السبت, يوليو 27, 2024
18.8 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إنفجار مرفأ بيروت: بين الحقيقة والتكهّنات . الجزء الرابع.

بقلم  الكاتبة والصحفية كارين عبد النور

السفينة تغرق والخطر يتضاعف

بقيت شحنة نترات الأمونيوم مخزّنة داخل العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت بقرار قضائي، في وقت كانت فيه الباخرة Rhosus لا تزال راسية في المرفأ. وبعد متابعات دامت لأكثر من سنة بين الشركات المالكة للشحنة مع الوكلاء في لبنان لاستردادها، أظهرت البيانات أن مادة نترات الأمونيوم قد أصابها التلف، فتخلّى مالكوها عنها وبقيت في عهدة مرفأ بيروت والإدارات المعنية.

صدفة أم قرار؟

حدث غريب آخر حصل تزامناً مع قضية الباخرة Rhosus، ألا وهو وصول شحنة تحتوي على حوالى ألف وستة أطنان من نترات الأمونيوم إلى مرفأ طرابلس في العام 2014. وهي كمية تفوق حاجة الاستهلاك المحلي اللبناني لعام ونصف تقريباً. لكن مع ذلك، تمّ إدخالها إلى الأراضي اللبنانية. مع الإشارة هنا إلى أن نترات الأمونيوم المعدّ للاستخدام الزراعي يُصنَّع بنسبة أزوت لا تتخطى الـ32.5%، وإلّا بات قابلاً للاستخدام في عمليات التفجير.

أما نترات الأمونيوم الذي رُمي في مرفأ بيروت، فقد بلغت نسبة الأزوت فيه 34.7%، ما يعني أن النوايا كانت واضحة منذ أن حطّت الباخرة رحالها في لبنان، خصوصاً وأن البلد لا يملك أصلاً أي مناجم تستدعي التفجير. فهل كان إدخال الحمولة واختيار العنبر رقم 12 مجرّد صدفة أم أن وراء الصدفة حكاية أخرى؟ وهل كان ثمة قرار مسبق بإيصال الباخرة وحمولتها إلى بيروت، لمصلحة “زبائن” يدركون قيمة البضاعة وجدواها، أو أن القصة بدأت عندما كشفت السلطات على حمولتها، وقرّرت الاستفادة منها طالما أن صاحبها متوارٍ، والطاقم متروكٌ لقدره؟

الجيش يتدخّل

ندع التساؤلات جانباً ونكمل مع الوقائع. في 2015/06/05، أعاد المدير العام السابق للجمارك، شفيق مرعي، إرسال كتابه إلى قاضي الأمور المستعجلة، جاد معلوف، مقترحاً إعادة البضائع إلى الخارج، فأحيل طلبه إلى هيئة القضايا في وزارة العدل. وفي 2015/07/22، ورد من هيئة القضايا استدعاء بنسختين لضمّ الملف، فأصدر القاضي معلوف قراراً بتكليف الجهة المستدعية توضيح أمور عدّة تخصّ الباخرة.

كذلك، وفي 2015/10/21، رفعت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني كتاباً إلى قيادة الجيش يحمل الرقم 2891، اقترحت فيه تكليف أركان الجيش للتجهيز إيفاد خبير عسكري للكشف على المادة المخزّنة وتقييم مدى خطورتها وتقديم الاقتراحات المناسبة في هذا الشأن. وفي اليوم نفسه، واستناداً إلى قرار قائد الجيش آنذاك، العماد جان قهوجي، تمّ تكليف أركان الجيش للتجهيز بإجراء اللازم.

بعدها توجّهت قيادة الجيش بكتاب يحمل الرقم 74882/تجهيز تقني/ إلى مديرية الجمارك تطلب منها سحب عيّنة وإجراء تحليل مخبري للمادة المخزّنة في العنبر رقم 12، وتحديد نسبة الأزوت التي تدخل في تركيبها. فجرى تكليف الخبيرة مكرزل مجدّداً ليتبيّن أن البضاعة تحتوي على نسبة %34,7 أزوت، ما دفع بالمراقب أول في الجمارك، نعمة البراكس، إلى رفع كتاب مجدّداً إلى رئاسة المصلحة يطلب فيه تسليم المواد فوراً إلى الجيش اللبناني أو إعادة تصديرها إلى الخارج.

بين الأخذ والردّ

بتاريخ 2016/02/27، أبلغ مرعي قيادة الجيش خطياً بنتيجة الكشف على مادة نترات الأمونيوم. وأفادت مديرية العتاد في الجيش اللبناني، بموجب البطاقة التفسيرية رقم 1003/تجهيز تقني/ بتاريخ 2016/03/29، أن الجيش ليس بحاجة للمادة المذكورة لحجم كميّتها الكبير وكون استعمالاتها محدودة ولعدم وجود أمكنة شاغرة أو قدرة على التخلص منها أو تلفها. كما اقترحت المديرية التواصل مع “الشركة اللبنانية للمتفجرات – مجيد الشماس” لتبيان إمكانية الاستفادة من المواد أو إعادة تصديرها. عندها أرسل مرعي كتاباً إلى القاضي معلوف لإعلامه بالأمر، لكن الأخير عاود تأكيد قراراته السابقة بردّ الطلب شكلاً وإحالة الكتاب إلى هيئة القضايا بصفتها صاحبة الاختصاص.

