الثلاثاء, أبريل 22, 2025
17.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

الأمن المناخي: تهديد جديد للدولة الحديثة

الحرة بيروت ـ خاص

مع تطور الدولة الحديثة منذ القرن السابع عشر، ارتكزت قوتها على السيطرة على الحدود والاقتصاد والسكان. لكن وفقاً لأشوك سوين، الباحث في مجال الصراع والبيئة، فإن هذه الركائز الثلاث باتت مهددة بفعل التغير المناخي، ما يستوجب إعادة النظر في الأمن القومي من منظور بيئي. في كتابه الجديد “الأمن المناخي”، يوضح سوين كيف تعيد الظواهر المناخية المتطرفة رسم الحدود، وتغير الاقتصادات، وتدفع بموجات هجرة واسعة، ما يشكل تحدياً وجودياً للدول.

تحولات الحدود والاقتصادات بفعل المناخ

يُبرز سوين أن أكثر من ثلث الحدود الوطنية في العالم مرسومة على طول الأنهار، ما يجعلها عرضة للتحولات الناجمة عن التغيرات الهيدرولوجية. هذا الأمر أكثر وضوحاً في المناطق التي تشهد انحسار الأنهار الجليدية أو ذوبان الجليد القطبي، ما يؤدي إلى تغييرات جغرافية غير مسبوقة.

على الصعيد الاقتصادي، تعاني الدول الجزرية الصغيرة من تداعيات كارثية جراء الأعاصير وارتفاع منسوب البحار، حيث تدمر هذه الظواهر البنية التحتية وتُحدث خسائر فادحة تتجاوز في بعض الأحيان إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول. فعلى سبيل المثال، تسبب إعصار ماريا في عام 2017 بخسائر بلغت 1.31 مليار دولار في دولة دومينيكا، أي ما يعادل 200% من ناتجها المحلي الإجمالي، ما جعل عملية التعافي شبه مستحيلة.

تغير المناخ كقضية أمن قومي

يؤكد سوين أن تغير المناخ يهدد الوظائف الأساسية للدولة، ما يحتم اعتباره مسألة أمن قومي لضمان استجابة سريعة وفعالة. ويرى أن الدول الديمقراطية لم تُعطِ المناخ الأولوية اللازمة، حيث يتم تهميش السياسيين الذين يسعون لاتخاذ إجراءات بيئية صارمة، على عكس قضايا الأمن التقليدية التي تحظى بزخم سياسي أكبر.

ومع ذلك، يحذر سوين من أن التعامل مع المناخ كقضية أمن قومي قد يؤدي إلى عسكرة الاستجابة، خاصة في الدول الاستبدادية التي قد تستغل ذلك لقمع المعارضة وتقييد الحريات البيئية. كما قد تستخدم بعض الحكومات الأمننة كذريعة لتعزيز سياسات معادية للمهاجرين، بدلاً من تقديم حلول إنسانية لموجات النزوح الناجمة عن الكوارث البيئية.

تفاوت التأثير بين الشمال والجنوب العالمي

تظهر بيانات الكوارث الطبيعية بين عامي 1970 و2019 أن الدول النامية تحملت العبء الأكبر من التغير المناخي، حيث وقعت أكثر من 90% من الوفيات في هذه الدول، في حين تحمل الشمال العالمي 60% من الخسائر الاقتصادية. ورغم ذلك، لم تتجاوز هذه الخسائر 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الغنية، مقارنةً بـ5% أو أكثر في الدول الأقل نمواً.

هذا التفاوت يظهر بوضوح في استجابة الدول الكبرى للأزمات البيئية، حيث تستطيع امتصاص الصدمات الاقتصادية، بينما تعاني الدول الفقيرة من انهيارات اقتصادية واجتماعية. وبينما تتحمل الدول الغنية مسؤولية تاريخية في تفاقم التغير المناخي، فإنها لم تفِ بالتزاماتها في تقديم التمويل والدعم التكنولوجي للدول النامية.

التعاون الدولي: تحديات وفرص

مع تصاعد التوترات المناخية، تزداد النزاعات حول المياه، خاصة في المناطق التي تعتمد على مصادر مشتركة، مثل أحواض أنهار النيل والغانج. التغير المناخي يجعل تدفق المياه غير متوقع، ما يعزز النزاعات بين دول المنبع والمصب، ما يستدعي حلولاً دبلوماسية واستراتيجيات تعاون إقليمي فعالة.

في ظل هذه التحديات، يرى سوين أن على دول الجنوب العالمي تجاوز الجمود في المفاوضات المناخية التي تقودها الدول الغنية، عبر بناء تحالفات إقليمية لتطوير حلول تكيف محلية. فبدلاً من انتظار التعويضات المناخية، ينبغي للدول النامية الاستثمار في حلول مستدامة تعتمد على التعاون الإقليمي والتقنيات المناخية الملائمة لظروفها.

مستقبل الأمن المناخي في ظل السياسات العالمية

عودة الولايات المتحدة إلى سياسات إنكار المناخ، كما حدث خلال إدارة دونالد ترامب، أثرت سلباً على الأمن المناخي العالمي، حيث انسحبت واشنطن من اتفاقية باريس وخفضت التمويل المخصص للدول النامية، ما عرّض مشاريع التكيف مع المناخ لخطر التوقف. هذا الوضع دفع دول الجنوب للبحث عن تحالفات بديلة، لكنها لا تزال غير كافية لسد الفجوة التمويلية الضخمة.

في ظل هذه المعطيات، يؤكد سوين أن التصدي لتغير المناخ يتطلب بناء إجماع دولي يتجاوز الاستقطابات الجيوسياسية، مع ضرورة التعامل مع التحدي المناخي بجدية لضمان الاستقرار المستدام. ورغم التحديات، فإن إعادة تعريف الأمن القومي ليشمل البعد البيئي باتت ضرورة ملحّة تفرضها حقائق العصر الجديد.

https://hura7.com/?p=44928

الأكثر قراءة