جريدة الحرة
وكالات ـ كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، في تقرير موسّع، عن تفاصيل عمليات معقدة نفّذها جهاز “الموساد” خلال شهر حزيران/يونيو الماضي داخل إيران، أسفرت عن اغتيال تسعة من أصل 13 من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، إلى جانب نحو 12 عالمًا نوويًا، في واحدة من أوسع الحملات الاستخباراتية التي شهدتها الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة.
وبحسب التقرير، لم تقتصر عمليات الموساد على تنفيذ الاغتيالات، بل شملت أيضًا مساهمة مباشرة في استهداف منشآت نووية وصاروخية باليستية، رغم أن التنفيذ الميداني للضربات غالبًا ما يُسند إلى طياري سلاح الجو الإسرائيلي.
“نحن هناك وسنظل هناك”: رسالة برنيع لطهران
وفي سابقة نادرة، نشر رئيس الموساد، دافيد برنيع، في 25 يونيو/حزيران، مقطع فيديو وجّهه إلى عملاء الجهاز المشاركين في العمليات. وقال في رسالته العلنية، التي بدت وكأنها تحدٍّ مباشر لطهران: “سنكون هناك، كما كنّا هناك”. واعتبر محللون في الصحيفة أن هذه الرسالة تأكيد على “استمرار نشاط الموساد داخل إيران، رغم حملات المطاردة والتطهير الأمني التي أعقبت حرب 13–24 يونيو”.
تفجيرات غامضة واتهامات حذرة
أشار التقرير إلى أن وسائل الإعلام الإيرانية بدأت، بعد نشر تقرير نيويورك تايمز، تربط بين سلسلة الانفجارات والحرائق الغامضة التي اندلعت مؤخرًا في أنحاء متفرقة من البلاد، وبين عمليات تخريب يُعتقد أن الموساد يقف خلفها. إلا أن السلطات الإيرانية، وفق الصحيفة، امتنعت عن توجيه اتهامات مباشرة، خشية الانجرار إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع إسرائيل.
يُذكر أن أحداثًا مشابهة وقعت في صيف 2020، حين استُهدفت منشآت إيرانية بانفجارات متكررة، اتُّهم الموساد بالوقوف خلف بعضها، خاصةً ما تعلّق بالمواقع النووية. وتعتقد مصادر إسرائيلية أن طهران “تتجنّب حاليًا توجيه اتهامات علنية للموساد، لتفادي التصعيد”.
اختراق استخباراتي عميق وشهادات دولية
نقل التقرير عن مسؤول أوروبي—لم يُكشف عن اسمه—يدير الملف الإيراني، قوله إن ما جرى في يونيو “كان على الأرجح سلسلة من عمليات التخريب التي نفذها الموساد، في واحدة من أعقد الاختراقات الأمنية في العصر الحديث”.
كما نشرت منصة إيران إنترناشونال، المحسوبة على المعارضة الإيرانية، ما وصفته بـ”هزيمة أمنية وعسكرية نادرة” للنظام، مشيرة إلى أن الهجمات لم تكن ميدانية فحسب، بل شملت أيضًا هجمات سيبرانية متقدمة تجاوزت 20,000 محاولة خلال فترة الحرب، بحسب ما أعلنه وزير الاتصالات الإيراني سيد ستار هاشمي.
اغتيالات دقيقة بتقنيات فائقة
وذكر تقرير إيران إنترناشونال أن الموساد تعمّد تسريب موعد هجوم إسرائيلي عبر عميل مقرّب من قائد الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي، لاستدراجه إلى موقع محدد تمهيدًا لاغتياله.
كما وقع العميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجو-فضائية في الحرس الثوري، الذي وصفته مصادر إسرائيلية بـ”أخطر رجل في إيران بعد مقتل قاسم سليماني”، في “فخ محكم” بعدما تلقى مكالمة من مصدر وهمي دعته إلى اجتماع مع قادة ميدانيين، حيث قُتل هناك.
ولم تتوقف العمليات عند هذا الحد، إذ زُرعت برامج خبيثة في كاميرات المراقبة التابعة لبلدية طهران، ما مكّن الموساد من تعقّب علي شدمني، القائد الجديد لمقر خاتم الأنبياء، قبل أن يُستهدف بضربة من طائرة مسيّرة في حي زفرانية.
وبحسب التقرير، جُمعت بيانات شدمني من عيّنة حمض نووي تم الحصول عليها رقميًا، ثم جرى استخدام تقنيات متقدمة في التعرّف على الوجه والتحليل الجيني عبر الذكاء الاصطناعي.
عملاء بشريون وتقنيات هجينة
واعترف الموساد—بحسب جيروزاليم بوست—باستخدام مزيج من العملاء البشريين على الأرض، وأسلحة يجري التحكّم بها عن بُعد على متن سيارات مدنية وطائرات بدون طيار، خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا.
وترى الصحيفة أن لدى الموساد قدرة شبه غير محدودة على تجنيد عملاء من داخل إيران، في ظل وجود عشرات الملايين من المواطنين الإيرانيين من غير الشيعة المعارضين للنظام، ما يصعّب على السلطات الإيرانية إغلاق جميع الثغرات المادية والتقنية التي يستخدمها الموساد لاختراق البلاد.


