الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

الحيادُ وحصريّةُ السّلاح حلٌّ أَوحدُ

جريدة الحرة

بقلم : الدكتور جورج شبلي 

عندما تمَّ التقدّمُ باقتراحٍ تاريخيٍّ إلى اللبنانيّينَ عمومًا، وإلى ذَوي السّلطةِ، آنذاك، خصوصًا، مُتَضَمِّنًا بَندَين أساسيًّين، على مُستوى الاستراتيجيةِ الوطنية، هما اعتمادُ الحيادِ، وحصريةُ السّلاحِ بيَدِ قوى الدولة الشّرعية، كَحلٍّ إنقاذيٍّ موزونٍ، ومُتاحٍ، للأزمةِ التي أَتَت على أَخضرِنا واليابِس، نَذكرُ أنّ البعضَ سارعَ الى ردَّةِ فعلٍ سلبيّةٍ انفعاليةٍ غيرِ مُبَرَّرَة، تُجاهَ ذلك الطَّرح.

ولمّا كان مبدأُ حريّةِ الرأيِ والتَّعبيرِعنه، يُعطي الحقَّ بإعلانِ المواقفِ، أيًّا تَكُن، ولكنْ، مَشروطةً بالتروّي، وبالقوانين المَرعيّةِ الإِجراء، كان لازِماً، من الوجهة الموضوعيّة، تَوَخّي القراءةِ المُتَأَنِّيَةِ وغيرِ المُتَسَرِّعة، لهذا الاقتراح، لئَلّا يقعَ المُتَسَرِّعُ المُنفَعِل في المَحظور، وقد وقَع.

فما هي الأَسبابُ والخلفيّاتُ التي دَفعَت الى موقفٍ متطرِّفٍ ومُتَوَتِّرٍ، يرفضُ مبدأ الحياد، وتسليمَ السّلاحِ للدولة، ومن دون تقديمِ بديلٍ يُمكنُ اعتمادُهُ حلّا للأزمة المتراكمة ؟

إنطلاقًا من مَفهومِ الحيادِ الذي يعطي أيَّ دولةٍ الحقَّ في النَّأيِ بِنَفسِها عن الصِّراعات الدّائرة، وفي عدمِ الانحياز لأَيٍّ من المَحاور، ضمانًا لأَمنِها وسلامةِ شعبِها، وانطلاقًا من أنّ الدولةَ تمتلكُ، وحدَها، سلاحًا يُسَلَّمُ إلى قواها الرسميّة، كما هو معروفٌ، ومعمولٌ به في دُوَلِ العالَم كافةً، يُمكنُ أن نفهمَ، تمامًا، عقلانيّةَ، بل وطنيَّةَ الدعوة الى اعتماد الحياد، وحصرِ السّلاح بالدولة، سبيلًا للخلاص.

أمّا الغريبُ فهو أنّ المُنفَعِلين الرّافضين الذين تصاعَدَ الدّمُ إلى وجوهِهم، لم يصدرْ عنهم إلّا اعتبارُهم أنّ الذين طرحوا مسألةَ الحياد، وحصريّة السّلاح، كحلٍّ موثوقٍ ومتوفِّر، هم عملاءُ ينفّذونَ مؤامرةً صهيونو- أميركيّة، وهي مرفوضةٌ جُملةً وتفصيلًا، وبذلك، لم ينعطفوا عن روتينيّةِ المواقفِ والتَّصريحات المُكرَّرة والممجوجة، ليقدّموا بديلًا يقبلُ به أكثرُ الدّاخِلِ، وأغلَبُ الخارج.

مِمّا لا شكَّ فيه أنّ الوضعَ الرّاهنَ قد تَمادَت نتائجُه الكارثيّةُ، على مدى خارطةِ البلاد كلِّها: خوفًا، وجوعًا، وفَقرًا، وبطالةً، وهجرةً، وإفلاسًا، وزجًّا في أتونِ حربٍ لا شأنَ للبنانَ بها، أتَت على الأخضرِ واليابس، ضحايا ودمارًا…إنّ هذا الواقع البائسَ شكّلَ ثابتًا لا يمكنُ تَجاهلُهُ، أو قاعدةً تُلزِمُ، موضوعيّا، ووطنيًّا، وضَنًّا بسلامةِ البلدِ وأهلِه، بإيجادِ مخرجٍ آمِنٍ، ومأمول، يُساهِمُ في إجهاضِ أحداثٍ غيرِ محسوبةِ العواقِبِ، يُمكنُها أن تُؤَدّيَ الى انهيارِ الوطن، دولةً وكيانًا وحضورًا.

