اضطّر اللاجئون السوريون في لبنان كما آلاف اللبنانيين إلى ترك منازلهم تحت نيران الغارات الإسرائيليّة التي تصاعدت بدءًا من 23 أيلول، وساروا مع السائرين من القرى المهدّدة بحثًا عن مأوى. وقد أدّى توسّع العدوان الإسرائيلي إلى نزوح أكثر من 13500 لاجئ سوري من جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبيّة لبيروت، ليصبح عدد الذين نزحوا داخل لبنان منذ الثامن من تشرين الأول 2023، 26 ألف لاجئ سوري حسب مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وفيما لا تزال الحكومة اللبنانيّة عاجزة عن تدبّر أمور النازحين اللبنانيين المقدّر عددهم بمليون ومئتي ألف شخص، بينهم ما يقارب 164 ألف نازح موزعين على 892 مركز إيواء في مختلف المناطق اللبنانيّة وصل 677 منها إلى الحدّ الأقصى من القدرة الاستيعابيّة، ضاقت الخيارات أمام السوريين، خصوصاً وأن معظم مراكز الإيواء لم تستقبلهم كون الأولويّة بطبيعة الحال هي للّبنانيين.
في هذا السياق، أشار محافظ بيروت، مروان عبود، أن لا قدرة للبنان اليوم على الاستمرار بإيواء النازحين السوريين لأنّ أبناء البلد أَوْلى بهذه العناية والإمكانيات محدودة، لافتاً إلى أنّه يمكن للسوريين العودة إلى بلادهم ولا خطر على حياتهم وأمنهم. الحديث عن عودة السوريين إلى بلادهم كواحد من الحلول جاء أيضاً على لسان المسؤول عن خطة الطوارئ، وزير البيئة ناصر ياسين، الذي قال: “على السوريين العودة إلى بلادهم والحكومة السورية رفعت القيود”. وفي الإطار نفسه، أشار وزير الشؤون الاجتماعية، هكتور حجار، إلى أنّ العفو الذي أصدره الرئيس السوري من شأنه أن يساعد النازحين في اتّخاذ قرار العودة الآمنة، علمًا أنّ العفو لا يشمل جميع العائدين.
خيار العودة اتّخذه العديد من العائلات السوريّة، إذ تُفيد أرقام الأمن العام إلى أنّ 256 ألفًا و614 سوريًا و82 ألفًا و 264 لبنانيًا غادروا لبنان عبر المعابر الرسميّة منذ 23 أيلول الماضي. فيما تقدّر مصادر أخرى أن يكون العدد أكثر من ذلك نظرًا إلى عودة العديد من العائلات إلى سوريا عن طريق المعابر غير الرسمية.
إلّا أنّ هذا الخيار ليس مُتاحًا بالنسبة إلى الكثير من العائلات السوريّة لأسباب منها ما هو مادي وعدم وجود مكان إيواء في سوريا، ومنها ما يتعلّق بالخدمة العسكرية أو بالوضع الأمني ولاسيّما أنّ منظّمات حقوقيّة وثّقت اعتقال عدد من السوريين العائدين من لبنان وإجبار البعض على دفع “خوّات” بعد عبورهم الحدود، وربما هذا ما يُفسّر ما أعلنته الأمم المتحدة أنّ 60% من إجمالي العائدين إلى سوريا هم دون 18 عامًا.
ومن عوائق العودة التي استجدّت مؤخرًا، الاستهداف الإسرائيلي لمنطقة المصنع، المعبر الحدودي الرئيسي الذي يربط لبنان بدمشق، بثلاث غارات يوم الأربعاء الماضي حيث باتت مقطوعةً بالكامل.
مئات العائلات السوريّة لا تزال بلا مأوى
يُكرّر ناشطون ومعنيّون بموضوع النزوح السوري أنّ وجهة النازحين الأساسيّة كانت الشمال والبقاع، حيث تمّ تخصيص عدد من المدارس لهم وحيث لهم أقارب لجؤوا إليهم. وافتُتحت في البقاع 6 مراكز إيواء مخصّصة لاستقبال النازحين السوريين إلّا أنّها باتت مكتظّة، إذ لا تزال مئات الأسر السوريّة تجلس على أبواب هذه المراكز أو في الحدائق العامّة في المنطقة.
يختلف الوضع كثيرًا شمال لبنان، إذ يُشير مُحافظ لبنان الشمالي، رمزي نهرا، إلى أنّه تمّ تحديد سبع مدارس للّاجئين السوريين في طرابلس ولكنّ هذه المدارس باتت مكتظّة. لذلك يُعمل على نقلهم إلى مخيّمات عكار وإقناعهم بالعودة إلى سوريا. ويوضح نهرا أنّه، وفي ظلّ العدد الكبير للنازحين اللبنانيين، يصبح استيعاب السوريّين وتأمين مأوى لهم مستحيلًا ولاسيّما مع وجود بلديّات ترفض استقبالهم، معتبرًا أنّ الحل الأنسب هو العودة إلى سوريا.
