السبت, مارس 15, 2025
3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إقرار موازنة 2025 بمرسوم: بين الضرورة الدستورية والتجاوزات القانونية

الحرة بيروت ـ خاص

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية، أقرَّ مجلس الوزراء في 6 آذار/مارس 2025 موازنة العام الحالي بموجب مرسوم، مستنداً إلى المادة 86 من الدستور التي تتيح للحكومة اتخاذ هذه الخطوة في حال انقضاء المهلة الدستورية دون إقرار الموازنة في المجلس النيابي. وقد جاء هذا القرار في ظل أوضاع استثنائية فرضتها التطورات السياسية والعسكرية التي شهدها لبنان منذ أيلول/سبتمبر 2024، حين أُحيل مشروع الموازنة إلى البرلمان من قبل حكومة تصريف الأعمال السابقة برئاسة نجيب ميقاتي.

لجنة المال والموازنة والمسؤولية عن الفراغ التشريعي

كان يُفترض أن تتولى لجنة المال والموازنة دراسة المشروع الذي أحالته الحكومة في 23 أيلول/سبتمبر 2024، وتعديله بما يتناسب مع المستجدات، خصوصاً بعد الحرب الإسرائيلية التي فرضت واقعاً اقتصادياً جديداً يستلزم إعادة تقييم أولويات الإنفاق والإيرادات. إلا أن اللجنة لم تعقد أي اجتماع منذ 11 أيلول/سبتمبر 2024، ما أدى إلى ترك المشروع دون مراجعة أو تعديل، والاكتفاء بمواقف إعلامية ومطالبة الحكومة باسترداد المشروع، دون المبادرة إلى دعوة اللجنة للانعقاد.

هذا الإخفاق في أداء اللجنة وضع الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام أمام خيارين: إما إعادة تقديم مشروع موازنة جديد، وهو مسار قد يستغرق وقتاً طويلاً، أو اللجوء إلى المادة 86 من الدستور لإقرار الموازنة بمرسوم، وهو الخيار الذي اعتمدته الحكومة رغم ما يطرحه من إشكاليات دستورية وقانونية.

موازنة لا تراعي الأولويات المستجدة

منذ إعداد مشروع الموازنة وإحالته إلى المجلس النيابي، شهدت البلاد تغييرات جوهرية، أبرزها تداعيات الحرب على المالية العامة والنشاط الاقتصادي. فالموازنة التي أُقرّت لا تتضمن أي تخصيص واضح لإعادة الإعمار، ولا تعكس التراجع المحتمل في الإيرادات نتيجة انخفاض النشاط الاقتصادي، فضلاً عن غياب أي مقاربة شاملة لمعالجة الأزمة المالية المستمرة.

علاوة على ذلك، فإن الموازنة التي صيغت قبل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، لا تتضمن أي إصلاحات تتماشى مع الوعود التي وردت في خطاب القسم والبيان الوزاري. فهي أقرب إلى موازنة تشغيلية تفتقر إلى رؤية اقتصادية أو مالية واضحة، ما يعني أن أي إنفاق على إعادة الإعمار سيتم من خارج إطار الموازنة، على غرار ما حدث بعد عدوان تموز 2006، ما يثير مخاوف بشأن غياب الرقابة والشفافية.

إقرار الموازنة دون قطع حساب: استمرار التجاوزات الدستورية

إحدى الإشكاليات الكبرى التي تطرحها هذه الموازنة تتمثل في إقرارها دون قطع حساب للسنوات السابقة، وهو ما يخالف المادة 87 من الدستور التي تشترط إرفاق كل موازنة بتقرير قطع حساب يوضح كيفية إنفاق الأموال العامة. ورغم أن الحكومة الحالية تعهدت بإعداد موازنة إصلاحية لعام 2026، إلا أنها لم تلتزم بأي خطوات واضحة لحل هذه المشكلة المزمنة، التي لم يُنجز أي حل لها منذ عام 1994.

عدم إقرار قطع الحساب لا يمس فقط بمصداقية المالية العامة، بل يفتح أيضاً الباب أمام إمكانية الطعن في الموازنة، ما قد يؤدي إلى إبطالها قانونياً.

إشكالية فرض الضرائب بمرسوم: جدل دستوري مستمر

من القضايا القانونية الأخرى التي أثيرت حول المرسوم، مسألة فرض وتعديل الضرائب والرسوم، حيث ينص الدستور في المادتين 82 و83 على أن هذا الأمر من اختصاص السلطة التشريعية حصراً. ورغم أن الحكومة أكدت أنها ستحيل مشاريع قوانين إلى المجلس النيابي لتعديل الضرائب والرسوم الواردة في الموازنة، إلا أن ذلك لا يلغي الجدل حول مدى قانونية المرسوم بحد ذاته.

الجهة المختصة للطعن في المرسوم: مجلس شورى الدولة أم المجلس الدستوري؟

أثار إقرار المرسوم نقاشاً قانونياً حول الجهة المختصة بالنظر في الطعون المقدمة ضده. هناك رأيان قانونيان رئيسيان في هذا الشأن:

  • الاتجاه الأول يرى أن مجلس شورى الدولة هو الجهة المخولة بالنظر في الطعن، استناداً إلى المادة 19 من الدستور التي تحصر صلاحيات المجلس الدستوري بمراجعة دستورية القوانين فقط، وليس المراسيم التي لها قوة القانون.
  • الاتجاه الثاني يستند إلى المادة 18 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، التي تمنحه صلاحية مراجعة “سائر النصوص التي لها قوة القانون”، ما يفتح الباب أمام احتمال قبول المجلس الدستوري للنظر في الطعن.

في ظل هذا الجدل، لا يُستبعد تقديم طعون أمام الجهتين مع احتمال نشوء تنازع على الاختصاص، ما قد يستدعي تدخلاً قضائياً لحسم المسألة.

أزمة تشريعية تستدعي إصلاحاً سياسياً

إقرار موازنة 2025 بمرسوم يعكس أزمة أعمق في آلية إعداد وإقرار الموازنات العامة في لبنان، حيث تتكرر منذ عقود ظاهرة التجاوزات الدستورية نتيجة التعثر السياسي والجمود المؤسساتي. وبينما قد يكون القرار مستنداً إلى الضرورات العملية في ظل عدم انعقاد البرلمان، إلا أنه يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى احترام الأطر الدستورية والقانونية، وضرورة إصلاح المنظومة المالية والتشريعية لضمان شفافية الإنفاق العام واستعادة الثقة بالمالية العامة.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ستكون هذه الموازنة سابقة تُكرَّس في المستقبل، أم أنها ستشكل دافعاً للبدء بإصلاحات جوهرية تنهي حالة الاستثناء المستمرة؟

https://hura7.com/?p=46361

الأكثر قراءة