خاص ـ مع استعداد دونالد ترامب – وحثّ إسرائيل له – لإصدار أمر بشن غارة جوية على المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض، يبدو من المتوقع أن ينضم وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، بما في ذلك كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى المحادثات الطارئة في جنيف مع ممثلي إيران.
هذا التدافع هو جزء من جهد محموم تبذله الحكومات الأوروبية لإيجاد طريقة دبلوماسية للخروج من الحرب المستمرة بين إسرائيل وإيران، قبل أن تحولها أمريكا إلى ما يخشون أن يكون أكبر وأسوأ بكثير.
قدّم ترامب وفريقه للمسؤولين الأوروبيين أملاً في ألا تذهب جهودهم سدىً. وأعلن البيت الأبيض أن ترامب سيقرر ما إذا كان سيأمر بعمل عسكري أمريكي، إذ يعتقد أن “هناك فرصة كبيرة للمفاوضات”. ويبدو أن الإطار الزمني الأطول المتاح لترامب لاتخاذ قراره يفتح الباب أمام دفعة دبلوماسية متجددة، مما يمنح المحادثات في سويسرا وزناً أكبر بكثير.
إلى جانب كالاس، من المتوقع أن يحضر وزيرا خارجية ألمانيا وفرنسا، بينما يتوجه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي مباشرة إلى جنيف قادماً من واشنطن حيث أجرى محادثات مع نظيره الأمريكي، ماركو روبيو. وسيمثل إيران وزير الخارجية، عباس عراقجي. والسؤال يتمحور حول ما إذا كان الأوروبيون قادرين على تحقيق تقدم ملموس.
تظهر الأزمة الإيرانية بوضوح مدى نجاح ترامب في تحييد النفوذ الجيوسياسي الأوروبي على مدى العقد الماضي، حتى في المناطق التي قد تتوافق فيها مصالحها مع مصالح أمريكا. ففي عام 2015، لعبت هذه القوى الأوروبية نفسها (ما يُسمى بالثلاثي الأوروبي) دوراً رئيسياً في إبرام آخر اتفاق نووي مع إيران، وهو خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي جرى التوصل إليها في عهد إدارة باراك أوباما، وعارضها ترامب، فانسحبت الولايات المتحدة منها عام 2018.
ومنذ ذلك الحين، تسعى أوروبا جاهدة إلى إيصال صوتها بشأن القضايا المتعلقة بإيران. وعلى نحو مماثل، فشلت قوى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في ممارسة قدر كبير من النفوذ على حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وخاصة منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023.
يأمل المسؤولون الأوروبيون سراً في منح ترامب فرصة للتراجع عن مساره الحالي نحو العمل العسكري. فقد هدّد الرئيس الأمريكي بقتل المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وأعلن أنه يدرس استخدام قنابل خارقة للتحصينات لتدمير منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية تحت الأرض.
أكد دبلوماسي أوروبي، تحدث دون الكشف عن هويته، كغيره في معرض مناقشة مسائل بالغة الحساسية: “هناك ما يعيق ترامب”. وأضاف: “الولايات المتحدة مستعدة للانضمام إلى الضربات العسكرية الإسرائيلية، لكن لا شيء يحدث طالما هناك فرصة سانحة”. وتابع الدبلوماسي: “يجب ألا نقلل من مدى كره ترامب للحرب”.
يقول جون ساورز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6): “إن ترامب كان يفضل ألا تبدأ إسرائيل حرباً مباشرة مع إيران على الإطلاق”. وأضاف ساورز في مؤتمرٍ استضافه مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن: “كانت هناك فرصة سانحة لم يُرِد الرئيس ترامب أن يغتنموها”.
ناشد ترامب إسرائيل منحه مزيداً من الوقت لمفاوضاته، لكن نتنياهو تجاهل ذلك، وانضم ترامب عملياً إلى النهج الإسرائيلي. وأوضح ساورز: “بعد أن وضعت إسرائيل العالم في موقف يُغضب إيران، سيكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تتدخل لإنهاء المهمة”.
مراسلة أمريكا
لكن مسؤولين ودبلوماسيين آخرين من ذوي العلاقات الجيدة في مجموعة الدول الأوروبية الثلاث لا يشاركون هذا الرأي، ويخشون أن يمتد الصراع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق إذا تدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر.
