الأربعاء, مايو 21, 2025
14.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

الانتقام المستمر ضد العلويّين في سوريا

"في هذه المقبرة، جثث عائلات بأكملها سقطت ضحية الكراهية"

 جريدة الحرة

عن “لوموند” – بتصرّف

بقلم: إيلين سالون 

منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، تعيش الطائفة العلوية على وقع موجة متصاعدة من أعمال الثأر والانتقام، في ظل غياب أي شكل من أشكال الحماية أو المحاسبة. ففي مطلع آذار الماضي، شهد الساحل السوري سلسلة هجمات منسقة نفذها أنصار النظام السابق ضد جهاز “الأمن العام” — الشرطة الجديدة — ما أدى إلى موجة عنف دامية استهدفت الطائفة العلوية، أسفرت عن مقتل 1,334 شخصاً، بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.

الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، تعهد بمحاسبة الجناة، معلناً تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تم تمديد مهلة عملها حتى مطلع تموز المقبل، نظراً لكثرة الشهادات المطلوب الاستماع إليها والكمّ الهائل من مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل، والتي وثّق الجناة أنفسهم جرائمهم عبرها.

لكن دبلوماسيين أجانب يرون في هذا التمديد مظهراً من مظاهر الحرج الذي تواجهه السلطات، حيث تشير التحقيقات بأصابع الاتهام إلى فصائل سورية تركمانية موالية لتركيا، منها “فرقة السلطان سليمان شاه” بقيادة “أبو عمشة”، و”فرقة الحمزة”، إضافة إلى جهاديين أجانب مندمجين ضمن وزارة الدفاع.

فقدان السيطرة وتوازنات حرجة

يفتقر الرئيس الشرع، القادم من صفوف “هيئة تحرير الشام”، إلى التفوق العددي والقدرات العسكرية الكافية لضبط هذه الفصائل المتطرفة التي تتعارض سياستها مع نهج التهدئة الذي يعتمده. ففي بعض القرى الساحلية، اندلعت اشتباكات بين هذه الفصائل ووحدات من “الأمن العام” خلال محاولات لوقف المجازر والنهب، وفقاً لشهادات سكان محليين.

يحتاج الشرع إلى موافقة تركيا للتحرك ضد الفصائل المسلحة المرتبطة بها، أو على الأقل لعزلها عن المنظومة الأمنية. لكنه في الوقت نفسه حذّر من خسارة دعم المكوّن السني المحلي، حيث يشارك بعض أفراده في هذه الفصائل بدافع الانتقام من جرائم نظام الأسد، ويضغطون لتقديم الجناة للعدالة، وهو مطلب يتنامى مع تصاعد الفظائع بحق العلويين.

ورغم أن هذه المجازر تستدعي إطلاق آلية عدالة انتقالية عاجلة، إلا أن السلطات لا تزال تتبنى مقاربة أمنية حذرة تجاه الملف العلوي، وتسعى للتفاوض المباشر مع أنصار النظام السابق، خشية إشعال تمرد جديد، بحسب مراقب أجنبي.

في ظل هذا التردد الرسمي، تتواصل عمليات خطف وقتل العلويين. وتقول والدة حسن، وهو أحد ضحايا تلك الحوادث: “كان لدينا أمل كبير بعد تشكيل الحكومة الجديدة في 29 آذار، فلماذا لا يتحرك وزير العدل الجديد؟”.

نساء من عائلة المنصور اتهمن عناصر من القوى الأمنية المحلية بالتورط في مقتل أقاربهن، كما وجّهن أصابع الاتهام إلى جيرانهن السنة بالتواطؤ. وروين أن الهجوم كان مدبّراً؛ ففي مساء 3 نيسان، حضر رجلان بلباس مدني، زعما أنهما يجريان تحقيقاً لصالح وزارة الصحة، وطلبا أسماء رجال العائلة، قبل أن تقع الكارثة.

