الخميس, ديسمبر 12, 2024
1.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

الحرب في لبنان تهدّد السجناء نفسياً وحياتياً. بقلم مروى بلوط

المفكرة القانونية. “باتت أكبر أحلامنا أن نشرب أو نأكل. فهذه الأمور البديهية أصبحت لمن استطاع إليها سبيلاً مع ارتفاع عددنا”، كما يقول أحد الموقوفين في سجون لبنان منذ 15 شهراً. وكيف يحلم من ليس النوم خياراً متاحاً له؟ حتى الراحة في النوم باتت مشقّة مع اعتماد مبدأ “المداورة”، حيث يشرح سجين آخر أنّ “الغرفة التي تتّسع لخمسة أشخاص بات فيها 12 سجيناً، ومن لا يجد له مساحة للنوم ينتظر استيقاظ أحد رفاقه ليأخذ مكانه”.

في الحرب، قد يجد من يعيشون تجربة الفقد، المواساة بين أقربائهم وأصدقائهم، ولأجل ذلك يُقام العزاء، ولكن خلف القضبان الحديدية في السّجون يرخي شعور الفقد بثقله على السّجناء الذين تقتل إسرائيل أفراداً من عائلاتهم، فيصبح العزاء غربة أكبر وسط وجوه غريبة جميعها تحتاج إلى من يواسيها.

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 2023، اتخذت قوى الأمن الداخلي في لبنان إجراءات لتفريغ أماكن التوقيف التي تقع في المناطق الخطرة، وهو ما يشمل اليوم حوالي 8000 سجيناً وفقاً للمصادر الأمنية. ففي المرحلة الأولى، أُفرغت كلّ السجون الموجودة في جنوب الليطاني، أي صور، وبنت جبيل، ومرجعيون، وتبنين، وتلاها في المرحلة الثانية سجن النبطية وسجن بعلبك، بالإضافة إلى مجمّع النظارات في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقد نُقل العدد الأكبر من السجناء إلى سجن رومية، فيما توزّع الباقون بين سجن زحلة وجب جنّين (البقاع) وعاليه وجبيل (جبل لبنان) والبترون (الشمال) وغيرها.

وفي خطوة تهدف إلى معالجة ارتفاع نسبة الاكتظاظ داخل السجون اللبنانية وتخفيف الأعباء عن كاهل الأهالي في ظلّ العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، باشرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، بالتعاون مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، بتنفيذ مبادرة تهدف إلى العمل على تقديم طلبات أمام مختلف المراجع القضائية في لبنان، لإخلاء سبيل الموقوفين الذين ينتظرون محاكمتهم. وقد بلغت نسبة الموقوفين من مجمل السجناء 82%، بحسب رئيس الهيئة، الدكتور فادي جرجس. وتشير أرقام مديرية السجون في وزارة العدل إلى أنّ نسبة الموقوفين في سجون ونظارات قصر العدل تجاوزت 61% في نهاية حزيران/يونيو 2024.

إزاء ارتفاع نسبة الموقوفين، تبحث الهيئة عن شتّى السبل لضمان الحصول على قرارات إخلاء سبيل من خلال مطالبة القضاء بالالتزام بتطبيق النصّ القانوني، وبخاصّة المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنصّ على الحدّ الأقصى لمدّة التوقيف الاحتياطي للموقوفين الذين يستوفون شروطها. وهي مبادرة يواجهها العديد من التحدّيات في ظلّ الأوضاع الأمنية الراهنة.

يعيش السجناء في ظلّ ظروف إنسانية قاهرة، ليس فقط بسبب الاكتظاظ، بل أيضًا جرّاء وجودهم

بعيدًا عن أهاليهم في ظلّ الحرب وحركة النزوح التي نتجت عنها. تكبّلهم المسافة وتحرّرهم جملة بصوت أحد أفراد عائلتهم عبر مكالمة هاتفية “نحن بخير”. وممّا لا شكّ فيه أنّ السجناء يعتمدون على أهاليهم لتزويدهم بالطّعام والأدوية ومختلف الحاجيّات لعدم قدرة الدولة على تأمين كلّ ذلك، ولكنّ عدداً كبيراً من أهاليهم قد نزحوا إلى أماكن بعيدة عن مكان تواجد أبنائهم وقد بات من الصّعب على بعضهم الوصول إليهم لزيارتهم.

