خاص – انتهى اجتماع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصورة كارثية في 28 فبراير 2025، بعد أن اصطدم الزعيمان في تبادل غير عادي للكلمات أمام وسائل الإعلام في البيت الأبيض بشأن الحرب مع روسيا. وكان زيلينسكي ينظر إلى الاجتماع في المكتب البيضاوي باعتباره فرصة لإقناع الولايات المتحدة بعدم الوقوف إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، منذ بدء حرب أوكرانيا في فبراير 2025.
وبدلاً من ذلك، هاجم الرئيس الأمريكي، ونائبه جيه دي فانس، زيلينسكي، وقالا إنه أظهر عدم احترام، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع أهم حليف لكييف في الحرب إلى مستوى جديد. وقال مسؤول أمريكي إنه طُلب من الزعيم الأوكراني المغادرة. بينما ظلت الاتفاقية بين أوكرانيا والولايات المتحدة بشأن التنمية المشتركة للموارد الطبيعية الغنية في أوكرانيا، والتي كانت كييف وحلفاؤها الأوروبيون يأملون أن تؤدي إلى علاقات أفضل، بلا توقيع وفي طي النسيان.
وسارع زعماء أوروبيون إلى الدفاع عن زيلينسكي. حيث قال فريدريش ميرتس، المرشح لمنصب المستشار الألماني: “لا ينبغي لنا أبداً الخلط بين المعتدي والضحية في هذه الحرب”. وأكد مسؤول في الوفد الأوكراني في واشنطن أن زيلينسكي تحدث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا. ومن المقرر أن تستضيف بريطانيا اجتماعاً لزعماء أوروبا وزيلينسكي في الثاني من مارس 2025 لمناقشة الدعم الأمني لأي اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
لقد اتجه ترامب نحو روسيا منذ تولي منصبه كرئيس، مما أثار صدمة الحلفاء التقليديين في أوروبا وخارجها وترك أوكرانيا معرضة للخطر بشكل متزايد. وكان الخلاف بين ترامب وزيلينيسكي في 28 فبراير 2025 هو العرض الأكثر علنية لهذا التحول. إذ انفجرت الجلسة المتوترة بالفعل عندما أكد فانس على الحاجة إلى الدبلوماسية لحل أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ورد زيلينسكي بأن بوتين غير موثوق مشيراً إلى أن فانس لم يزر أوكرانيا قط.
وتساءل زيلينسكي بعد سرد الجهود الدبلوماسية الفاشلة مع روسيا: “أي نوع من الدبلوماسية تتحدث عنه يا جيه دي؟”. فرد فانس: “أنا أتحدث عن نوع الدبلوماسية التي ستحول دون تدمير بلدك”. وتحدى زيلينسكي ترامب علانية بسبب نهجه الأكثر ليونة تجاه بوتين، وحثه على “عدم تقديم أي تنازلات معه”. وسارع ترامب، الذي قال فريقه إنه وفانس “يدافعان عن الأمريكيين”، إلى موقع Truth Social بعد الاجتماع، لاتهام زيلينسكي بعدم احترام الولايات المتحدة. وكتب في تغريدة أخرى: “لقد قررت أن الرئيس زيلينسكي ليس مستعداً للسلام إذا شاركت أمريكا في الأمر. يمكنه العودة عندما يصبح مستعداً للسلام”.
وصرح ترامب أن زيلينسكي يحتاج إلى إدراك أنه يخسر الحرب. وقال: “ما يجب أن يقوله هو: “أريد أن أصنع السلام”. ليس عليه أن يقف هناك ويقول: “بوتين هذا، وبوتين ذاك”، وكلها أشياء سلبية. عليه أن يقول: “أريد أن أصنع السلام”. لا أريد خوض حرب بعد الآن”. وأجاب زيلينسكي عندما سُئل عما إذا كان من الممكن إنقاذ علاقته مع ترامب بعد الخلافات: “نعم بالطبع”. وبدا أنه يعبر عن بعض الأسف، مضيفاً “أنا آسف على ما حصل”.
ونشر رئيس القوات المسلحة الأوكرانية، أوليكساندر سيرسكي، بياناً على تيليغرام أكد فيه أن قواته تقف إلى جانب زيلينسكي وأن قوة أوكرانيا تكمن في وحدتها. وقد أبدى الأوكرانيون القلقون الذين كانوا يتابعون الانتخابات من بعيد تأييدهم لزعيمهم إلى حد كبير، لكنهم أبدوا قلقهم إزاء احتمالات استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية التي اعتمدت عليها البلاد.