وفيما أشارت مؤسّسة “سينابسSynaps ” البحثيّة إلى أنّ معظم مراكز الإيواء المخصّصة للسوريين تجاوزت قدرتها الاستيعابيّة، لفتت إلى أنّ مئات الأسر السورية لا تزال تفترش طرقات وساحات عامّة. واعتبرت المؤسّسة أنّ بعض العائلات السوريّة النازحة جرّاء الحرب تعرّضت لمضايقات وحوسبت في بعض الأحيان على مواقف بعض المعارضين السوريين في الخارج، والتي تسبّبت بغضب بعض الأوساط المضيفة، وأنّ هذه التوتّرات قد تكون مفهومة ويتمّ التعامل معها بحكمة.
وأوضحت مفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّها رفعت مستوى استجابتها منذ توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان استجابة للوضع الإنساني والاحتياجات المتزايدة، عبر تأمين الملاجئ الآمنة ومواد الإغاثة الأساسية والرعاية الصحّية، فضلًا عن المساعدة النقدية. وأنّها تعمل مع الشركاء في المجال الإنساني والسلطات اللبنانية لإيجاد مأوى آمن بشكل عاجل
هل العودة مسهّلة؟
شهدت الأيام الأولى التي تلت توسّع العدوان ما يُمكن وصفه بـ”الطوفان البشري”، واعتُمدت معابر غير نظامية في شمال لبنان لخروج أعداد كبيرة من العائلات السوريّة. ويستكمل الجيش اللبناني عمليات الترحيل التي تطال حوالي 80 شخصًا يوميًا. ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان تستمرّ حركة عودة السوريين إلى بلادهم. ورغم أنّ معبر المصنع أصبح خارج الخدمة أمام حركة المرور، إلّا أن المعابر الحدودية الثلاثة الأخرى مفتوحة وتعمل.
استهداف معبر المصنع جاء ليزيد معاناة السوريين والعوائق التي تحول دون خيار العودة أو تصعّبه. ففيما قرّرت الحكومة السورية بعد توّسع العدوان الإسرائيلي وقف العمل بقرار فرض تصريف 100 دولار إلى الليرة السورية عند دخول المواطنين عبر المنافذ الحدودية في 29 أيلول الماضي، أي بعد أيّام على توسّع العدوان، وهو التسهيل الوحيد الذي قدّمته الحكومة السوريّة لتسهيل عودة السوريين إلى بلدهم، إلّا أنّ صلاحية القرار كانت لمدّة أسبوع وبالتالي انتهي العمل به يوم الأحد 6 تشرين الأوّل.
وفي هذا الإطار، يُشير مصدر من الجهات الإغاثيّة الناشطة على الأرض في الداخل السوري إلى أنّه لا توجد أيّ تسهيلات للسوريين الهاربين من الحرب في لبنان إلى بلادهم. ففي دمشق هناك مراكز إيواء للّبنانيين وليس للسوريين. ويُسأل اللبنانيون الواصلون إن كان لديهم مأوى بينما يُعتبر أنّ السوري لديه أقارب يمكنه اللجوء إليهم.
ولا تقتصر العوائق أمام عودة السوريين إلى سوريا على فرض تصريف 100 دولار، بل تتعدّاها إلى عدم وجود منازل يعودون إليها في العديد من المناطق المدمّرة، فضلًا عن المخاوف الأمنيّة. إذ إنّه على الرغم من الحديث عن فترة سماح للمطلوبين للخدمة العسكرية، لا يثق الكثيرون في هذا الأمر.
وفي السياق أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر الأربعاء الماضي إلى رصد عمليات اعتقال واحتجاز استهدفت اللاجئين العائدين من لبنان هربًا من العدوان الإسرائيلي. وقال التقرير إنّ عمليات الاعتقال كانت عند المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا الرسمية وغير الرسمية، وإنّ معظم هؤلاء اقتيدوا إلى مراكز احتجاز أمنية وعسكرية.
ومع استمرار تدفّق العائلات منذ أكثر من 12 يومًا، تعاني المخيّمات المخصّصة لهم من قبل “الإدارة الذاتية” من نقص حاد في المساعدات الإنسانية وغياب الدعم الدولي. وأشار مصدر متابع لما يجري خارج مناطق النظام إلى أنّ عائلات سوريّة عائدة قسرًا من لبنان لا تزال تنتظر لدخول المنطقة الواقعة في الشمال الغربي، نظرًا إلى كثرة التفتيش والتحقيق الأمني. وأنّ عائلات أخرى تنتظر لدخول الشمال الشرقي إذ يحتاج دخول هذه المنطقة إلى كفيل من الداخل السوري.
المصدر: المفكرة القانونية