“في صباح اليوم التالي، وصل رجال جدد إلى الحيّ. بعضهم باللباس المدني، وآخرون بزيّ “الأمن العام”. “دخلوا المبنى بحثاً عن أسلحة، لكنهم لم يصعدوا إلى شقتي في الطابق الأخير بعد تلقيهم اتصالاً من شخص يُدعى أبو عمر أمرهم بالتعجيل”، كما تروي “أم محمد”، مضيفة أنها سمعت صراخاً من الطوابق السفلى ثم خيّم الصمت. ومنذ ذلك الحين، اختفى خمسة رجال من الحي.

عندما توجّهت النساء إلى مركز “الأمن العام” في أسفل قلعة حمص، أنكر المسؤولون احتجازهم لهؤلاء الرجال. وتقول “أم محمد”: “عندما قدّمت شكوى، طلبوا مني ألا أذكر أنني تعرّفت على وجوه بعض المهاجمين، وإلا سأتعرّض للتهديد”. وترى أن الرجال لا يمكن أن يكونوا قد غادروا الحي، المحاصر بالحواجز الأمنية، من دون علم “الأمن العام”، متهمة عناصره بتجنيد شبّان محليين مدفوعين بروح الانتقام وتسليحهم. أما “أم حسن”، فتؤكد أن العائلة تلقّت تهديدات سابقة لإجبارها على مغادرة المبنى والحي.

رغم كل ذلك، يتمّ تقديم مقتل عائلة المنصور في الإعلام السوري على أنه مجرّد “حالة انتقام شخصية”. لكن في حمص، التي كانت ذات يوم مركزاً للثورة، ثم تحوّلت إلى معقل للنظام، تبدو الحقيقة أكثر تعقيداً: حرب أهلية دامية غذّت الأحقاد بين السنّة والعلويين والمسيحيين، وتركت جراحاً لم تندمل.

يوضح محمد صالح، المعارض السابق للنظام، أن معظم الهجمات ضد العلويين في حمص نابعة من ثأر عائلي، يغذّيها التدهور الاقتصادي والرغبة بالانتقام من أنصار النظام. ويشير إلى أن عائلات موالية للنظام استولت خلال الحرب على شقق معارضين هجّروا إلى شمال سوريا، بعضها بِيع بمساعدة قضاة فاسدين، وبعضها لا يزال محتلاً، وأخرى جرى إخلاؤها بالقوة.

ويضيف: “تكرار هذه الحوادث مقلق في ظل غياب دولة القانون”. ويؤكد أنه يبلغ الشرطة بكل عملية خطف أو قتل، ويتلقى ردوداً، مشيراً إلى أن “الفصائل الإسلامية التي تدير الأمور اليوم تتصرف أفضل مما كنا نخشاه، بالنظر إلى ماضينا الأسود”.

ورغم نشر عناصر “الأمن العام” لحماية الأحياء العلوية في بداية آذار، إلا أن الاغتيالات والاختطافات مستمرة. فهيثم حمادة، على سبيل المثال، لا يزال يجهل مصير صهره، خريج الحقوق البالغ من العمر 23 عاماً، الذي خُطف أمام منزله في 9 كانون الثاني من قبل عناصر بزيّ رسمي. يقول حمادة بأسى: “لم نتمكن حتى من الحصول على محضر رسمي، لأن المخفر لم يكن فيه موظف مختص. تعاملوا مع القضية كأنها مجرد قط ضائع”. وفي منتصف آذار، خُطف ابن عمّه أيضاً.

يرى أحد المراقبين الأجانب أن هذه “السياسة الصامتة للإرهاب” تتمّ بتغاضي السلطات التي لم تعد في موقع قوة. أما العلويون الذين ما زالوا يشكّلون الكتلة الديمغرافية الأكبر في حمص بسبب النزوح، فيُنظر إليهم كـ”أعداء من الداخل”. وفي ظل غياب العدالة الانتقالية، يُخشى أن يستمر هذا النمط من العنف، بل أن يتصاعد مع عودة المهجّرين السوريين إلى مناطقهم.

على الساحل السوري، حيث وقعت غالبية المجازر بحق العلويين بين 6 و10 آذار، لا تزال الأوضاع هشّة رغم وصول تعزيزات من “الأمن العام”. وبعد مرور شهر ونصف على المأساة، ما زالت الصدمة حاضرة بكل قوتها في قرية “صنوبر” الواقعة جنوب اللاذقية، حيث سقط نحو 300 قتيل.

