الجمعة, مارس 21, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

استراتيجية إعادة الإعمار في لبنان: دروس الماضي ورؤى المستقبل

الحرة بيروت

بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيّز التنفيذ صباح الأربعاء 27 تشرين الثاني/ نوفمبر بعد أكثر من شهرين من الحرب الإسرائيلية على لبنان، عقدت حكومة تصريف الأعمال جلسةً استثنائية في 7 كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي في ثكنة “بِنوا بركات” في صور. وجاءت هذه الخطوة لتأكيد أهمية الجنوب اللبناني وتضامناً مع سكانه وشهدائه، بمشاركة قائد الجيش لبحث تعزيز انتشار الجيش في جنوب الليطاني والإجراءات المتعلقة بإعادة الإعمار.

وأقرّت الحكومة خلال الجلسة مشروع قانون لإعادة إعمار الأبنية المهدّمة نتيجة العدوان الإسرائيلي، بناءً على اقتراح وزير الأشغال العامة والنقل، وتمّت الموافقة على إحالة المشروع إلى مجلس النواب.

وفقاً لتقييم البنك الدولي، بلغت خسائر العدوان الإسرائيلي على لبنان 8.5 مليار دولار على مدى 13 شهراً، ما أدى إلى نزوح 1.3 مليون شخص وفقدان 166 ألف عامل وظائفهم. وقد تضرر نحو 100 ألف منزل، بقيمة 3.2 مليار دولار، إلى جانب خسائر في التجارة والزراعة. وثمة تقديرات أخرى تشير إلى أن الخسائر قد تتجاوز أضعاف هذه الأرقام. وبحسب الدولية للمعلومات، فإن خسائر الحرب الأخيرة تفوق ضعف خسائر حرب تموز 2006، حيث بلغت خسائر المساكن 4.26 مليار دولار مقارنة بـ2.2 مليار دولار في 2006.

دخل لبنان هذه الحرب في ظل انهيار اقتصادي وسياسي حاد، حيث تعاني حوالى 82% من الأسر من الفقر المتعدد الأبعاد منذ العام 2019. وتشير التوقعات إلى أن المساعدات لإعادة الإعمار قد تكون أقل من تلك التي تلقاها لبنان بعد حرب تموز، ما يزيد من حدة الأزمة.

مشروع القانون الحالي “لإعادة إعمار الأبنية المتهدمة بفعل العدوان الإسرائيلي” يشبه قانون عام 2006 مع بعض التعديلات، ما يثير تساؤلات حول مدى ملاءمته للسياق الحالي. ويستند القانون إلى أحكام استثنائية تتيح للمالكين إعادة بناء العقارات المتهدمة مع إعفاءات من الرسوم والغرامات، شرط عدم الإخلال بالقوانين القائمة.

يطرح القانون إشكاليات عديدة أبرزها حرمان إعادة البناء في الأملاك العامة وعدم تطبيقه على المباني المشيّدة على ملك الغير، ما يهدد المناطق غير الرسمية والمباني المملوكة بالشيوع. كما أن حصر الحق في تقديم طلبات إعادة البناء بالمالكين دون المستأجرين قد يؤدي إلى تهجير السكان في حال تمنّع المالك عن الترميم.

بالرغم من محاولة القانون تيسير إعادة الإعمار، فإنه يفتقر إلى معالجة شاملة لتحديات إعادة البناء في السياقات المتنوعة للمناطق المتضررة، كما لا يوضح الإطار المؤسسي لمسح الأضرار والتعويضات، ما قد يؤدي إلى تكرار تجربة بيروت بعد تفجير المرفأ من حيث ضعف التنسيق وغياب العدالة في التعويضات.

ويغفل القانون أيضاً التعافي الشامل الذي يشمل الحركة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ما قد يعيق التعافي الحقيقي ويؤدي إلى إخفاقات مشابهة لتجارب إعادة الإعمار السابقة.

لضمان تعافٍ شامل وفعال، يجب أن تتبنى عمليات إعادة الإعمار رؤى محلية تأخذ في الاعتبار خصوصيات المناطق واحتياجات سكانها، وتضمن تعويضات عادلة وشفافة، مع تعزيز النسيج الاجتماعي والاقتصادي وإعادة تأهيل المساحات العامة والبنية التحتية بما يعيد الحياة إلى المناطق المتضررة.

وتأتي هذه الإجراءات في سياق تصاعد التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه لبنان، حيث يحتاج البلد إلى استراتيجية متكاملة لا تقتصر فقط على إعادة الإعمار المادي بل تشمل أيضاً إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة. فإعادة الإعمار يجب أن تكون فرصة لتعزيز الحوكمة الرشيدة والشفافية، وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في التخطيط والتنفيذ.

التجارب السابقة لإعادة الإعمار في لبنان أظهرت ضرورة وجود آليات رقابية فعالة لضمان عدالة التوزيع والحد من الفساد. وتحتاج البلاد إلى نهج شامل يربط بين الإغاثة الطارئة والتنمية المستدامة، مع التركيز على بناء قدرات المؤسسات المحلية وتعزيز التنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة.

تتطلب هذه الجهود دعماً دولياً قوياً وموجهاً نحو تحقيق الأهداف التنموية طويلة الأمد، مع التأكيد على أهمية الاستدامة البيئية والاجتماعية في عملية إعادة الإعمار. ويجب أن تسهم هذه الجهود في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد المحلي، ما يساعد في تقليل معدلات الفقر والبطالة.

بالتالي، فإن نجاح عملية إعادة الإعمار في لبنان يعتمد على القدرة على مواجهة التحديات المتعددة بفعالية وشمولية، مع الالتزام بمبادئ العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. وهذه المرحلة تمثل فرصة حقيقية لإعادة بناء لبنان على أسس أكثر صلابة واستدامة، تعكس تطلعات شعبه وتلبّي احتياجاته في المستقبل.

https://hura7.com/?p=42047

الأكثر قراءة