جان-كلود سعاده
جريدة الحرة ـ بيروت
نسمع كل يوم من المسؤولين اللبنانيين نظريات “العودة إلى ما كانت عليه الأمور في الماضي”،
عودة النشاط الاقتصادي،
عودة الناتج المحلّي إلى مستويات ما قبل الأزمة،
عودة القطاع المصرفي إلى سابق عهده،
عودة السيّاح والإخوان العرب،
عودة الثقة، والتي يقول البعض بأنه ثبت له معاينة عودتها بالعين المجرّدة من إحدى التلال فوق بيروت.
لكنّه يغيب عن هذه المجموعات أن الزمن تغيّر والبلد تغيّر والمنطقة تغيّرت وبلدان المنطقة جميعها لم تعد ما كانت عليه في منتصف القرن الماضي عندما سافر إليها اللبنانيون بمهاراتهم وتعليمهم العالي ولغاتهم المتعددة وعملوا فيها لسنوات فساعدوا عائلاتهم وبلدهم وأدخلوا العملات الصعبة إلى اقتصاده. وإنتهت الحكاية بأن جاءت عصابة اللصوص وسرقتهم في بلدهم.
ما هو هذا الماضي الذي تريدون العودة إليه؟
ما هو هذا المجد الضائع الذي تريدون استعادته؟
هل هو نصف قرن من الفساد والتحاصص؟
أم هو خمسون عاماً من التهريب والتهرّب الضريبي ومن تبييض الأموال في خدمة جميع مافيات الكوكب؟
فبينما كنتم تتقاسمون جُبنة السُلطة وتنبشون قبور الماضي وتقترعون على تعب الأوادم الحقيقيين، تغيّر الزمن ودار الكوكب دورته وأصبحت دول المنطقة في مكان آخر وعصر آخر من العلم والتطور والتأثير السياسي والإقتصادي وليس على مستوى الشرق الأوسط فقط، بل على مستوى العالم.
نعم العالم أصبح في مكان آخر وأنتم ما زلتم تريدون أن تذهلوه بالـ”كبّة النيّة” وأسطورة “خمس دقايق بين البحر والجبل”.
بينما الحكومات اللبنانية المتعاقبة مشغولة جداً في اختراع خطط لتشريع “سرقة العصر” وترميم ما تصدّع من المنظومة القديمة-الجديدة، يسعى اللبنانيون، أو القادرون من بينهم، إلى الهجرة، ويمتلئ البلد بسكان آخرين.
بينما أنتم تتذاكون وتماطلون عن قصد في تنظيف هذه المزرعة وتحويلها إلى دولة حديثة وقادرة، يبدو أن الدول الكبرى والقوى الإقليمية المؤثّرة سئمت منكم ومن “حركاتكم” وقررت تحويلكم إلى “بورة للكسر” ومكب لنفايات المنطقة ومشاكلها ومجموعاتها النافرة.
الخوف الحقيقي الآن هو أن يكونوا قد قرّروا وضعكم تحت إشراف “ناظر بلاد الشام” المعيّن حديثاً بعد أن وصلوا إلى قناعة بأنكم غير قابلين للإصلاح والبلد “ما بيحرز” تعيين مندوب خاص له.
تابعوا تمثيل المسرحية الهزليّة وابتسموا للكاميرات وصرّحوا كثيراً، كثيراً للصحافة فهذا سوف يكون إرثكم للتاريخ.
خبير في التواصل الاستراتيجي