خاص – عندما التقى دونالد ترامب بفولوديمير زيلينسكي في نيويورك في سبتمبر 2024، أبدى المرشح الرئاسي الأمريكي آنذاك ثقته بقدرته على إنهاء الحرب في أوكرانيا مبكراً. وأكد: “إذا فزنا، أعتقد أننا سنُنهيها بسرعة كبيرة”. لقد مضى فترة على تولي ترامب منصبه، وربما بدأ البيت الأبيض يدرك أن محاولة إنهاء صراع مرير ومعقد مثل هذا قد تستغرق وقتاً طويلاً. واعترف الرئيس الأمريكي بأنه عندما وعد بإنهاء الحرب خلال يوم واحد، كان “ساخراً بعض الشيء”. فهناك العديد من الأسباب وراء التقدم الأكثر بطؤاً مما توقعه فريق ترامب.
أولاً: ربما كان إيمان الرئيس بقوة دبلوماسيته الشخصية والفردية في غير محله. فلطالما آمن بإمكانية حل أي مشكلة دولية إذا جلس مع زعيم آخر وتوصل إلى اتفاق. تحدث ترامب لأول مرة مع فلاديمير بوتين في 12 فبراير 2025، لمدة ساعة ونصف، وصفها بأنها “مثمرة للغاية”. ثم تحدث الزعيمان مجدداً في 18 مارس 2025.
لكن من الواضح أن هذه المكالمات الهاتفية فشلت في تأمين وقف إطلاق النار المؤقت الفوري لمدة 30 يوماً الذي أراده ترامب. وكان التنازل الجوهري الوحيد الذي انتزعه من بوتين هو وعد بإنهاء الهجمات الروسية على منشآت الطاقة الأوكرانية، وهو التزام تتهمه أوكرانيا بنقضه بعد ساعات من المكالمة.
ثانياً: أوضح الرئيس الروسي أنه لا ينوي التسرع. وجاءت أول تصريحاته العلنية حول المفاوضات في مارس 2025 في مؤتمر صحفي، بعد شهر كامل من مكالمته الهاتفية مع ترامب.
أبدى بوتين معارضته القاطعة لاستراتيجية الولايات المتحدة ذات المرحلتين، والمتمثلة في السعي إلى وقف إطلاق نار مؤقت قبل الحديث عن تسوية طويلة الأمد. وبدلاً من ذلك، قال إن أي محادثات يجب أن تتناول ما يراه “الأسباب الجذرية للحرب”، أي مخاوفه من أن توسع حلف الناتو ووجود أوكرانيا كدولة ذات سيادة يُشكلان تهديداً لأمن روسيا. كما طرح أسئلة وشروطاً مفصلة يجب الإجابة عليها وتلبيتها قبل التوصل إلى أي اتفاق.
ثالثاً: ربما أخطأت الاستراتيجية الأمريكية في توجيه تركيزها الأولي على أوكرانيا. فقد توصل البيت الأبيض إلى اعتقاد مفاده أن الرئيس زيلينسكي هو العقبة أمام السلام. ويقر دبلوماسيون غربيون بأن الحكومة الأوكرانية تباطأت في إدراك مدى تغير العالم مع وصول ترامب. لكن الضغوط الأميركية على كييف، والتي أدت إلى المواجهة في المكتب البيضاوي ــ عندما هاجم ترامب ونائبه جيه دي فانس الزعيم الأوكراني ــ استهلكت الوقت والجهد ورأس المال السياسي.
كما أدى ذلك إلى تمزيق العلاقات عبر الأطلسي، مما ساهم بتوتر العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة، وهي مشكلة دبلوماسية أخرى استغرقت وقتاً لتسويتها. في هذه الأثناء، جلس فلاديمير بوتين مستمتعاً بالعرض، منتظراً الفرصة المناسبة.
رابعاً: إن تعقيد الصراع الشديد يجعل أي حل صعباً. وكان العرض الأوكراني في البداية وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار جواً وبحراً. حيث تمحورت الفكرة حول السهولة النسبية لرصد هذا الوقف.
لكن في محادثات مارس 2025 في جدة، أصرت الولايات المتحدة على أن يشمل أي وقف فوري لإطلاق النار خط الجبهة الشرقي الذي يمتد لأكثر من 1200 كيلومتر. وأدى ذلك على الفور إلى تعقيد الإجراءات اللوجستية للتحقق من أي وقف لإطلاق النار. وهو ما رفضه بوتين بالطبع.
لكن حتى موافقته على الاقتراح الأكثر تواضعاً – إنهاء الهجمات على البنية التحتية للطاقة – لا تخلو من بعض المشاكل. فتفاصيل هذا الاقتراح ستشغل حيزاً كبيراً من المفاوضات الفنية المُتوقع إجراؤها في السعودية. وسيُعدّ خبراء عسكريون وخبراء في مجال الطاقة قوائم مُفصّلة بمحطات الطاقة المُحتملة – النووية وغيرها – التي يُمكن حمايتها.
سيحاول هؤلاء الاتفاق على أنظمة الأسلحة التي لا ينبغي استخدامها. لكن الاتفاق على الفرق بين الطاقة والبنية التحتية المدنية الأخرى قد يستغرق بعض الوقت. فأوكرانيا وروسيا لا تتبادلان الحديث؛ بل تتواصلان بشكل منفصل وثنائي مع الولايات المتحدة التي تعد بتبادل الزيارات بين الجانبين. وهذا يُضيف إلى الوقت مجدداً.
خامساً: أدى تركيز الولايات المتحدة على الفوائد الاقتصادية لوقف إطلاق النار إلى صرف الانتباه عن أولوية إنهاء القتال. وقد أمضى ترامب وقتاً في محاولة التوصل إلى اتفاق إطاري يتيح للشركات الأمريكية الوصول إلى المعادن الأوكرانية الأساسية. وقد اعتبر البعض ذلك استثماراً أمريكياً في مستقبل أوكرانيا، بينما اعتبره آخرون ابتزازاً لموارد البلاد الطبيعية.
جادل زيلينسكي في البداية بأنه لا يمكنه الموافقة على صفقة إلا إذا وعدت الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا بضمانات أمنية لردع أي عدوان روسي مستقبلي. لكن رفض البيت الأبيض قائلاً إن وجود شركات التعدين والعمال الأمريكيين سيكون رادعاً كافياً. وفي النهاية، أقر زيلينسكي بالهزيمة وقال إنه سيوافق على صفقة معادن دون ضمانات أمنية. لكن على الرغم من ذلك، لم توقع الولايات المتحدة على الاتفاقية بعد، آملةً مجدداً في تحسين شروطها، ربما من خلال تضمين الوصول إلى محطات الطاقة النووية الأوكرانية أو حتى ملكيتها.