجه الغزو الروسي. كما حملت القمة رسالة غير مباشرة إلى الرئيس ترامب تؤكد أنّ دعم أوكرانيا أولوية أوروبية في هذه المرحلة الحرجة، وأنّ الاتحاد الأوروبي على جهوزية تامة للدفاع عنها.

وعلى الرغم من التصعيد الأوروبي بقيادة أربع دول أساسية في الاتحاد — فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، وبولندا — نجح الاجتماع في إقناع زيلينسكي بالتوجه إلى تركيا لعقد لقاء مع بوتين من أجل التفاوض على هدنة لمدة 30 يومًا. كما أظهر الموقف الأوكراني الساعي للسلام، ما وضع بوتين في موقف حرج، إذ إنّه لا يزال يسعى لحسم المعارك وفق خطة تقوم على الاستسلام ورفع الراية البيضاء.

وقد نجح الأوروبيون في إحراج بوتين عبر محاولة جدية لإظهاره أمام ترامب على أنه لا يسعى إلى السلام، بل يراوغ ويُحمّل زيلينسكي المسؤولية. كما استطاع زيلينسكي أن يلفت الأنظار إلى كونه شخصية مستقلة، لا دمية بيد الغرب.

أوكرانيا تدفع ترامب لتبنّي رؤية جديدة

بعد غياب بوتين عن اللقاء، بدأ الإعلام الأوكراني بتوجيه اتهاماته المباشرة إليه، متّهمًا إياه بعرقلة التوافق على خطة السلام، وواصفًا إياه بـ”رجل المخبأ” الذي لا يملك الجرأة على المواجهة. في المقابل، يسعى بوتين إلى هدنة تتيح له إعادة تموضع قواته المنهارة، والتفكير في تطوير صناعات حربية جديدة تُمكّنه من الاستمرار في الحرب. أما أوكرانيا، فهي مستمرة في المواجهة، إذ تحوّلت المعركة بالنسبة للشعب الأوكراني إلى قضية وجود، ودفاع عن الهوية والثقافة والأرض. وقد بات مطلبها واضحًا: العودة إلى تنفيذ اتفاقية عام 1991، المعترف بها دوليًا، دون أي تنازل عن أراضيها.

الكونغرس الأميركي بدوره يترقّب لفرض الحزمة السابعة من العقوبات، بانتظار أي خطأ ترتكبه موسكو، وخصوصًا في حال واصلت استهداف الأهداف المدنية، كما حصل في الضربة “المخاطِرة” التي استهدفت العاصمة كييف مطلع مايو، أو إذا تعثّر الوصول إلى لقاء مباشر يجمع زيلينسكي وبوتين للتوافق على مخرج ينهي الحرب.

انطلاقًا من ذلك، يبدو أن التفاوض بين الطرفين قد لا يصل إلى نتائج إيجابية ما لم يجتمع الرئيسان وجهًا لوجه، ويتوصلا إلى اتفاق فعلي يضع حدًا لهذه الحرب الدموية، ويوقف مسار القتل والتدمير.

التواصل المشروط بين الطرفين

خلال المفاوضات، طلبت كييف عقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي، وقد أُبلغت موسكو بهذا الطلب. وأوضح رئيس الوفد الروسي، فلاديمير ميدينسكي، أن الجانب الروسي مستعد لمواصلة عملية التفاوض، وفي الوقت ذاته أشار إلى أن روسيا قادرة على الاستمرار في الحرب لفترة طويلة، مستشهدًا بالحرب الروسية-السويدية التي استمرت 21 عامًا.

وهدّد الوفد الروسي باحتلال مدينتي خاركيف وتسومي، في حال لم تستجب أوكرانيا للشروط الروسية، وطالب بانسحاب القوات الأوكرانية من المناطق التي تشهد قتالًا، كشرط لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا، وهو شرط لن تأخذه كييف على محمل الجد.

من جهة أخرى، اتفق الطرفان على إطلاق حملة تبادل للأسرى والمحتجزين، بمعدل ألف مقابل ألف، في إطار عمليات تبادل جرت خلال السنوات الثلاث الماضية. ويؤكد هذا التبادل المستمر وجود قنوات اتصال بين الطرفين، لعبت فيها كل من السعودية وقطر والإمارات وتركيا دورًا بارزًا في إنجاح هذه العمليات غير المباشرة.

وعلى الرغم من أن المفاوضات المباشرة الأولى بين الدولتين بدأت منذ ثلاث سنوات، فإنها حققت بعض النتائج الإيجابية، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا تدخل الولايات المتحدة، ورعاية مباشرة من الرئيس الأميركي ونائبه جيه دي فانس، والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وأعضاء آخرين في فريق ترامب، لما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق.

لكنّ الآمال المعلّقة باتت صعبة التحقيق في ظل غياب الجديّة في إنهاء الملف. ومن الواضح أنّ روسيا، عبر التفاوض، تسعى إلى التوصّل لهدنة مؤقتة تسمح لها باستعادة قدراتها، وتجنّب فرض عقوبات جديدة، خصوصًا مع ترقّب الكونغرس الأمريكي السير في الحزمة السابعة عشرة من العقوبات الاقتصادية الثقيلة، التي قد تُجهِض ما تبقّى من قدرات روسيا، وتُثير غضب ترامب.

ذلك أنّ موقف أوكرانيا، المدعوم من الغرب، بعدم التخلي عن أراضيها، قد يُفشِل أي جهود للتفاوض الأمريكي-الروسي، ويُعطّل المسار التفاوضي الذي تريده موسكو، وهي لم تُقدّم حتى الآن أي تنازلات تُرضي واشنطن ذاتها.

المفاوضات بلا أفق، ولذلك تقتضي الأزمة مقاربة دولية جديدة في التعامل معها، خاصة أنها لا تزال تُهدد الأمن والاستقرار الدوليين. وستستمر السجالات الإعلامية بين الطرفين، إلى جانب الاتهامات المتبادلة، إلى أن يتبلور موقف نهائي للرئيس بوتين، وهو موقف يرتبط بالضغوط الغربية التي قد تلعب دورًا مهمًا في تغيير الرؤى والمقاربات الدولية تجاه الأزمة الأوكرانية.

https://hura7.com/?p=54678

 

الأكثر قراءة