جريدة الحرة
بقلم: سعيد غريّب
شهدت كل أشهر السنة عبر التاريخ الحديث أحداثاً وثورات وتغييرات جذرية على مستوى الإنسانية، لكنّ لشهر أيار، وعبر تاريخ لبنان تحديداً، طعماً آخر ممزوجاً بالورود والأشواك. شهر أيار هو الشهر المريمي وشهر الورود في الطبيعة وشهر الأشواك في السياسة وشهر العمال حول العالم.
ففي أيار 1958 بدأت الأحداث في نهاية ولاية الرئيس كميل شمعون. وفي أيار 1968 ولد الحلف الثلاثي بين ثلاثة “أقوياء”: كميل شمعون، ريمون إده وبيار الجميل فكان بداية تقهقر النهج الشهابي ودولة المؤسسات. وفي أيار 1973 اندلعت اشتباكات شكّلت الشرارة الأولى الكبرى بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني. وفي أيار 1975 كانت الجولة الثانية من الحرب إيذاناً باستمرارها خمس عشرة سنة. وفي أيار 1983، كان الاتفاق الشهير الذي عُرف باتفاق 17 أيار وما تلاه من تفكيك لبقية أوصال الدولة. أما أيار 2000 فكان شهر الورود بخروج اسرائيل من لبنان. وأيار 2008 عرف وروداً ممزقة بالأشواك، فانتخاب رئيس الجمهورية تلا عملية أمنية في بيروت وغير منطقة، وأتبعت باتفاق الدوحة الشهير وما أرساه من عرف جديد في تأليف الحكومات وحكم البلاد وسيطرة كاملة لحزب الله. اليوم كيف تبدو الصورة مع بداية شهر أيار 2025 ؟
الواضح حتى الآن أن التطورات في اليمن وغزة وطهران وبيروت ولا سيما المفاوضات الأميركية الإيرانية لا تزال تتفاعل وستتصاعد بما لا يسمح بالتخمينات أو التوقعات، وتجزم مصادر غربية واسعة الاطلاع أن أي خطأ في الحساب قد يفجّر المنطقة برمّتها وأنّ الحقائق في حال تمّ الأمر ستكون خارج الكلام وستصبح كأنها عكس الكلام.
وعلى الصعيد اللبناني تضيف المصادر عينها أن الانتظار سيبقى سيّد الموقف، شريطة ألّا تدخل الانقسامات الحادة بين أفرقاء نزاع الصراع الخطير والمصيري للجميع. فالوضع عموماً لا يزال تحت السيطرة على الرغم من تجدد القصف على الضاحية الجنوبية ومن غير المسموح، على الأقل في الوقت الراهن، الاحتكام إلى الشارع وزعزعة الاستقرار المقبول في لبنان.
ولكن هل مسموح أن يعرف اللبنانيون أكثر من ذلك؟ تجيب أوساط لبنانية متابعة أنّ اللبناني لم يعد يستطيع تفسير ما يجري على أرضه إلّا من خلال واقع وهو أن لبنان، ربّما اليوم أكثر منه في أيّ وقت مضى، أمسى في منزلة الورقة في لعبة العلاقات الإقليمية الدولية على مستوى منطقة الشرق الأوسط خصوصاً في ظل سيد البيت الأبيض دونالد ترامب. وسيبقى لبنان “لا معلقاً ولا مطلقاً” ممنوع أن يموت وممنوع أن يعيش إلى حين صدور القرار الكبير الآتي من مصالح الكبار. وسيبقى أيّاً يكن القرار استغلال الطائفية هو المشكلة الأم التي يتفرّع منها أكثر منطلقات الأزمة اللبنانية وتشعباتها ومضاعفاتها في أبعادها الداخلية، هو المشكلة التي صدّعت الجبهة الداخلية وأحدثت فجوات في جدران البيت اللبناني وتسرّبت من خلالها عوامل التفجير من الخارج.
أخيرا هل يحمل أيار 2025 مفاجأة ما تريح لبنان واللبنانيين؟ يبقى الاتكال على السيدة العذراء. إنه الشهر المريمي. شهر سيدة لبنان عليها السلام.