الحرة بيروت عن صحيفة “واشنطن بوست” – ترجمة بتصرّف
أنطوني فايولا وميشال بورستاين
لا تُشبه عملية الخلافة البابوية الانتقال السياسي بين رؤساء الدول. إذ كلّما جرى انتخاب بابا جديد، قلب السلف علناً إرث الخلف. فالأسلوب، والأولويات، والتوجيهات، وحتى القوانين، قد تشهد تحولات عميقة مع تولّي بابا جديد السدّة البابوية.
عُرف البابا بنديكتوس السادس عشر بصلابته في الدفاع عن العقيدة الكاثوليكية، بينما كان البابا فرنسيس يُلقَّب بـ”بابا الشعب” لتواضعه وكاريزماه، وانفتاحه على المهمشين. واليوم، يبدو أن مستقبل الكنيسة الكاثوليكية واستمرارية إرث البابا فرنسيس مرتبطان بمخرجات مجمع الكرادلة المقبل، الذي يُعتبر الأكثر غموضاً منذ عقود.
يجري اختيار البابا الجديد عبر عملية معقّدة تشمل جولات اقتراع سري وصلوات، إلى جانب مناورات سياسية تدور خلف الكواليس. وثمة تساؤلات كبيرة تُطرح بشأن خيارات البابا المقبل: هل سيواظب على تقاليد البابا فرنسيس، مثل الإقامة في بيت ضيافة متواضع داخل الفاتيكان، أم سيعود إلى الشقة البابوية الفخمة؟ وهل سيواصل انتهاج سياسة “أبواب الكنيسة مفتوحة للجميع”، أم سيُعيد رسم الحدود في قضايا مثل مباركة الأزواج المثليّين؟
رغم إشادته بسلفه، بنديكتوس، تراجع فرنسيس عن إحياء القداس اللاتيني التقليدي. وهذا التحول إنما أثار ردود فعل غاضبة لدى المحافظين الذين يعوّلون على بابا جديد أكثر تمسّكاً بالتعاليم التقليدية، وأقل انفتاحاً تجاه قضايا مثل المطلّقين الكاثوليك والمثليّين.
في المقابل، يرى القس جيرالد موراي (وهو كاهن في مدينة نيويورك ومعلّق محافظ) أن فرنسيس سيُذكر كبابا سعى إلى تغيير الممارسات الكاثوليكية، خاصة من خلال موقفه المناهض لعقوبة الإعدام وتصريحاته حول قيمة الأديان كافة كطُرق موصلة إلى الله. ويرجّح أن البابا المقبل سيُضطر إلى التعامل مع هذه القضايا ويأمل بأن يُعيد التأكيد على تعاليم الكنيسة الثابتة.
أما حلفاء فرنسيس، فيأملون بأن يستمر البابا المقبل في مراكمة إرثه كصوت للتحنّن. لكن في الواقع، لا توجد أي ضمانات حيال ما سيظل قائماً من إنجازات البابا الراحل.
ما غيّره فرنسيس — وما قد يتغيّر مرة أخرى
غيّر فرنسيس بشكل جذري الصورة الإعلامية للكنيسة الكاثوليكية. والأخيرة كانت عرضة لانتقادات شديدة في بداية حبريته بسبب الفساد وسوء التعامل مع قضايا الاعتداءات الجنسية. فقد عمل على محاربة الفساد داخل الفاتيكان من خلال فرض قيود على كبار المسؤولين في ما يتعلق بالتعامل مع المال وتلقّي الهدايا، كما فرض عقوبات جديدة على رجال الدين المسيئين.
ورغم أنه لم يغيّر المواقف العقائدية للكنيسة بشكل جذري، إلا أنه أحدث تغييرات في أسلوبه ونبرته، مؤكداً على تمسكّه بنذر الفقر وبأولوية البعد الرعوي في رسالته.
أما بما يختص بالعلاقات مع الأديان الأخرى، فقد وسّع فرنسيس شبكة العلاقات الدبلوماسية للفاتيكان في الشرق الأوسط، ووقّع “وثيقة الأخوة الإنسانية” مع الإمام الأكبر للأزهر، وهو ما يعكس رؤيته لكنيسة أكثر مرونة.
ومع ذلك، فإن باستطاعة البابا المقبل عكس بعض هذه التغييرات. إذ من السهل أن يتراجع عن انتعال الأحذية السوداء البسيطة التي ارتداها فرنسيس والعودة إلى تلك الحمراء التقليدية – وهو ما قد يُعتبر غير ملائم في ظل الأزمة المالية الحالية في الفاتيكان. كما أن توجيه البابا بشأن مباركة الأزواج المثليّين قد يُلغى، خاصةً وأن هذه الخطوة جاءت كتفسير رعوي لتعريف الكنيسة الحالي لمنح البركة، وعُرضت على الكهنة كخيار طوعي فحسب.
ومن الناحية الإدارية، يُتوقّع أن تستمر التأثيرات الملموسة لحبريّة فرنسيس في تعزيز دور العلمانيين في اتخاذ القرار داخل الكنيسة، حيث كان قد خالف التقاليد وأتاح المجال للنساء والعلمانيين للانخراط في المناصب الفاتيكانية العليا بدون رسامة كهنوتية.
توقّعات المجمع
يرى مراقبون في الفاتيكان أن فرنسيس عمل على حماية إرثه من خلال تشكيل مجموعة من الكرادلة الذين سيختارون البابا المقبل. فقد عيّن 108 من أصل 135 من الكرادلة الذين لا تتجاوز أعمارهم 80 عاماً، وهو ما يضمن أغلبية تفوق ثلثي الأصوات المطلوبة لتحديد خليفته. صحيح أن بين الأسماء المطروحة كمرشحين من هم قريبون من رؤية فرنسيس، مثل الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي من الفلبين، إلا أن الاعتقاد بأن الكرادلة الذين عيّنهم البابا الراحل سيختارون نسخة طبق الأصل عنه سيكون خاطئاً.
والحال أن هذا المجمع سيكون تاريخياً بحجمه وتنوّعه، ما يجعل من تنبؤ ميوله مسألة أكثر صعوبة. فقد عمل فرنسيس على تعيين كرادلة من مناطق غير ممثلة جيداً من العالم الكاثوليكي. والعديد من هؤلاء هم جدد نسبياً، ولا يعرفون بعضهم البعض جيداً، ما قد يعزّز تأثير اللوبيات داخل المجمع. ومع ذلك، سيكون من الصعب على تقليدي متشدّد أو إصلاحي راديكالي الحصول على دعم من الكتلة الوازنة من الأصوات المعتدلة.
رابط المقال: https://hura7.com/?p=50672
رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468