المشهد في القرية لا يزال يحمل آثار الفاجعة: بقع دماء، فوارغ رصاص، ومنازل متفحمة بفعل الحرق المتعمّد. في النهار، يحاول السكان ترميم ما يمكن ترميمه، لكن مع حلول الليل، لا يبيت في القرية سوى من لا ملجأ لهم. تقول ديمة سالم، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 41 عاماً: “نسمع إطلاق نار في الليل، لا نعرف مصدره. تمرّ سيارات بزجاج داكن، مجهزة برشاشات، يستقلها رجال ملتحون وملثمون. الأمر مرعب”. ديمة فقدت زوجها، وهو موظف سابق في شركة تابعة لوزارة الدفاع، وطفليها التوأم، الذين أُعدموا أمام عينيها في 7 آذار.

تشير الروايات إلى أن جماعات مسلّحة تتخذ من قاعدة عسكرية مهجورة في غابة قريبة من صنوبر موقعاً لها. وفي كل منزل من منازل القرية، مأساة. وبعضها لم يبقَ فيه أحد ليحكي ما جرى.

في الطابق الأرضي لأحد المباني، يجتمع عدد من الجيران لمواساة سليمان خليفة وزوجته. الرجل البالغ من العمر 95 عاماً فقد ولديه الخمسينيّين وشقيقه البالغ 75 عاماً، والذين قُتلوا أمام ناظريه. يصرخ باكياً: “قتلتموهم وتركتم جثثهم في ساحة القرية! إن كنتم قد فعلتم ذلك، فادفنوهم على الأقل! هل هذا ما أوصاكم به أحمد الشرع؟”.

يؤكد أحمد العلوني، الذي كان يعمل في ميناء اللاذقية، أن الوضع في القرية أصبح أكثر صعوبة، قائلاً: “الناس الفقراء ليس لديهم خيار، من يستطيع الهجرة سيرحل، بينما قد تعود الجماعات المسلحة في أي لحظة، ترتكب جريمة وتتهم أنصار النظام بها.” ويؤكد أن لجنة التحقيق التي زارت القرية قالت إن المجازر ارتكبها أنصار النظام السابق، في حين أكدت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن النظام هو المسؤول عن مقتل 214 من أفراد الأمن و231 مدنياً، مُعزّزاً بأن الغالبية من القتلى هم من المدنيين وأنصار النظام السابق.

وفي السياق نفسه، لا تزال المجازر مستمرة في المناطق العلوية، فقد وقعت مذبحة في قرية حرف بنمرة في 31 آذار، أول أيام عيد الفطر، حيث قُتل رئيس البلدية وابنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأربعة أفراد من عائلة شحينة، في هجوم من مسلحين مجهولين.

وفي مساء اليوم السابق، يروي سامر شاهين: “سمعنا تكبيرات من القاعدة العسكرية الواقعة على بعد 800 متر من القرية، ورجالاً يصرخون: نحن قادمون إليكم يا خنازير. في اليوم التالي، جاء رجلان مقنّعان يرتديان الزي العسكري، وكان أحدهما يحمل بندقية قنص، ليطلبا مني ومن شقيقي إرشادهما للطريق. كانا سوريّين في العشرينات من عمرهما، وكان أحدهما ذا عيون زرقاء”. طلب الرجلان منهما معرفة ما إذا كانا مسلحين وإذا كانت القرية تنتمي للطائفة العلوية. رافق سامر وشقيقه الرجلين مسافة قصيرة إلى قاعدة عسكرية قريبة، وعادا بعد فترة قصيرة، وكانا يصوران الفيديوهات باستخدام الهاتف. راح الرجلان يطلقان النار على الرجال الذين تجمعوا أمام المنزل قبل أن يهربا. “لقد تلقّوا مكالمة هاتفية قبل أن يطلقوا النار. بعدها أعلنت قوات الأمن عن اعتقال الرجلين، لكنني أشكك في ذلك. فهم لم يظهروهما لنا، وأعتقد أن هذا كذب ولن يتم اعتقالهما أبداً. لم نعد نثق بأحد”.

https://hura7.com/?p=51651

 

الأكثر قراءة