الحرة بيروت ـ خاص
مع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة يعود الجدل حول الصيغة التي سيعتمدها البيان الوزاري لدعم المقاومة ضد إسرائيل، لا سيما في ظل انقسام اللبنانيين بشأن مصطلح “جيش- شعب- مقاومة”. فبينما تعتبر فئات سياسية أن هذه الصيغة لم تعد مناسبة في ظل المتغيرات الإقليمية والمحلية، يصرّ آخرون على ضرورة الحفاظ على حق المقاومة كجزء أساسي من العقيدة الوطنية. وقد عُرف لبنان تاريخياً باعتماد بيانات وزارية تتضمن فقرات داعمة للمقاومة، بدءاً من ما قبل اتفاق الطائف وصولاً إلى يومنا هذا، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل هذه الصيغة في البيان الوزاري الجديد.
لم تغب الإشارة إلى المقاومة عن البيانات الوزارية منذ ما قبل الطائف، حيث وردت في بيان حكومة الرئيس رشيد كرامي عام 1984 التي أكدت على ضرورة توحيد الصفوف في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. غير أن اتفاق الطائف نفسه، الذي تم توقيعه عام 1989، لم يأتِ على ذكر “المقاومة” صراحة، بل شدّد على ضرورة تنفيذ القرار 425 والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949.
بعد الطائف، عزّزت البيانات الوزارية حضور المقاومة، بدءاً من حكومة الرئيس سليم الحص عام 1989، حيث نص البيان الوزاري على دعم المقاومة كوسيلة أساسية لتحرير الجنوب والبقاع الغربي، وهو ما تكرر في حكومات عمر كرامي ورشيد الصلح ورفيق الحريري المتعاقبة. واستمر التوجه ذاته حتى العام 2000، حين انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، الأمر الذي دفع إلى إعادة تقييم موقع المقاومة في الخطاب الرسمي.
مثّل الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 منعطفاً في تناول المقاومة ضمن البيانات الوزارية. فرغم اعتبار الأمم المتحدة أن القرار 425 قد نُفّذ بالكامل، أصرّت الحكومة اللبنانية على أن الانسحاب لم يكن كاملاً بسبب استمرار احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ما برر استمرار المقاومة. وفي ذلك العام، وللمرة الأولى، جاء البيان الوزاري لحكومة الرئيس الحريري مشيراً إلى مزارع شبعا بالاسم، مؤكّداً أن الاحتلال لا يزال قائماً.
تواصل الدعم الرسمي للمقاومة خلال الحكومات المتعاقبة، مع تفاوت في الصياغات المستخدمة. فبينما كانت حكومة الحريري عام 1995 تتحدث عن “حق لبنان في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة”، بدأت حكومات ما بعد 2005 باستخدام تعبير “حق الشعب اللبناني في المقاومة”، في تحول يعكس تطورات المشهد السياسي.
شهدت البيانات الوزارية تطوراً في كيفية تناول المقاومة، ففي حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري بين 2005 و2019، بدأت الصياغة تتحول من دعم مباشر للمقاومة إلى التأكيد على “حق الشعب والجيش والمقاومة في الدفاع عن لبنان”، ما يعكس سعياً للتوفيق بين مختلف المواقف السياسية.
في حكومة تمام سلام عام 2014، جاء النص أكثر تحفظاً، إذ أكد على “حق المواطنين في المقاومة” دون الإشارة المباشرة إلى “المقاومة” ككيان مستقل. وتكرّر الأمر في حكومة سعد الحريري عام 2016، حين ورد في البيان أن “لبنان لن يألو جهداً في الدفاع عن أرضه وحماية وطنه”، دون تأكيد واضح على دور المقاومة.
أما في حكومة نجيب ميقاتي عام 2021، فقد اقتصر البيان الوزاري على “التمسك باتفاقية الهدنة وحق المواطنين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”، وهو تطور ملحوظ مقارنة بالخطابات السابقة.
يتضح أن البيانات الوزارية عكست على مدار العقود الماضية تبايناً في الرؤية اللبنانية تجاه المقاومة، تبعاً للظروف السياسية الداخلية والتوازنات الإقليمية. وبينما كان دعم المقاومة ثابتاً في ظل السيطرة السورية، شهدت الصياغة تغيرات تدريجية بعد العام 2005، في ظل التحولات السياسية والانقسام الداخلي حول دور المقاومة وسلاحها.
اليوم، ومع إعداد البيان الوزاري الجديد، يعود السؤال حول كيفية تناول المقاومة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا، وتغير المعادلات الداخلية والخارجية. فهل سيحتفظ البيان الجديد بصيغة “جيش- شعب- مقاومة” أم سيعتمد مقاربة أكثر تحفظاً؟ سؤال مفتوح على جميع الاحتمالات في المشهد السياسي اللبناني المعقّد.