جريدة الحرة
خاص ـ في خطوة تصعيدية ضد الاستخبارات الروسية، أعلنت الحكومة البريطانية فرض عقوبات على 18 جاسوسًا وثلاث وحدات تابعة لجهاز المخابرات العسكرية الروسية (GRU)، متهمةً إياهم بشنّ هجمات إلكترونية خبيثة داخل المملكة المتحدة، ومحاولة تقويض الاستقرار الأوروبي.
وأوضحت وزارة الخارجية البريطانية في بيان أن “المخابرات الروسية تورّطت على مدى سنوات في أنشطة إلكترونية تهدف إلى إثارة الفوضى والانقسام، سواء في أوكرانيا أو على المستوى العالمي”، مشيرةً إلى أن العقوبات الجديدة تطال أفرادًا ووحدات شاركوا بشكل مباشر في تنفيذ تلك الهجمات.
من جهته، شدد وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، على أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن ينجح في كسر عزيمتنا بتهديداته وعدوانه الهجين”، مؤكدًا أن المملكة المتحدة ستواصل الدفاع عن سيادتها وأمن مواطنيها.
وتزعم بريطانيا أن الوحدة 26165 التابعة لـGRU أجرت استطلاعًا إلكترونيًا استهدف ملاجئ القنابل المدنية في ماريوبول وخاركوف قبيل بدء الهجوم الروسي.
هجمات سيبرانية واسعة النطاق
بحسب السلطات البريطانية، فإن الهجمات الروسية طالت مؤسسات حيوية، من ضمنها شركات إعلامية، ومزوّدو خدمات الاتصالات، ومؤسسات ديمقراطية، إضافة إلى بنى تحتية للطاقة. وتُعد هذه العمليات جزءًا من استراتيجية هجينة تتبعها موسكو، تقوم على التجسس الإلكتروني، والتضليل الإعلامي، والتخريب الرقمي.
ومن أبرز الحالات التي سلّطت لندن الضوء عليها، تورّط عملاء من GRU في استهداف يوليا سكريبال، ابنة الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال، ببرمجيات خبيثة في عام 2013. ولاحقًا، في عام 2018، تعرّض سكريبال وابنته لمحاولة اغتيال بواسطة مادة “نوفيتشوك” في مدينة سالزبوري، في حادثة أثارت أزمة دبلوماسية حادة بين موسكو والغرب.
ويُعتقد أن الوحدة 26165 قد استخدمت برامج تجسس لمهاجمة البريد الإلكتروني ليوليا سكريبال، في إطار عمليات أوسع لجمع المعلومات واستهداف الأفراد.
عقوبات تطال الدعم العسكري الروسي في أوكرانيا
وصفت وزارة الخارجية البريطانية الوحدة 26165 بأنها “جهة إلكترونية متطورة وراسخة”، متورطة في عمليات اختراق وتسريب تستهدف أوكرانيا، وحلف شمال الأطلسي، ودولًا أوروبية. وربطت الوحدة بالهجمات التي استهدفت الحزب الديمقراطي الأميركي عام 2016، وحملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017، إضافة إلى محاولة تخريب دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024.
وامتدت العقوبات لتشمل وحدة أخرى ضمن GRU مسؤولة عن جمع معلومات استخباراتية إلكترونية تُستخدم لتوجيه الضربات الصاروخية الروسية في أوكرانيا، من بينها الهجوم الذي استهدف مسرحًا احتمى فيه مئات المدنيين في مدينة ماريوبول عام 2022، وأسفر عن خسائر بشرية فادحة.
كما استهدفت العقوبات “المبادرة الأفريقية”، وهي منصة يُزعم أن عملاء روسًا يستخدمونها لتنفيذ حملات تضليل في أفريقيا، بما في ذلك محاولات تقويض برامج الصحة العامة وزعزعة استقرار الحكومات المحلية.
الناتو يحذّر من تصاعد “الحرب الهجينة”
ندّد حلف شمال الأطلسي بما وصفه بـ”تصاعد استخدام روسيا للهجمات السيبرانية والهجينة كجزء من استراتيجيتها العدوانية”، داعيًا موسكو إلى التوقف عن هذه الأنشطة التي “تُقوّض الاستقرار الأوروبي والدولي”.
من جانبه، أكد المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة أن قراصنة روس طوروا برمجيات خبيثة تستهدف الوصول غير المشروع إلى حسابات Microsoft السحابية، في إطار ما وصفه بـ”هجمات متقدمة وممنهجة”.
خلفية التصعيد
تأتي هذه الخطوة البريطانية في سياق أوسع من التصعيد الغربي ضد موسكو منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022. ومع استمرار العمليات العسكرية والدعم الغربي الحاسم لكييف، تصاعدت المخاوف من استخدام روسيا الفضاء السيبراني كساحة بديلة للحرب، تستهدف من خلالها البنى التحتية الديمقراطية والاقتصادية في الدول الغربية.
وتشير التقديرات الأمنية إلى أن هذه الهجمات ليست حوادث متفرقة، بل جزء من استراتيجية روسية مكرّسة لإضعاف خصومها عبر أدوات هجينة يصعب تتبعها ومواجهتها بالطرق التقليدية.