من هنا، واستنادًا الى الحيادِ الذي تَبَنَّته دُوَلٌ كثيرةٌ ما ساهمَ في استقرارِها، ورَغْدِ عيشِ مواطنيها، والدّفعِ الى نموِّها، واستنادًا الى ما هو مُتَّبَعٌ في أقطارِ الدّنيا من أنّ السلطةَ الرسميّةَ، وحدَها، تمتلكُ قرارَ الحربِ والسِّلم، والسّلاح، كان لا بدَّ من العَدوى المفيدة، والسَّيرِ في ركابِ هذه الدُّوَل، واعتمادِ الحيادِ وحصريّةِ السّلاح، حلّا مُجَرَّبًا، نتائجُه الإيجابيةُ موثوقة.

ولمّا كان هذا الطَّرحُ هو الحلَّ الوحيدَ الذي يُعيدُ للبلادِ سيادتَها، وأمنَها المنهوب، كان لا بُدَّ من دعوةِ الأممِ المتّحدةِ إلى عَقدِ مؤتمرٍ خاصٍ بلبنان، لحمايته، وتأكيدِ حيادِه، ما يؤمِّنُ انتشالَه، دَوليًّا، وبشكلٍ نهائيّ، من جهنَّم التي زَجَّه بها بعضُ أهلِ السّلطةِ، والمُستقوون الذين يتستَّرون بالهويةِ اللبنانية، ويمحضون ولاءَهم لسواها.

نحن نعلمُ بأنّ القضيّةَ لا تزالُ شائكة، بوجودِ جهةٍ مُستَنفِرَةٍ مُكابِرة، لكنّنا مؤمنون بأنّ الحيادَ، وحصريّةَ السّلاح، يشكّلانِ المشروعَ الذي يضعُ حدًّا لِنَحرِ سيادةِ الوطن، ولانهيارِ مؤسّساتِهِ، ويسحبُ صُكوكَ دحرجةِ البلادِ إلى هُوَّةٍ لا يُمكنُهُ الخروج من قَعرِها. ونحن على يَقينٍ بأنّ الحيادَ وحصريّةَ السّلاح، وحدَهما، يوقفان مصادرةَ لبنان، تحتَ مَسميّاتٍ مشبوهة، وذرائعَ ملتَوية.

من هنا، فإنّ قراءةَ الوقائعِ، بمسؤوليةٍ واعية، وبحسٍّ وطنيِّ التَوَجُّه، يمكنُ أن تشكِّلَ المسارَ الوحيدَ الذي يسعى الى إخراجِ الوطنِ من دائرةِ النّار، ومن جداولِ القَتل، وإنّ تبنّي سياسةِ الحيادِ الآمِنِ نظامًا قانونيًّا، وحصرِ الأسلحةِ بيَدِ القوى الشرعية، يحمي الاستقلال الوطنيّ، ويُبعِدُ البلاد عن الانزلاقِ الى صراعات المَحاورِ المسلَّحة، ويجعلُ الوطنَ واحةَ سلامٍ منيعة.

أمّا ما انفلَشَ من مواقفَ انفعاليّةٍ، ولا يزالُ ينفلِش، رَفضًا لطَرحِ الحياد، وحصرِ السّلاح بالدولة،  فيعودُ، بدون أدنى شكّ، الى نِيَّةِ المشبوهين، المستقوين بالسّلاح الخارج عن قَبولِ كلِّ البلادِ السياديّة، بالاستمرارِ في الزَجِّ بلبنانَ في حروبٍ قاتلةٍ، عبثيّة، لا نَاقةَ له بِها، وتؤدّي، حتمًا، الى تَدميرٍ للوطنِ، بِما فيهِ، ومَنْ فيه. أمّا إسراعُ المُنفَعِلين الى اتّهامِ المنادين بالحيادِ وحصريّة السّلاح، بأنهم “صهاينةُ الدّاخل”، ينبغي رَشقُهم بتهمَةِ العمالةِ والخيانة، فمسألةٌ بروتوتيبيّةٌ ممقوتة، تنطقُ أَبواقُها بِخطابٍ واحد، وفي وقتٍ واحد، وبِما يُملى عليها بالتّحديد، وقد أصبحَ هذا الاتّهامُ تقليدًا يلجأُ إليه جماعةُ أهلِ الكهف، الذين سقطَتِ الحجّةُ من أيديهم، وهم يعلَمون بِعدمِ جَدوى التّهمة الباطلة المُوَجَّهة الى الذين كانت الجرأةُ الوطنيةُ، في جُبلَتِهم، جمرةً بلا انطفاء.

إنّ طرحَ الحياد، وتسليمِ السّلاح الى الشرعية، وحدَه، يحصِّنُ الوطنَ من استعمارٍ جديد، هو أَسوَأُ من أسلافِه، إيديولوجيًّا، وإنكارًا للهويةِ الكيانيّة، وتهشيمًا لشرعيّةِ الدولة، واستبدالًا للديمقراطية بثيوقراطية مُحَنَّطَة. وهذا مشروعٌ مُدَمِّرٌ يستهدفُ لبنان، ويفتحُ له بابَ جهنّم… فهَل، هنالك، بعدُ، مَنْ له أُذُنان؟!

https://hura7.com/?p=51512

الأكثر قراءة