DW – ترجمة – بعد خمسة عشر شهرًا من الهجوم الذي قادته “حماس” في جنوب إسرائيل والذي أدى إلى قصف إسرائيلي غير مسبوق وحملة برية دمرت غزة، قد يكون ثمة مخرج من الصراع في الأفق. وكانت التكلفة البشرية مدمرة: حيث قارب عدد القتلى الفلسطينيين 45000، وفقًا للسلطات المحلية؛ وأكثر من 1000 قتيل إسرائيلي جراء هجوم 7 أكتوبر 2023.
وكان الاتحاد الأوروبي يراقب من على الهامش بينما كانت الولايات المتحدة ومصر وقطر تتوسط في اتفاق وقف إطلاق النار المكون من ثلاث مراحل بين إسرائيل و”حماس” والذي قد يدخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، مما يؤدي إلى إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية في غزة مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين محتجزين في إسرائيل. ويأتي ذلك بعد أن أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشكوك حول إمكانية التوصل إلى الاتفاق.
وقد يكون للدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي عانت من الانقسامات الداخلية وكان نفوذها الدبلوماسي محدودًا، دور مهم تلعبه الآن. وفي بروكسل، أشادت المفوضية الأوروبية بالدول الوسيطة ورحبت بالاتفاق في 16 يناير 2025.
وقال المتحدث بإسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنور العوني في إفادة صحفية: “الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار”. وأعلنت السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي أن حزمة المساعدات الإنسانية التي ستقدمها إلى غزة في العام 2025 ستبلغ قيمتها 120 مليون يورو، وتشمل الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الصحية. وقالت المتحدثة باسم الاتحاد إيفا هرنسيروفا: “نعلم أن الوضع هناك كارثي”.
وكان ما يقرب من 90% من سكان غزة قبل الحرب، والذين بلغ عددهم 2.3 مليون نسمة، قد نزحوا وسط الغارات الإسرائيلية المستمرة، حيث اضطر العديد من الناس إلى العيش في خيام بعد أن تحولت منازلهم إلى أنقاض. وفي أواخر العام 2024، قالت الأمم المتحدة إن أكثر من 1.8 مليون شخص يعانون من الجوع الشديد، مستشهدة بتقديرات من مبادرة الأمن الغذائي العالمية IPC.
ولا تزال إسرائيل تفرض قيوداً شديدة على إيصال المساعدات في الوقت الراهن، رغم أنه ينبغي السماح بمرور المزيد منها في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، والذي من شأنه أيضًا أن يشهد بداية انسحاب القوات الإسرائيلية.
الاتحاد الأوروبي قد يساعد في مراقبة معبر رفح
وبالإضافة إلى المساعدات الإنسانية قصيرة الأجل، يستعد الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إعادة بناء غزة على المدى البعيد. ففي إبريل 2024، قدرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية في غزة بلغت 18.5 مليار دولار أميركي في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب وحدها.
وأشار الاتحاد الأوروبي في 15 يناير 2025 إلى أنه على أهبة الاستعداد للعمل مع الشركاء الدوليين، وخاصة دول الخليج، عندما يحين الوقت. وقال العوني: “الآن نحتاج إلى معرفة ما يحمله المستقبل”. وتابع العوني قائلًا إن الاتحاد الأوروبي يدرس بالفعل إعادة تفعيل مهمة المراقبة المتوقفة منذ فترة طويلة عند معبر رفح المغلق حاليًا على الحدود بين مصر وغزة. وأكد أن “هذا الأمر يعتمد على الموافقة الكاملة من الجانبين وعلى قرار من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.
المستقبل السياسي لغزة غير واضح
ولكن قبل أن تبدأ أي عملية إعادة إعمار جادة، لا بد من وضع خطة قابلة للتطبيق للحكم السياسي والأمني في غزة، كما يقول هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. حيث شدد على أن “اتفاق وقف إطلاق النار بحد ذاته، رغم أنه خطوة أولى مهمة، إلا أنه غير كاف، وسوف ينهار بسهولة ما لم يكن هناك مسار سياسي أوسع لدعمه”.
وكان الهدف المعلن لإسرائيل في الحرب هو القضاء على “حماس”، التي سيطرت على غزة منذ عام 2007 عندما فازت في الانتخابات وأطاحت بمنافستها السياسية “فتح”، الحزب السياسي الذي كان على رأس السلطة الفلسطينية الحاكمة آنذاك. ومنذ ذلك الحين، ظلت المنطقة تحت الحصار الإسرائيلي.
جدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية، التي تمارس سيطرة جزئية على الضفة الغربية، هي المحاور الفلسطيني الذي اختاره شركاء إسرائيل الغربيون. وبحسب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن نجاح أي خطة لتحقيق الاستقرار في غزة سوف يعتمد على عودة السلطة الفلسطينية إلى نشاطها. ويستطيع الاتحاد الأوروبي أن يستخدم نفوذه كداعم مالي رئيسي للسلطة لتشكيل المفاوضات في المستقبل.
ماذا عن ترامب؟
وهناك سؤال حاسم آخر يتعلق بمدى قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير على التطورات بعد وقف إطلاق النار، إذا صمد، في ظل خضوع نتنياهو للمتشددين من اليمين المتطرف في حكومته، وعودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ويُعتبر ترامب من أشدّ المؤيدين لإسرائيل، وقد أعربت شخصيات في إدارته عن دعمها للمواقف القومية الأكثر تطرفًا التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية، على سبيل المثال لصالح بناء المزيد من المستوطنات التي تعد غير قانونية من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ويبقى أن نرى ما إذا كان الرئيس الجديد سيستمع إلى هذه الأصوات أم لا، وهناك مجال للاتحاد الأوروبي للتحرك.
يقول هيو لوفات: “إن ترامب ليس من النوع الذي يهتم بالتفاصيل. وأعتقد أنه من العدل القول إنه يريد أن يكون قادرًا على التصريح بأنه أنهى الحرب في غزة”. ولكن إلى جانب ذلك، فإن موقفه بشأن مستقبل القطاع ليس واضحًا بعد.
وتابع لوفات: “إن الحكومات الأوروبية التي تعمل بالشراكة مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج العربي، يجب أن تتعامل بشكل إيجابي مع إدارة ترامب. فالتحدي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي هو ترجمة شعاراته إلى أفعال”.