الهدف من استئناف المحادثات مع إيران هو الحصول على ضمانات بألا تستخدم طهران برنامجها النووي إلا للأغراض المدنية، وفقاً لمسؤول من إحدى دول المجموعة. وأضاف المسؤول: “هذا هو بالضبط ما وصلنا إليه في المفاوضات التي خرجت عن مسارها بسبب النشاط الإسرائيلي”.
لكن المسؤول توقع أنه من غير المرجح أن تصل أي محادثات تجري إلى نتيجة نهائية، على الرغم من محاولة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إثبات نفسه كـ”صانع السلام”. وتابع: “إن اجتماع جنيف، بافتراض انعقاده في ظل هذا السياق المتقلب، سيكون بمثابة تدريب تواصلي”. وأضاف: “أي اجتماع سيكون لنقل رسالة من الإيرانيين إلى الأمريكيين حول نواياهم بشأن برنامجهم النووي”.
الحقيقة هي: ليست إيران من يحتاج إلى إقناع لوقف الحرب، بل ترامب. فقد أشار الأخير إلى أنه على وشك الموافقة على طلب نتنياهو بتدمير القدرات النووية الإيرانية، حتى وإن لم يُؤيد بعد دعوات تغيير النظام في طهران.
بدوره، أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو: “إن الإيرانيين كانوا واضحين نسبياً في استعدادهم لاستئناف المحادثات، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار”.
وتابع بارو: “نحن على أهبة الاستعداد، كما فعلنا في الأشهر والسنوات الأخيرة، لتقديم صيغة تضمن المصالح الأمنية لإسرائيل والمنطقة وأوروبا، وتتناول في الوقت نفسه البرنامج النووي الإيراني، وبرنامج الصواريخ الباليستية، وأنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
من الواضح أن الفرنسيين يرون فرصة للعمل كصانعي سلام بين إيران والولايات المتحدة. لكن الأوروبيين الذين يريدون السلام هم في صراع مباشر مع إسرائيل، التي تريد إقناع ترامب بقصف إيران.
وقد حدد مسؤول إسرائيلي ما تريده بلاده من المشاركة الأوروبية مع إيران في جنيف: “نتوقع رسالة واضحة وقوية إلى الإيرانيين تفكيك البرنامج النووي بالكامل، وتفكيك قدرات الصواريخ أرض أرض، والتوقف عن تمويل الوكلاء والإرهاب”.
توجه السفير البريطاني لدى واشنطن، جيمس لامي، إلى واشنطن لإجراء محادثات مع وزير الخارجية الأمريكي، وهو ما قد يساعد في جلب هذا المنظور الأوروبي مباشرة إلى قلب عملية صنع القرار في العاصمة واشنطن.
ويشغل روبيو منصبين، بصفته أعلى دبلوماسي في الولايات المتحدة، ومستشار الأمن القومي بالإنابة لترامب، بعد أن أطاح الرئيس بمايك والتز. وليس من الواضح أن تكون نصيحته حاسمة عندما يتعلق الأمر بما سيفعله الرئيس.
إن العلاقات البريطانية – الأمريكية أكثر تعقيداً من العلاقات الفرنسية، حيث يحاول رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، الموازنة بين رغبته في البقاء على مقربة من الولايات المتحدة بما في ذلك تقديم الدعم العسكري المحتمل للعمل العسكري، ووقف الصراع.
بالنسبة لأولئك الذين يريدون تجنب التصعيد، هناك اعتبار آخر. إذ لدى ترامب – الذي وعد بعدم جر أمريكا إلى المزيد من الحروب الخارجية، وبأن يكون رئيساً صانعاً للسلام – أسبابه الداخلية الخاصة لإبقاء أمريكا بعيدة عن الحرب. وبينما يحث بعض الجمهوريين التقليديين ترامب على التدخل، يعارض آخرون في حركة “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” التدخلات العسكرية الخارجية، ولا يرون مبرراً لنشر القوات الأمريكية في هذه الحالة.
لا تزال احتمالات تحقيق اختراق دبلوماسي في جنيف ضئيلة، على الرغم من وجود فرصة سانحة الآن على الأقل لإجراء محادثات جادة محتملة. وسيكون من المفارقات أن يهبّ التحالف الأوروبي، الذي بذل ترامب كل ما في وسعه لإضعافه، عن غير قصد لمساعدة فصيل “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” المناهض للحرب، ومنحه ذريعة لعدم إلقاء القنابل على إيران.