وفي الكونغرس، كانت ردود أفعال الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب مختلطة، في حين انتقد الديمقراطيون طريقة تعامله مع الاجتماع. وأدار الزعيم الأوكراني الاجتماع باللغة الإنجليزية التي لا يتحدث بها أصلاً، ومع تقدم الاجتماع طغى عليه كلام ترامب وفانس. وقال ترامب: “أنتم لستم في وضع جيد. ليس لديكم الأوراق الآن. أما معنا، فقد بدأتم في امتلاك الأوراق”.
وردّ زيلينسكي: “أنا لا ألعب الورق، أنا جاد للغاية، يا سيد الرئيس”. وتابع الرئيس الأمريكي: “أنتم تلعبون الورق، وتقامرون بحياة ملايين البشر، وتقامرون بالحرب العالمية الثالثة”. وبدا الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف مستمتعاً بالمشهد، حيث كتب على تيليغرام أن الزعيم الأوكراني تلقى “توبيخاً كبيراً”.
الخروج المبكر
وبعد المحادثات، وجه ترامب اثنين من كبار مساعديه لإخبار زيلينسكي أنه حان وقت المغادرة، وأضاف المسؤول أن الأوامر صدرت للأوكرانيين بالمغادرة رغم رغبتهم في مواصلة المحادثات. وقد أدى هذا الخلاف إلى فشل أوكرانيا والولايات المتحدة في التوقيع على صفقة المعادن التي طال انتظارها والتي كانت كييف تأمل بأن تحفز ترامب على دعم المجهود الحربي الأوكراني واحتمال الحصول على دعم الجمهوريين في الكونغرس لجولة جديدة من المساعدات.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إن ترامب ليس مهتما بإعادة النظر في صفقة المعادن في الوقت الراهن. كما أدى هذا الصدام إلى تقويض الجهود التي يبذلها الزعماء الأوروبيون لإقناع ترامب بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا حتى لو رفض نشر جنود أمريكيين على الأراضي الأوكرانية للحفاظ على السلام. وتُعتبر مثل هذه الضمانات حاسمة لردع روسيا عن العدوان في المستقبل. وهدد ترامب بدلاً من ذلك بسحب الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
توجه ترامب إلى زيلينسكي بالقول: “إما أن تتوصل إلى اتفاق، أو نخرج، وإذا خرجنا، فسوف تقاتل حتى النهاية. لا أعتقد أن الأمر سيكون جميلاً”.”بمجرد أن نوقع على هذه الصفقة، ستكون في وضع أفضل بكثير. لكنك لا تتصرف على الإطلاق وكأنك ممتن، وهذا ليس بالأمر الجيد. سأكون صريحاً. هذا ليس بالأمر الجيد”. وأكد ترامب أن بوتين يريد التوصل إلى اتفاق.
وأضاف فانس أنه من علامات عدم الاحترام من جانب زيلينسكي أن يأتي إلى المكتب البيضاوي للتقاضي بشأن منصبه، وهي النقطة التي وافق عليها ترامب. وقال فانس: “لم تقل شكراً”، فرد زيلينسكي بصوت مرتفع: “لقد قلت شكراً للشعب الأمريكي مرات عديدة”.
ويواجه زيلينسكي، الذي حصل على مليارات الدولارات من الأسلحة الأمريكية والدعم المعنوي من إدارة بايدن، موقفاً مختلفاً تماماً عن موقف ترامب. إذ يريد ترامب إنهاء الحرب التي استمرت ثلاث سنوات بسرعة، وتحسين العلاقات مع روسيا، واستعادة الأموال التي أنفقت لدعم أوكرانيا. وقد قال: “آمل أن يتذكرني الناس كصانع سلام”.
وأوضح ترامب لزيلينسكي أن جنوده كانوا شجعاناً بشكل لا يصدق وأن الولايات المتحدة تريد رؤية نهاية للقتال وتوجيه الأموال إلى “أنواع مختلفة من الاستخدامات مثل إعادة البناء”. فقد توسعت أوكرانيا بسرعة في إنتاج صناعتها الدفاعية ولكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأجنبية، بينما تكافح أيضاً لتجديد قواها العاملة في ظل معركتها ضد عدو أكبر بكثير.
في حين صدت أوكرانيا الهجوم الروسي من ضواحي كييف واستعادت مساحات واسعة من الأراضي في عام 2022، لا تزال روسيا تسيطر على حوالى خمس مساحة جارتها وتتقدّم ببطء على الأرض منذ الهجوم المضاد الأوكراني الفاشل في عام 2023. بينما تسيطر قوات كييف على جزء من الأراضي في منطقة كورسك غرب روسيا بعد توغلها في عام 2024.
يُذكر أن ترامب دخل في خلاف طويل الأمد مع زيلينسكي، حيث انتقد تعامله مع الحرب، ووصفه بـ”الدكتاتور” وحثه على الموافقة على صفقة المعادن. لكنه نأى بنفسه بعد ذلك عن وصف “الدكتاتور”.