ليس هذا فحسب. ففي 2016/06/17، حوّل مرعي كتاباً إلى علي حسن خليل، وزير المالية في حكومة الرئيس تمام سلام، لتحويله إلى قاضي الأمور المستعجلة. لكن القاضي معلوف أعاد ردّ الطلب شكلاً بعد أربعة أيام. بالمقابل، وبعد تسلّم المدير العام الجديد للجمارك، بدري ضاهر، مهامه، أرسل كتاباً إلى قاضي الأمور المستعجلة بتاريخ 2017/07/19 يطلب منه اتخاذ القرار اللازم وفق طلبات الجمارك السابقة، فأصدر القاضي معلوف قراراً بإبلاغ الجهة المستدعية مجدّداً والبحث باختصاص المحكمة.

Rhosus تغرق رغم التحذيرات

من جهتها، كانت الباخرة Rhosus لا تزال راسية في مرفأ بيروت وكان واضحاً أنها متّجهة نحو الغرق. فأرسل المدير العام للنقل البري والبحري، عبد الحفيظ القيسي، كتاباً إلى وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة الرئيس سعد الحريري، يوسف فنيانوس، يطلب فيه اتخاذ الإجراءات المناسبة للبتّ السريع والفوري بقضية الباخرة المعرّضة للغرق بعدما أصبحت مهترئة بشكل كبير، لكن لم يأتِ الردّ.

على خطّ آخر، عاود ضاهر إرسال كتابه إلى قاضي الأمور المستعجلة، فردّت قاضية العجلة، كريستين عيد، بقرار يقضي بإبلاغ الجهة المستدعية طلب مديرية الجمارك لكونها صاحبة الصفة والسير بالملف، وهو قرار نسخة طبق الأصل عن القرار السابق للقاضي معلوف.

وبين المماطلة والمراوغة، غرقت الباخرة Rhosus في البحر داخل حرم مرفأ بيروت فعلاً في 2018/02/18. وعليه، عاد القيسي وأرسل كتاباً إلى هيئة القضايا طالباً أن تتّخذ دائرة تنفيذ بيروت الإجراءات اللازمة للبتّ بقضيتها، لا سيّما وأنها غرقت وأصبحت حطاماً وتنطبق عليها أحكام المادة الحادية عشرة من القرار 166 لتهديدها الملاحة البحرية والسلامة العامة.

من الحطام إلى النترات مجدّداً

ستة أشهر مرّت على إرسال الوزير فنيانوس الكتاب إلى دائرة تنفيذ بيروت ولم يصل الجواب. فعاد وأرسل الطلب مجدّداً في 2018/09/12 ليأتي الردّ من خلال قرار إعدادي صدر عن رئيسة دائرة تنفيذ بيروت، القاضية ميرنا كلّاب، يقضي ببيع حطام الباخرة بالمزاد العلني، على أن يسبق ذلك تعيين الخبير فؤاد الشعّار وتكليفه بالكشف على حطام الباخرة وتخمينه. ولم يأتِ القرار على ذكر مادة نترات الأمونيوم الموجودة في العنبر رقم 12.

رغم تعيينه، لم ينجز الشعّار مهامه بسبب الخلافات الإدارية بين وزارة الأشغال وهيئة القضايا حول تسديد بدل أتعابه، فعُيّن الخبير حسام حيدر بدلاً عنه. وفي 2020/02/08، توجّه حيدر إلى مرفأ بيروت مع محامي الدولة، عمر طرباه، للكشف على الباخرة. لكن الثاني أبلغ الأوّل أن الباخرة غرقت وأصبحت خردة بلا قيمة مادية، والهدف هو الكشف على حمولتها، في حين أن قرار التكليف كان ينقصه تدوين عبارة “السفينة وحمولتها”، وبالتالي سيقوم بمراجعة دائرة التنفيذ لإضافة كلمة “الحمولة” لغرض تنفيذ المهمة بشكل صحيح.

دخل الخبير حيدر إلى العنبر رقم 12 حيث لاحظ وجود كمية ضخمة من الأكياس قديمة العهد وموضوعة بشكل عشوائي وغير منتظم. بينما ظهر على بعضها علامات التمزيق وتسرُّب محتوياتها.

تأكيد المؤكّد

إذا، غرقت الباخرة بعد حوالى ثلاثة أعوام على رسوّها في المرفأ، ولم تنجح مساعي تعويمها أو ترحيلها. ولم يُسمع منذ ذلك الوقت شيء عن الطاقم أو عن صاحب الباخرة أو حتى عن الشاري الذي كان يُفترض أن يتسلّم بضاعته في الموزمبيق. ومع حادثة الغرق، غرق اللبنانيون في تساؤلات عمّا حصل وكيف ولماذا؟

لكن لا إجابات شافية باستثناء ما هو مؤكّد: المراسلات الإدارية والقضائية التي تُبيّن بوضوح أن السلطات اللبنانية على جميع مستوياتها الإدارية والجمركية والقضائية والسياسية، كانت على بيّنة بما يحصل ولم تعر المسألة أي اهتمام كما لم يكن تعاطيها بقدر المسؤولية.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكرّرة، لم تضع الأجهزة الأمنية يدها على الباخرة، لا بل راوحت المراسلات بين قاضي الأمور المستعجلة والأجهزة الجمركية بوتيرة بطيئة جداً امتدّت لسنوات، كانت الحمولة خلالها مركونة في العنبر رقم 12 بانتظار أن يحين موعد الاستعمال.

 

https://hura7.com/?p=17072

 

الأكثر قراءة