الثلاثاء, يوليو 15, 2025
26.9 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

إنهيار النظام الإيراني: مدخل إلى شرق أوسط جديد

خاص. ترجمة. لم تأتِ العملية التي قامت بها حماس في السابع من أكتوبر من فراغ. فالمسار السلمي الذي اعتمدته دول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، بعد أن أثبت نجاحه في الإمارات والبحرين، وصولاً إلى التقارب مع المغرب وغيرها من الدول العربية، تسبب بحرب كبرى بدأت في غزة وامتدّت إلى لبنان.

لقد صرّحت القيادة الإيرانية بأن الدافع لكل ما جرى كان بالفعل نجاح المسار السلمي الذي استبعد طهران عن طاولة المفاوضات، وكاد يُسقط كل التحضيرات العملانية والأدوات والحروب الجانبية التي قادتها في المنطقة، خاصة ادّعاء طهران بسيطرتها على  الشرق الأوسط، وبالتحديد على أربعة عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وخلق المشاكل لبقية الأنظمة والدول العربية المتلهية بأمورها الداخلية من تونس إلى ليبيا والسودان وغيرها دون أن نذكر الصومال ومشاكله التي لا نهاية لها.

من هنا، وبحسب المراقبين، كان “طوفان الأقصى” زلزالاً، ليس فقط في الجانب الإسرائيلي حيث قُتل حوالى ألف شخص وأُسِر أكثر من ثلاث مئة، ولكن من حيث التفوق الذي أظهرته سرعة العملية ونتائجها على الشارعين الإسرائيلي والعربي، ما دفع إسرائيل لاعتبار المرحلة حرباً وجودية.

ضربة موفّقة لإيران من أجل إثبات وجودها في ساحة الشرق الأوسط والتأكيد بأن أية حلول لا تشارك فيها طهران سوف يكون مصيرها الفشل الذريع. غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان يعتبر دوماً بأن النظام في إيران وبرنامجه النووي هما الخطر الحقيقي الذي يهدّد مستقبل إسرائيل والمنطقة، لم يقف مكتوف الأيدي. لا بل استدعى مئة ألف من جنود الاحتياط وحضّر إسرائيل لحرب كبيرة وطويلة لم يفهم العالم أبعادها وقتها. ومن ثم هاجم غزة بشدة آخذاً بعين الاعتبار كل ما ستحشده الماكينة الإيرانية واليسارية في العالم ضدّ العملية المكلفة إنسانياً لسكان غزة وإسرائيل على السواء.

غير أن الحكم في طهران لم يكتفِ بعملية غزة، بل دفع ذراعه في لبنان لما أسماه “حرب الإشغال” حيث بدأ “حزب الله” بأعمال عسكرية ضدّ مواقع إسرائيلية بهدف تشتيت تركيز القوات الإسرائيلية عن جبهة غزة وإلهائها في الشمال، مع الحرص على عدم تحويل الحرب إلى شاملة، ما يهدّد النظام الإيراني.

لم يُعِر الإسرائيليون هذه العملية الكثير من الانتباه طيلة أحد عشر شهراً حتى انتهوا بالكامل من السيطرة على جبهة غزة.

صحيح أن عملية الحد من قدرة حزب الله بشكل كامل ليست سهلة، ولكنها ضرورية وأساسية لقطع يد طهران عن التلاعب بأمن وسلام كافة الدول في المنطقة وخارجها. والتي تسببت ولا تزال بدمار الكثير من المنشآت والأبنية في قرى ومدن لبنانية بعيدة عن الحدود، وليس فقط تلك الواقعة على الخط الأزرق والتي كانت هذه الميليشيا قد حضرتها وحصّنتها منذ العام 2006 لتكون قاعدة انطلاق لعملياتها ضد إسرائيل.

