الحرة بيروت
في ظلّ العدّ العكسي لانطلاق الانتخابات البلدية في لبنان، تتكشّف مجدداً ملامح اللعبة السياسية التقليدية التي تتقاطع فيها الحسابات الحزبية مع “الرشاوى” المالية الانتخابية، في محاولة لإعادة إنتاج منظومة محليّة قائمة على الزبائنية والتوريث السياسي. غير أنّ ما يميّز هذا الاستحقاق، بخلاف دوراته السابقة، هو بروز موجة شبابية متصاعدة، في كثير من البلدات، لا تنتمي إلى الاصطفافات الكلاسيكية، بل تعبّر عن وعي مدني متجذّر، راكمه الشارع اللبناني منذ انتفاضة 17 تشرين وما تبعها من أزمات بنيوية.
هذه الموجة، التي بدأت تتشكّل في دوائر انتخابية بلدية كبرى وصغرى على حدّ سواء، لا تكتفي بمجرّد خوض المواجهة، بل تسعى إلى تفكيك بنية النفوذ التقليدي محلياً، ما يُنذر بإعادة صياغة قواعد اللعبة من القاعدة إلى القمّة. فالمجالس البلدية لم تعد مجرّد أدوات خدماتية، بل باتت منصات اختبار لبدائل الحكم، يُمكن أن تمتد تداعياتها إلى الانتخابات النيابية المقبلة، حيث تتقاطع المطالب الإنمائية بالمشاريع السياسية الكبرى.
فهل بدأ الناخب اللبناني يعيد النظر في خياراته المحلية؟ أين تقع المبادرات الشبابية المستقلة من كل هذا الضجيج، وهل تملك فعلاً ما يكفي لمنافسة شبكات النفوذ والمال؟ الأجوبة رهن ما ستفرزه صناديق الاقتراع في استحقاق قد يكون مفصلياً في تاريخ مرحلة جديدة تشهدها البلاد.
بيروت في قلب النقاش التشريعي
انعقدت جلسة تشريعية لمجلس النواب برئاسة الرئيس نبيه بري يوم أمس، وضمّت على جدول أعمالها 23 بنداً تناولت باقة من مشاريع واقتراحات القوانين ذات الطابع الاقتصادي والنقدي والمعيشي، في وقتٍ طغى فيه ملف بلدية بيروت على النقاشات، مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والاختيارية في الرابع من أيار المقبل.
ملف بلدية بيروت حضر بقوة عبر ثلاثة اقتراحات قوانين تهدف إلى معالجة الاختلال الديمغرافي في العاصمة، من خلال فرض مبدأ المناصفة في المجلس البلدي واعتماد الانتخابات بنظام لوائح مقفلة وفق النظام الأكثري، وهو ما يُعدّ خطوة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات اللبنانية.
وقد بدا التوتر السياسي حاضراً منذ افتتاح الجلسة حيث اقترح النائب جبران باسيل مباشرة البحث في اقتراحات القوانين المتعلقة بالبلديات خشية تعطيل الجلسة لاحقاً، خاصة في فترة ما بعد الظهر، قبل أن يردّ عليه الرئيس بري قائلاً: “الموضوع الطائفي والمذهبي المسيطر على البلد مش نبيه بري”.
كذلك لفت النائب غسان حاصباني قبل انطلاق الجلسة إلى إن كتلتهم قدّمت قانوناً يهدف إلى تطبيق مبدأ المناصفة في بلدية بيروت، مع وضع آلية تضمن تنفيذ قرارات رؤساء البلديات، بما يعزز فعالية العمل البلدي. في حين اعتبر النائب هاغوب ترزيان أن الحديث عن صلاحيات المحافظ لزوم ما لا يلزم، مشدداً على أن الغالبية النيابية تدفع نحو المناصفة في بيروت.
في السياق نفسه، أشار نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إلى أن مسألة صلاحيات المحافظ لا تزال غير واضحة، قائلاً: “إذا كانت هناك مشكلة في بلدية بيروت، فعلينا دراسة القانون”. وأضاف أنه في حال استدعت الضرورات تأجيل الانتخابات البلدية في بيروت، فهو يؤيد التأجيل لإيجاد حلول للمشكلات العالقة.
إذاً انتهت نقاشات مجلس النواب دون التوصّل إلى أي صيغة توافقية بشأن التعديلات الانتخابية، وبالتالي بقي مصير بيروت أسير التباينات السياسية والطائفية، من دون بلورة أي مخرج عملي. وعليه، ستُجرى الانتخابات المقبلة وفق القانون النافذ، على أمل أن ينجح الرهان الأخير على توافق سياسي استثنائي يؤمّن المناصفة.
رابط المقال: https://hura7.com/?p=50594
رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468