الحرة بيروت ـ بقلم: البروفسور حسان مخلوف، رئيس الحركة البيئية اللبنانية
أين الضمير، وأين القانون، وأين أدنى احترام للحياة البرية؟ صيد طيور اللقلق المهاجرة في سماء لبنان ليس مجرد “هواية بريئة” أو “تراثًا” يُدافع عنه، بل هو جريمة بيئية مكتملة الأركان تُرتَكب بدم بارد ضد كائنات حية تُساهم في توازن النظام البيئي الذي نعيش فيه! طيور اللقلق ليست مجرد زينة للسماء، بل هي حلقات أساسية في سلسلة التنوع الحيوي؛ فهي تتحكم في أعداد الحشرات والزواحف، وتنقل البذور، وتُشكّل مؤشرًا حيويًا لصحة البيئة. قتلها هو ضربةٌ قاتلةٌ لنا قبل أن تكون لها، لأننا نُدمر بيدينا الدرعَ الطبيعي الذي يحمينا من اختلالاتٍ قد تُفقر التربة، وتُهلك الزرع، وتفتح الباب لانتشار الآفات.
لكن الجريمة الأكبر هي الانفلات القانوني الذي يسمح للمجرمين برفع بنادقهم نحو السماء دون رادع! أين الدولة؟ أين وزارة البيئة؟ أين قوانين تنظيم الصيد البري التي تُختزل في حبرٍ على ورق؟ الغياب المُتعمد لتطبيق القانون ليس جهلًا، بل تواطؤٌ فاضح مع عصابات الصيد التي تتباهى بجرائمها على وسائل التواصل كما لو كانت مآثر بطولية! هل يعقل أن تُحاسب دولةٌ مواطنًا على مخالفة مرورية بينما تترك أرضها وسماءها مذبحةً مفتوحةً للبعض من الصيادين الذين لا يحترمون القوانين؟
هذا ليس غيابًا للمحاسبة فحسب، بل تكريسٌ لثقافة الإفلات من العقاب التي تُغذي التطرف ضد الطبيعة. لبنان، الذي يَدَّعي الانتماء إلى حضارة البحر المتوسط وحماية التراث البيئي، يتحول إلى ساحةٍ لاصطياد الكائنات المهاجرة المُحمية دوليًا، بينما العالم يُحذّر من انقراض الأنواع وانهيار التنوع الحيوي. هل ننتظر حتى تخلو سماؤنا من كل حياةٍ طائرةٍ كي نستفيق؟
يا مسؤولين، يا مُشرعين، يا من تدّعون حماية الوطن، تاريخ البيئة لن يرحمكم. الأجيال القادمة ستلعنُ قصورَكم بحق البيئة حين تكتشف أن طيور اللقلق صارت ذكرياتٍ في كتب الأحياء.
كفى تدميرًا!
كفى صمتًا!
الطبيعة لا تُصالح مَن يغتالها.