ففي الردود الأولى، جرى استهداف بعض الرموز القيادية في حزب الله، غير أن قيادته لم ترتدع عمّا أسمته “حرب المشاغلة”، رغم تدخل دول العالم والطلب بتنفيذ القرار الدولي 1701 الذي يدعو إلى تراجع المسلحين إلى شمالي الليطاني تمهيداً لوقف الأعمال العدائية وعودة النازحين من شمال إسرائيل إلى بيوتهم. لا بل اشترطت هذه القيادة ربط وقف القصف، وليس الانسحاب، بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في غزة، لكي يتسنى لطهران الإعلان عن انتصارها، رغم كل الدمار والضحايا.

هذا ما رفضته الحكومة الإسرائيلية بالطبع، وقررت المضي بعملية “تفكيك قيادات” “حزب الله”. فانطلقت عملية الهجوم النوعي، حيث أصيب كل من يحمل جهازاً، أي غالبية المسؤولين دفعة واحدة، كانت هي مفتاح الحرب الفعلية. ومن ثمّ تواصلت عمليات التخلص من الرموز الكبرى وعلى رأسها قيادة القيادات العسكرية. وترافقت هذه العمليات مع مقتل ضباط من الحرس الثوري.

الضربات المؤلمة لـ”حزب الله” في لبنان دفعت، ليس إلى التراجع، إنما إلى التمسك أكثر فأكثر بالمواقع الهجومية في لبنان. وقد كلّف الحزب عناصر من جماعة الحرس الثوري قيادة المناطق والأسلحة وحتى بعض الوحدات مباشرة، لا بل استعان بعناصر خارجية أيضاً من العراق واليمن، لمنع اللبنانيين، المتأثرين بمعاناة عائلاتهم وأقاربهم والذين يخافون على قراهم وممتلكاتهم، من القبول بشكل أو بآخر بفرض نوع من وقف لإطلاق النار. من هنا كانت ضراوة القتال واستمرار القصف دون التأثر بما يجري على الأرض من قتل ودمار، خاصة مع تخزين الأسلحة والذخائر بين البيوت وداخل المجمعات السكنية.

يتسائل المراقبون لماذا تتأخر إسرائيل في تنظيف المواقع القريبة من الحدود من دون التقدم إلى الداخل وفرض الأمر الواقع على المقاتلين، الذين يبدو أنهم لا زالوا صامدين. وقد يكون التفسير هو دفع الإيرانيين لجلب أكبر عدد من المقاتلين الغرباء إلى هذه الساحة والتخلص منهم في مناطق يعرفها جيش الدفاع ويحسن القتال فيها. ولكن إلى متى ستستمر الماكينة الإيرانية بدفع مقاتلين، إن من اللبنانيين أو من الغرباء الذين علقوا بالمستنقع في سوريا أولاً وفي لبنان اليوم؟ وهل سيسمح الإسرائيلون باستمرار ساحة لبنان مفتوحة على مصراعيها لكل الحاقدين الذين جنّدتهم ماكينة الملالي الحاقدة؟

اليوم، وبعيد محاولة استهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي في مركز إقامته في قيسارية بمسيرة أطلقت من لبنان بأوامر إيرانية، وربما بتنفيذ إيراني أيضاً، سيرتدّ الغضب دون شك على نظام الملالي وقد يسرّع في سقوطه.

إن نهاية نظام الملالي سترفع عن كاهل شعوب المنطقة ثقل أوهام الأحكام الآتية من مجاهل التاريخ، والتي عطّلت الفكر وأوقفت تقدم الكثير من الأجيال الواعدة. وهي ستطلق الكثير من حركات التحرر وإعادة النظر بمفاهيم الحقد البالية ونظريات التمييز بين الناس والتي تمنع التعاون وتوقف التطور.

فهل سننتظر بعد لندخل إلى شرق أوسط جديد لا يفهمه أولئك المتحجرون بنظريات القرن الماضي أو بفلسفات القرن التاسع عشر التي تجاوزها الزمن والتكنولوجيا، والتي جعلت من العالم قرية صغيرة لا يمكنها إلا أن تتعاون على الخير والابداع والتطور؟

https://hura7.com/?p=35872

الأكثر قراءة