الحرة بيروت ـ خاص
تُعدّ البيانات الحكومية في لبنان بمثابة إعلانات سياسية تحدد الخطوط العريضة لاستراتيجية الحكومة الجديدة، إذ يُفترض بها أن تقدم رؤية واضحة لعملها بعد نيلها الثقة من مجلس النواب، الذي يُفترض أيضاً أن يراقب تنفيذها للوعود الواردة في البيان. لكن في الواقع اللبناني، نادراً ما يُترجم هذا الدور الرقابي إلى محاسبة فعلية.
تحليل مضمون البيان الحكومي الأخير
صدر بيان حكومة الرئيس نواف سلام في 25 فبراير/شباط 2025، وحصلت الحكومة على الثقة استناداً إليه. لكن عند تحليل هذا البيان من منظور الأرقام وتكرار العبارات، نجد أن هناك محاور احتلت مساحة واسعة فيه، بينما تم تجاهل قضايا محورية تهم اللبنانيين.
بحسب دراسة أجرتها “الدولية للمعلومات“، لم يخصص البيان اهتماماً يُذكر لموضوع أموال المودعين، إذ لم تتجاوز الإشارة إليه 1% فقط (19 كلمة) من مجمل البيان البالغ 1813 كلمة، رغم كونه أحد الملفات الأساسية التي تشغل المواطنين الذين فقدوا مدخراتهم في المصارف.
في المقابل، حظي موضوع سلاح المقاومة ونزعه بـ19.8% (363 كلمة) من البيان، وهو الحيز الأكبر، بينما لم يتجاوز الحديث عن إعادة الإعمار 4.5%، فيما نالت التعويضات والمساعدات الاجتماعية 2.5% فقط. هذه الأرقام تعكس أولويات البيان، لكنها تطرح تساؤلات حول مدى ارتباطها بالهموم الفعلية للمواطن اللبناني.
بيان مُوجّه للخارج أكثر من الداخل
يثير توزيع العبارات في البيان الحكومي تساؤلاً جوهرياً: لمن كُتب هذا البيان، ولمن مُنِحت الثقة؟ يبدو أن لغة البيان جاءت محاولةً لإرضاء أطراف خارجية أكثر من كونها معالجة لقضايا الداخل. فهناك فقرات تلائم الموقف الأميركي، وأخرى تستجيب للطرح العربي، بينما تتماشى بعض العبارات مع الخطاب الغربي حول “المجتمع المدني” و”حقوق الإنسان” وغيرها.
في المقابل، أظهر استطلاع رأي أجرته “الدولية للمعلومات” أيضاً (شباط – آذار 2025) أن القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة للبنانيين هي الأزمة الاقتصادية، الفساد، وأموالهم المحتجزة في المصارف، وهي قضايا لم تكن في صلب أولويات البيان. كما أن موضوعي “إعادة الإعمار” و”نزع السلاح”، رغم تخصيص مساحة واسعة لهما في البيان، لا يشكلان أولوية بالنسبة إلى معظم اللبنانيين الذين يعانون من أزمات معيشية خانقة.
أرقام غائبة ورهانات غير واضحة
المفارقة في البيان الحكومي أنه، رغم كونه وثيقة رسمية يُفترض أن تكون مبنية على أرقام ومعطيات دقيقة، جاء خالياً من الأرقام باستثناء رقم يتعلّق بالمساحات الزراعية التي أحرقتها إسرائيل، في إشارة تُقرأ على أنها محاولة لمراعاة مزارعي الجنوب. وبحسب“الدولية للمعلومات”، لم يورد البيان أي أرقام حول الهجرة، البطالة، الودائع المصرفية المفقودة، نسبة اللبنانيين الذين لا يتمتعون بتغطية صحية، أو حتى حجم الاستيراد والتصدير. كما غابت الإشارة إلى النازحين السوريين الذين لم يُخصَّص لهم سوى 2.7% من الكلمات الواردة في البيان.
في انتظار “الخارج“
إذا كان البيان الحكومي يعكس رؤية الحكومة وأولوياتها، فإن التركيز الواضح على القضايا ذات البعد الإقليمي والدولي، مقابل تهميش الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المحلية، يؤكد أن البيان قد وُجّه للخارج أكثر منه إلى الداخل، والثقة التي مُنحت كانت أيضاً موجهة للخارج. أما اللبنانيون، فليس أمامهم سوى انتظار تدخلات أو مساعدات خارجية قد تُخفف من آلامهم… وتضاعف آمالهم.