مع تصاعد العنف بين إسرائيل وحزب الله، تحاول إيران الموازنة عبر دعم حزب الله من دون الانجرار إلى نزاع شامل والسقوط في فخ الحرب.
وبينما تركّز على الحد من عزلتها وإنعاش اقتصادها، تدرك إيران أن من شأن الحرب أن تعقّد جهود ضمان تخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وتكثّف تبادل القصف عبر الحدود بين إسرائيل وحزب الله خصوصاً بعد عملية تفجير أجهزة اتصال تابعة لحزب الله أودت بحياة 39 شخصاً وتسببت بإصابة 3000 بجروح. وأعقبت ذلك ضربات جوية إسرائيلية على معاقل حزب الله في لبنان أسفرت عن مقتل المئات. وردّ حزب الله بإطلاق صواريخ. ورغم ازدياد الأعمال العدائية، تبدو إيران عازمة على تجنّب مواجهة عسكرية مباشرة.
وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ “منظمة إرهابية”.
“لن تُجرّ إيران إلى الحرب”
وقال الخبير السياسي الذي يتّخذ من إيران مقرا حميد غلامزاده “لن تُجرّ إيران إلى الحرب”. بدوره، أوضح علي واعظ من “مجموعة الأزمات الدولية” أن استراتيجية إيران تقوم على التأثير من دون الانخراط المباشر، خصوصاً أن من شأن التصعيد أن يصب في مصلحة إسرائيل وينعكس على الانتخابات الأميركية.
وقال واعظ إن “إيران لا ترغب في القيام بما تسعى إليه عدوتها اللدودة”، مشيرا إلى أن أولويات إيران تتمثّل بضمان تخفيف العقوبات والاستقرار اقتصاديا إلى حد ما.
وحتى في أول هجوم مباشر على الإطلاق تشنّه على إسرائيل في نيسان/أبريل رداً على ضربة جوية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو القوات الحليفة معظم الصواريخ.
في نيويورك، اتّهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إسرائيل بالسعي إلى الحرب بينما حافظت إيران على ضبط النفس. وأشار إلى أن إيران امتنعت عن الرد على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في تموز/يوليو، خشية تسبب ذلك في إخراج الجهود الأميركية الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة عن مسارها.
سلام صعب المنال؟
وقال “حاولنا ألا نرد. قالوا لنا مرة تلو الأخرى إننا كنا قريبين من السلام، لربما خلال أسبوع أو أكثر”. وأضاف “لكننا لم نصل قط إلى هذا السلام الصعب المنال. كل يوم ترتكب إسرائيل المزيد من الفظاعات”.
في وقت سابق هذا العام، وفي ذروة التوتر مع إسرائيل، أطلقت إيران مئات الصواريخ والمسيّرات بعد ضربة دمشق، لكن تم اعتراض معظمها. ويفيد محللون بأن إيران تستعرض قوتها في ظل الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، من دون دفع الولايات المتحدة إلى الرد.
وما زالت إيران تواجه عقوبات غربية، خصوصا منذ انسحاب الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب عام من الاتفاق النووي، الذي أبرمته طهران والقوى العالمية. كما فرضت بلدان أوروبية عقوبات على إيران، متّهمة إياها بتزويد روسيا صواريخ بالستية من أجل حرب أوكرانيا.
ونفت إيران الاتهامات فيما قال بزشكيان في نيويورك إن إيران “مستعدة للجلوس مع الأوروبيين والأميركيين من أجل الحوار والمفاوضات”. وقال واعظ إن من شأن أي تصعيد إيراني أن يقوي شوكة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ويساعد حتى على إعادة ترامب إلى السلطة. وأفاد بأن ذلك “سيضر كثيرا بالمصالح الإيرانية”.
“إيران لن تقف مكتوفة الأيدي”
موازاة لـ “ضبط النفس”، تواصل إيران دعم حزب الله. وحذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن طهران “لن تقف مكتوفة الأيدي” أمام الهجمات الإسرائيلية. كما حضّت طهران مجلس الأمن الدولي على القيام بتحرّك فوري، محذّرة من “تداعيات خطيرة” لإسرائيل.
واستهدفت إسرائيل شخصيات قيادية في حزب الله منذ بدأت حرب غزة. ورثى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي هذا الأسبوع عناصر حزب الله، مشددا على أن الهجمات الإسرائيلية لن تؤدي الى “إخضاع الحزب”.
وقالت الباحثة السياسية عفيفة عبيدي إن إيران تقيّد دعمها لحزب الله، لكنها لفتت إلى “الموارد البشرية الكبيرة” لدى الحزب. من جهته، لفت غلامزاده إلى أن موارد حزب الله تضمن بأنه لن يُهزم بسهولة وأوضح “يحتاج حزب الله إلى الدعم، لكن هذا الدعم لا يعني أنه قد يهزم إن لم يحصل عليه”.
وأفاد واعظ بأن هجوم الأسبوع الماضي على أجهزة اتصال حزب الله ربما أضعفه، لكنه لن “يُشلّ (تماما) حتى وإن تم القضاء على أول طبقتين من قيادته”. وقال إن هذا الضعف قد يكون من أسباب تردد إيران وحزب الله “في الدخول في حرب شاملة”.