الحرة بيروت
لا يضمن اتفاق 15 كانون الثاني/يناير وقفاً دائماً لإطلاق النار في قطاع غزة، بل يُقدّم في جوهره كملحق بسيط لاتفاق آخر بقي حبراً على ورق منذ أيار/مايو 2024.
وفي هذا السياق، يُعتبر يوم 19 كانون الثاني/يناير بداية متعثرة لتطبيق هذا الاتفاق، الذي كان قد أُعلن عنه قبل أربعة أيام من قِبل رئيس وزراء قطر، مع ضمانات من الولايات المتحدة ومصر. وحيث كان ينبغي أن يبصر النور منذ فترة طويلة لفرض تحرير 98 رهينة محتجزة لدى “حماس” (من بينهم ثلثان فقط يُعتقد أنهم على قيد الحياة) ووقف إطلاق النار في نزاع أسفر عن مقتل نحو 47 ألف فلسطيني، بمتوسط يومي بلغ مئة قتيل.
بدلاً من ذلك، فإن ما نشهده حتى الآن لا يعدو كونه هدنة مشروطة بتبادل للأسرى. تغيرت النسبة من رهينة إسرائيلية واحدة مقابل ثلاثة أسرى فلسطينيين في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى نسب مختلفة حسب فئات الرهائن. وفعلاً، فقد تم تبادل ثلاث رهائن إسرائيليات، الأحد الماضي، مقابل 95 أسيراً فلسطينياً، بمعدل رهينة واحدة لكل 32. ولاحقاً، قد تكون النسبة رهينة مريضة أو مصابة مقابل 12 فلسطينياً محكوماً بالمؤبّد، أو رهينة تجاوز عمرها الخمسين مقابل ثلاثة محكومين بالمؤبد أو 27 محكوماً بعقوبات أقل.
ثلاث مراحل متميزة
كانت شروط هذا التبادل موضوع مفاوضات مكثفة، بينما تستند البنية العامة للاتفاق إلى مشروع تم التفاوض عليه بشدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في 27 أيار/مايو 2024، وأعلنه جو بايدن بعد أربعة أيام، حيث وافقت كل من إسرائيل و”حماس” أخيراً على اتفاق، لو تم تفعيله في الربيع الماضي لكان قد أنقذ آلاف الأرواح الفلسطينية وأعفى الرهائن الإسرائيليين من ثمانية أشهر إضافية من المعاناة (فضلاً عن الذين لقوا حتفهم خلال هذه الفترة). ومن المثير للقلق أن يظهر اتفاق 15 كانون الثاني/يناير 2025 كملحق بسيط لـ”إجراءات تنفيذية عملية” لاقتراح 27 أيار/مايو 2024.
المواجهة التي استمرت أكثر من خمسة عشر شهراً في غزة من المفترض أن تنتهي باتفاق ظل معطلاً لأكثر من نصف هذا النزاع. ومن المتوقع أن تكون عملية التهدئة بطيئة جداً، مع ثلاث مراحل تستمر كل منها 42 يوماً: الأولى لتحرير 33 رهينة إسرائيلية؛ الثانية لتحرير باقي الرهائن؛ والثالثة لاستعادة الجثث.
وسيكون الانتقال من مرحلة إلى أخرى مشروطاً بالتنفيذ الكامل للالتزامات المأخوذة في المرحلة السابقة، مع نفس النوع من الفواصل داخل كل مرحلة. فالتجربة السابقة للاتفاقيات الإسرائيلية – الفلسطينية، التي أفسدها غياب الثقة الهيكلية بين الطرفين، والمتفاقمة بسبب غياب أي اتصال مباشر، تنذر بظهور نزاعات متتالية قد تؤخر أو حتى تعرقل تنفيذ الاتفاق.
ضمانات هشة
بدأت المرحلة الأولى الأحد الماضي، وتنتهي، في أفضل الحالات، في 2 آذار/مارس. ستقتصر على “تعليق مؤقت للعدائيات”، أي هدنة، مع انسحاب محدود للقوات الإسرائيلية شرقاً على طول “الممرات” التي تسيطر عليها جنوب مدينة غزة (ممر نتساريم) وعلى طول الحدود المصرية (ممر فيلادلفيا).
وستتم هذه الانسحابات استناداً إلى خرائط ملحقة بالاتفاق، وهي خرائط لم يتم الإعلان عنها بشكل واضح. إذا سارت الأمور دون عرقلات، سيتم السماح للمدنيين غير المسلحين بالعودة سيراً على الأقدام شمالاً، بدءاً من 25 كانون الثاني/يناير على طول الطريق الساحلي، وابتداء من 9 شباط/فبراير على طول الطريق الداخلي، المعروف باسم صلاح الدين. وللتذكير، فإن أكثر من مليون شخص يعيشون تحت الخيام في “المنطقة الإنسانية” على الساحل الأوسط للقطاع، وغالبيتهم لا يحلمون إلا بالعودة إلى منازلهم، حتى لو اضطروا لإعادة نصب خيامهم على أنقاض بيوتهم.
لن تبدأ المرحلة الثانية من “استعادة الهدوء الدائم” إلا في 2 آذار/مارس على أقرب تقدير، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من ممر فيلادلفيا خلال الأسبوع الأول من هذه المرحلة. لذا، فإن الاحتفاء الدولي بـ”اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس” يبدو سابقاً لأوانه، إذ لن يكتمل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة إلا في بداية المرحلة الثالثة، أي، في أفضل الأحوال، بحلول منتصف نيسان/أبريل المقبل.
الطريق نحو “وقف إطلاق النار الدائم” لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات التي لن يتم التغلب عليها إلا بتصميم الوسطاء الثلاثة. وقد اكتفت الولايات المتحدة ومصر وقطر حتى الآن بتأكيد عزمهم في بيان مشترك على “ضمان التنفيذ الكامل للمراحل الثلاث من قبل الطرفين”. لكن لم تكن هذه الضمانات الأكثر صلابة، إذ لم يتم ذكر كيفية الرد على أي انتهاك محتمل للاتفاق.