وفي محاولة للحدّ من مآسي النزوح وانعكاساته على السّجناء وأهاليهم، أكّدت مصادر قوى الأمن الداخلي أنه سوف يتمّ العمل على آلية توزيع منظّمة للسّجناء على مختلف السجون بعدما تمّ نقلهم من سجون بعلبك والجنوب. “طلبنا من المساجين تزويدنا بمعلومات حول أماكن نزوح عائلاتهم لنُعيد توزيعهم تبعاً لذلك بشكل يضمن وجودهم على مسافة قريبة من عائلاتهم، وذلك من منظور التعامل مع الأمر بناءً على رؤية إنسانية، إضافة إلى تخصيص وقت أكثر للاتصالات الهاتفية بظلّ الفترة الراهنة”.

المطالبة بتطبيق المادة 108

اكتظاظ السجون ليس وليد اللحظة، ولكنّ حرب إسرائيل على لبنان أعادت صرخة السّجناء إلى الواجهة، وبرزت الحاجة الملحّة للاستنفار على المستوى الحقوقيّ والإنسانيّ قبل أيّ شيء آخر. وفي سياق مبادرتها للمساهمة في التخفيف من الاكتظاظ،، قامت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان خلال فترة 6 أشهر بحوالي 228 زيارة للسّجون وأماكن الاحتجاز، لدراسة ملفات الموقوفين وتحديد من منهم يستوفون شروط إخلاء السبيل المحدّدة في المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وخلال زياراتها، لاحظت الهيئة الوضع المزري للسجناء وعدم توفّر أدنى معايير حقوق الإنسان خلال احتجازهم. بعض الأشخاص لا زالوا موقوفين منذ ثلاث سنوات وأكثر (من دون أن تتم محاكمتهم)، وذلك نتيجة غياب المحاكمات، والمساحات ضيّقة في السجون لا تتّسع للجميع، فينتهي الأمر بعدم تمكّن الموقوفين من إيجاد مساحة للنّوم. والعدد الكبير يقلّل من فرصهم في الحصول على الطعام أيضاً، أمّا الطبابة فهي غير مؤمّنة. فالدولة غير قادرة على تأمين كلّ الاحتياجات، والقضاء متلكّئ في مكان ما عن القيام بدوره.

وانطلاقًا من الصلاحية الممنوحة للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والتي تمكّنها من الدخول إلى السجون وأماكن الاحتجاز والوصول إلى ملفات السّجناء بحسب القانون، تواصلت مع مدعي عام التمييز ورئيس مجلس القضاء الأعلى، اللذين أعربا عن جهوزيّتهما للتعاون. فأصدر النائب العام التمييزي بالتكليف، القاضي جمال الحجار، تعميمًا في تاريخ 29/10/2024 لاعتماد آلية لتسهيل إجراءات تقديم الموقوف طلب تخلية السبيل بهدف تفعيل تطبيق المادة 108، وذلك من خلال الإتاحة له التوقيع على الطلب في السجن مكان توقيفه، والسماح للهيئة الوطنية بأن تتولّى “استلام الطلبات من السجون وتأمين وصولها إلى المراجع القضائية الواضعة يدها على ملفات الموقوفين تمهيدًا للبتّ فيها وفق الأصول بالسرعة المرجوّة”.

ورغم الخطة الموضوعة، تواجه الهيئة صعوبة في الوصول إلى المعلومات المتعلّقة بملفات الموقوفين، وهذا يعود إلى الفوضى المستشرية في الدولة والفساد جرّاء وجود موظّفين مرتشين، بحسب جرجس. وفيما تعمل الهيئة لتمكين الموقوف من تقديم طلب إخلاء السبيل، يبقى القرار النهائي بقبول أو رفض الطلب لدى السلطات القضائية.

المشروع الذي بدأته الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أمامه مسار طويل من العمل، فالتطبيق على الأرض يحتاج إلى وقت لكي يؤتي ثماره. ومن بين ملفات الموقوفين، تمّ استثناء المتهمين بجنايات القتل والمخدرات والإرهاب والعمالة، كون المادة 108 تستثنيهم.

وفي هذا السياق، تشرح مسؤولة القسم القانوني في مركز حقوق الإنسان الذي يقدّم الدعم القانوني للموقوفين التحديات التي قد تزيد من صعوبة تطبيق المادة 108 في الظروف الحالية. التحدي الأوّل يتمثّل بصعوبة الوصول إلى ملفات الموقوفين في المحاكم وذلك بسبب عدم التمكّن من نقلها بعد من المحاكم التي تقع ضمن المناطق التي هي حالياً تحت العدوان الإسرائيلي، مثال بعلبك وصور والنبطية وغيرها. وفي حال عدم وجود ملفّ لا يمكن التقدّم بطلب إخلاء سبيل، وبالتالي ينحصر الأمر بالمناطق التي لا زالت تعمل فيها المحاكم بشكل طبيعي.

https://hura7.com/?p=37098

الأكثر قراءة